جيل جديد - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:15 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جيل جديد

نشر فى : الأربعاء 31 أغسطس 2011 - 12:28 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 أغسطس 2011 - 12:28 م

 لفت نظرى صديق لموقع الكترونى موجود فيه أسماء أغلب المرشحين المحتملين للرئاسة وأمام كل واحد فيهم اختيار «نعم» أو اختيار «لا» والمثير للتأمل أن كل الأسماء المعروفة تقريبا أمامها «لا» ضعف «نعم» من الناحية العددية. ولو صح هذا الكلام فكأن كل الأسماء المطروحة بلا استثناء مرفوضة عند مستخدمى هذا الموقع.

ولكن المتأمل لسلوك قطاع (حقيقة لا أعرف هل هم أغلبية أم أقلية) من الشباب الذين هم دون الثلاثين الآن، فستجد لديهم نزعة هائلة لتوجيه انتقادات حادة للآخرين كبارا كانوا أو حتى كانوا فى أعمارهم. وأنا أتحدث عن «انتقادات حادة» تصل لدرجة السباب واغتيال الشخصية والتقول على الآخرين بما هو ليس صحيحا.

وأعتقد أن هذه مسألة جيلية أكثر منها أيديولوجية. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لا أحد لا «يُهان». وكأنها مباراة فى تضخيم العيوب على نحو ينفى عن الإنسان إنسانيته، وكأن المفروض أن يكون الإنسان ملاكا (بلا أخطاء على الإطلاق)، ويوافق فى آرائه الناقد وكأنه يفكر بعقله وينطق بلسانه، ولا يجوز له أن ينحرف عنه فى الرأى لأن هذا لا يليق به. والمشكلة هنا أنها تفقد الأكبر سنا تقديرهم للجيل الجديد وللإنجاز الذى أنجزوه، وتخلق فجوة هائلة فى الثقة بين الشباب أنفسهم بما ينال من القدرة على الفعل الجماعى لاحقا.

أتذكر أيام الجامعة وما بعدها، وكم كانت لنا حوارات ونقاشات غنية مع من هم فى جيلى. كانت تبدأ بالابتسامة وتمر بالاختلاف فى وجهات النظر وتنتهى بالمودة، والرغبة فى مزيد من النقاش، ثم يقرأ أحدنا ما يستطيع من كتابات رصينة تدعم وجهة نظره أو تصححها لتبنى شخصا يعلم أن وجوه الرأى فى الأمر الواحد قد تتعدد وأن تعددها لا يورث شقاقا أو نِفارا.
مرة أخرى: وجوه الرأى فى الأمر الواحد قد تتعدد وأن تعددها لا يورث شقاقا أو نِفارا. وهذا ما يجعلنا فى النهاية، أناسا أفضل، لدينا زاوية رؤية أوسع، نقدر العقول حتى وإن اختلفنا معها، نستمع للآخرين حتى لو تحفظنا على خلفيتهم الأيديولوجية.

لا أعرف إن كان يفيد أم لا أن أقول إننى لا أعرف لمن سأعطى صوتى فى الانتخابات القادمة حتى الآن سواء الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، ولكن لو أعطيت صوتى لأى حزب أو مرشح، فهذا لا ينال من احترامى وتقديرى للجميع. وقد تكون المسألة مسألة مواءمة سياسية وليست تفضيلا لشخص على شخص. مثلا لو فاز التيار المحافظ بأكثرية معتبرة فى البرلمان، يجوز جدا أن أفضل أن يذهب صوتى إلى مرشح ليبرالى فى انتخابات الرئاسة حتى يكون هناك توازن يسمح للآلة الديمقراطية فى مهدها أن تتوازن وألا تنحرف عن طريقها.

التوازن والاعتدال والوسطية والتدرج هى قيم من يبنى دولة ويقود مجتمعا ناضجا إلى الأمام. الشطط سهل، ويجيده كثيرون. ترى المرشحين الرئاسيين يجتمعون فتجد بينهم روح المودة والاحترام والاختلاف المهذب فى وجهات النظر، ولكن ترى بعض أنصارهم من الأجيال الأصغر وكأنها ساحة للمبارزة الكلامية التى تدل على أن البعض فقد البوصلة وتاهت منه النية الأصلية وهى خدمة البلاد بعيدا عن الأشخاص.

هذه معركة أخرى، علينا أن ندخلها، حتى لا يكون بعض الذين شاركوا فى القضاء على الاستبداد يمارسون استبدادا آخر، وبعد أن قضوا مضاجع المستبد، يتهافتون للجلوس مكانه.

وقبل الختام، وجدت فى الموقع المذكور من وضع اسمى كأحد المرشحين للرئاسة، وهذا قطعا غير منطقى لأننى أولا بحكم السن أقل من 40 سنة، والأهم أن مصر أعز عليّ من أن أجرب فيها.

هذا العمود ليس انتقاصا من أحد، وإنما هو فقط «محاولة للفهم».

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات