مصر بين قوة القانون وقانون القوة - عبد الفتاح ماضي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 5:02 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر بين قوة القانون وقانون القوة

نشر فى : الأحد 31 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 31 مارس 2013 - 8:00 ص

جاء على لسان السيد الفاضل وزير العدل خلال حوار تليفزيونى منذ أيام أنه «لا يوجد فى الأفق جماعة منظمة تفوق جماعة الإخوان المسلمين»، مضيفا أنه إذا رحل الإخوان عن الحكم، لن يأتى سوى الجيش.. لأن الدولة يلزمها «سيف».. ومؤكدا أن القوات المسلحة مؤسسة قوية.. ولديها «سيف».. وتستطيع أن تحقق الأمن بالقوة.. «وإذا رحلت الديمقراطية، فلن يسود سوى منطق القوة،» لأن هناك دولا تقوم على «القوة» و«السيف» و«الغزوات».. خطورة هذا الكلام أنه يأتى من وزير العدل الذى يتمثل دوره الأساسى فى حماية القانون وتمكينه فى دولة شهدت ثورة ضد دولة اللاقانون.

 

●●●

 

المشكلة الأساسية لمثل هذا النوع من التفكير ذات شقين، الأول أنه يحاول فهم الواقع الجديد بمنطق قديم وبآليات عصر انتهى ويجب مقاومة من يقاوم تجاوزه. أما الثانى فهو أن أصحابه لا يدركون أن هناك سنن كونية فى مسألة حكم المجتمعات وإدارة الدول، تمتلئ بها كتب العلوم السياسية وأدبيات التحول الديمقراطى، وتعلمتها النخب فى الدول التى شهدت تحولا ديمقراطيا ناجحا وذلك على عكس ما تم فى الدول التى شهدت تحولا ديمقراطيا فاشلا.

 

يغيب عن أصحاب هذا التفكير عدة أمور، أولها أن ما كان قائما فى مصر قبل الثورة أكبر بكثير من وجود قوة منظمة واحدة. لقد كان لدينا أحد أنواع النظم التسلطية الذى يستخدم فيه الحاكم استراتيجيات كثيرة للبقاء، منها آلية الحزب الواحد المسيطر (وهو لم يكن حزبا حقيقا وإنما آلية تدافع عن مصالح ضيقة وتجمع ثلة من المنتفعين فى قيادته)، بجانب أمور أخرى كثيرة، منها: التحالف مع قوى غربية وإقليمية مؤثرة، أجهزة أمنية واستخباراتية تابعة لشخص الرئيس، أجهزة رقابية غير مستقلة، قضاء إستثنائى وقضاء غير مستقل، شراء ذمم الناس والنخب بالترغيب أو إسكاتهم بالترهيب، التلاعب بالدستور والقوانين، السيطرة على العقول بإهمال وتخريب التعليم والإعلام والثقافة، وغيرذلك من أمور تمتلئ بها كتب السياسة.

 

وقد حقق هذا النظام «الأمن» لكثير من الناس لكن على حساب كرامة الإنسان وانهيار الدولة بالداخل وتبعية الدولة ومهانتها فى الخارج. وبالطبع لا تريد جماعة الإخوان –ولا الجيش ولا أى فصيل وطنى آخر ــ إعادة إنتاج هذا النظام، ولن يمكن لأى فصيل ــ إنْ أراد ــ إعادة انتاجه إلا إذا سالت أنهار من الدماء. 

 

ولا أعرف لماذا الربط بين «سيف» الجيش القادر ــ من وجهة نظر البعض ــ على تحقيق «الأمن» وبين وجود الإخوان الآن فى الحكم؟ وهل لدى الإخوان «سيف» آخر لتحقيق الأمن حتى يكون الإختيار بين الإخوان أو الجيش؟ ثم ألم يحكم المجلس العسكرى لمدة عام ونصف وفشل فى تحقيق الأمن وفى أشياء أخرى؟ كما أن الإخوان فى الحكم منذ ثمانية أشهر ولم يتحقق الأمن أيضا؟

 

ألا يدعونا هذا إلى التفكير فى أمور أخرى تحتاجها البلاد غير وجود «سيف» الجيش أو «القوة المنظمة» لأى فصيل حتى يتحقق الأمن والرفاه؟ ألا نحتاج إلى التفكير فى كيفية الوصول إلى نظام قائم على «قوة القانون» وليس «قانون القوة» وعلى دولة المؤسسات وتمكين المواطن من ممارسة السلطة وحماية كرامة الإنسان وحقوقه، بجانب التفكير فى المضامين الاقتصادية والاجتماعية للديمقراطية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين الأغلبية الفقيرة والمهمشة، وفى زراعة ثقافة جديدة تزرع الأمل وفضيلة الإلتزام بالقانون بعد عقود من ثقافة اليأس والرأى الواحد. 

 

ولماذا الإفتراض أساسا أن البلاد تحتاج إلى «جماعة منظمة» حتى يمكن أن يتحقق «الأمن» أو تسود «الديمقراطية»؟ إذا ساد هذا المنطق فلن تظهر ديمقراطيات حقة فى أى مكان فى العالم، إذ على الجميع انتظار وجود «أحزاب قوية» أو «جماعات منظمة» حتى نتصور إمكانية قيام ديمقراطية. لقد سارت الأمور الجيدة معا فى معظم الحالات.

 

ثم إن مثل هذا النوع من التصريحات قد يُفهم منه أنه يصب فى النهاية لصالح تسييس «المؤسسة العسكرية» إذا فشلت «الجماعة المنظمة»، كما قد يُفهم منه أنه لا يختلف كثيرا عن منطق الحزب الحاكم سابقا الذى كان لا يتصور له بديلا إلا الإخوان أو الفوضى!

 

ألم تحدث ثورة وأسقطت كل هذه المفاهيم؟ فلماذا العودة إليها؟

 

●●●

 

إن بناء النظام السياسى الديمقراطى الجديد «علم» من علوم السياسة له قوانينه وسننه ومهاراته، وهو يحتاج إلى سياسيين ونخب تفهم الواقع وتقرأه جيدا وتدرك أولويات الشعب فى هذه المرحلة التاريخية والتى بالطبع تختلف عما كان سائدا قبل 25 يناير، وتعرف سنن الكون ومهارات بناء الدول والمؤسسات. بجانب امتلاك هذه النخب (وهذا أمر مهم للغاية) إرادة التغيير وإرادة الخروج من أسر الماضى ومقاومة من يقاوم التغيير، وإمتلاك القدرة الفعلية على التغيير واستعانتها بالخبرات العلمية القادرة على ترجمة أولويات المجتمع إلى واقع ملموس والعمل على تغيير نمط ممارسة السلطة حتى يتمكن الشعب من ممارسة السلطة. وذلك على اعتبار أن بناء دولة القانون والمؤسسات سيؤدى إلى ظهور حكومات قادرة بدورها على وضع سياسات تلبى هذه المطالب والأولويات.

 

وهناك تفاصيل أخرى كثيرة عند التصدى لمهمة بناء دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية ليس من بينها تخيير الناس بين تنظيم محدد والجيش. إن على وزراء مصر بعد الثورة بذل كل الجهد الممكن لمعرفة كيفية بناء مؤسسات سياسية قوية وفعّالة (برلمان وحكومة)، وأحزاب متعددة وفعّالة تمارس الديمقراطية داخلها وفيما بينها، ونظام انتخابى منصف وفعال، ومؤسسات دولة محايدة وفعالة وغير مسيسة (شرطة وجيش وقضاء وجهاز إدارى)، وأجهزة رقابة محايدة ومستقلة تماما عن السلطة التنفيذية هيكليا وماليا. بجانب كيفية إيجاد وابتكار آليات (ومحفزات وعقوبات) تدفع المؤسسات والأفراد دفعا إلى الإلتزام بالدستور والقانون وترفع تكلفة اختراق القانون وتغلظها على المسؤولين، وآليات أخرى للتقريب بين الأحزاب على قاعدة المصلحة الوطنية العليا وثالثة لتوعية الناس وغير ذلك. 

 

●●●

 

بناء مصر الجديدة لابد أن يتم استنادا إلى أولويات البلاد بعد الثورة ولابد ألا يتجاهل الخبرات والتجارب الأخرى الناجحة، ولابد أن يتم بعيدا عن الانتماءات السياسية والأوزان الحزبية وقبل التنافس السياسى بالانتخابات. لابد من مقاومة من يقاوم التغيير. والله أعلم.

 

 

 

 

أستاذ مساعد فى العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية

عبد الفتاح ماضي  أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية
التعليقات