على من يستند حُكم الإخوان؟ - وائل جمال - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:38 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على من يستند حُكم الإخوان؟

نشر فى : الإثنين 31 ديسمبر 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 31 ديسمبر 2012 - 9:10 ص

حظى الرئيس محمد مرسى بتأييد ١٣ مليون و٢٠٠ ألف مصرى فى جولة الانتخابات الرئاسية الثانية بعد أن كان قد حصل على أصوات ٥ ملايين و٧٦٤ ألفا كان هو خيارهم الأول فى الجولة الأولى. يميل البعض لتفسير توسع مؤيديه الذى سمح له بالوصول للحكم وهو القيادى الإخوانى بعد ٨٠ سنة من تأسيس الجماعة على أسس متعددة مشروعة للغاية على رأسها الموقف من الثورة (من يسمونهم بثوار الليمون الذين لم يكن خيارهم الأول لكنهم اعتبروا فوز أحمد شفيق هزيمة)، أو الاصطفاف وراء القوى السياسية التى تصف نفسها بأنها إسلامية فى مواجهة غيرها.

 

وبعد ما يقرب من ٦ أشهر على إعلان فوزه رسميا، تظل هذه التقسيمات هى السائدة فى النظر لشعبية الرئيس وحكم جماعته. ويستخدم أنصاره ومعارضوه نفس التقسيمات للتدليل على مواقفهم السياسية: بتراجع قاعدة التأييد له أو بتوسعها، كما يحدث الآن باستخدام أرقام التصويت فى الاستفتاء على الدستور. لكن هذا الاستغراق فى السياسة بمعناها المباشر الفوقى لا يكشف الصورة كاملة فى الحقيقة. ولا يمكن فهم قاعدة تأييد حكم ولا إمكانات ترسخه ولا فرصه فى المستقبل بدون تحليل القوى الاجتماعية التى يستند عليها والتى يتوجه لها. المجتمع ليس شيئا واحدا. والشعب المصرى، أو المصريون ككيان واحد يحاول الرئيس احتضانه وتمثيله بشكل متسق، هى كائنات خرافية لا وجود لها، لا لدينا ولا بالنسبة لأى شعب آخر على الأرض. فمن يمثل الرئيس مرسى وحكم الاخوان من هذا الشعب اجتماعيا وطبقيا وماهى المصالح التى يوطدها فيحصل على المساندة من تلك الكتل الكبرى التى تشكل شعبنا؟

 

 

 

القوى الاجتماعية فى ثورة يناير

 

فى كتابه الهام «الديمقراطية ونظام ٢٣ يوليو»، الصادر فى ديسمبر ١٩٩١ عن كتاب الهلال، يحدثنا المؤرخ الكبير المستشار طارق البشرى عن مقدمات ثورة يوليو فى المسألة الاجتماعية التى كان فشل القوى السياسية الأساسية فى حل وضعية الأزمة فيها وفى المسألة الوطنية سببا فى انتصار حركة الضباط الأحرار. كانت هناك معضلات النمو الاقتصادى وتوزيع الدخل التى كشف عنها «أن حجم الإضرابات الاقتصادية والنقابية الذى حدث من سنة ١٩٤٧ إلى ١٩٥٢ لم تكن مصر قد عرفته من قبل»، وأن الهيمنة على المقدرات الاقتصادية فى مصر لكبار ملاك الأراضى المصريين والمصالح الأجنبية المالية والتجارية، بينما يسيطر ٠.٥٪ من الملاك على ثلث الأراضى. وبجانب عناصر الغضب الاجتماعى للاستغلال وعدم المساواة جعل ذلك علاقات الإنتاج فى الريف معوقة للتطور الزراعى والصناعى من ناحية امداد المدينة بالغذاء اللازم للعمال ومن ناحية القدرة الشرائية المنحطة للسوق الواسع فى الريف.

 

يصف لنا المستشار البشرى كيف تشابكت أنواع من النشاط السياسى والاجتماعى «لتشييد اللبنات الأولى لنظام ٢٣ يوليو»، «وفى دعم السلطة الجديدة وتثبيت أركانها». ويستعرض المؤرخ والقاضى كيف أنه بعد ١٢ يوما فقط صدر قانون تطهير الإدارة الحكومية وبعد أقل من شهر ونصف صدر قانون الإصلاح الزراعى ومعه قانون حل الأحزاب وسلسلة قوانين تجيز فصل موظفى الدولة محصنا قرارات الفصل. ومع قرارات التطهير والتحصين وحل الأحزاب، صدرت قرارات ترفع رواتب الموظفين وتعطيهم ضمانات فى أوضاعهم الوظيفية بالإضافة لمراقبة الأسعار وتسعيرة جبرية على السلع الضرورية وتخفيض إيجارات المساكن. وهكذا لعب توسيع قاعدة التأييد الاجتماعى استجابة للمعضلات التى شكلت الأزمة الثورية بالأساس دورا فى تثبيت سيطرة الحكام الجدد حتى وإن جافت الديمقراطية (وهذا مما لا محل لمناقشته هنا وإن كان المستشار البشرى يصدر حكما كاشفا يعيش معنا لثورة يناير: الحزب السياسى من الناحية التنظيمية هو جنين تنظيم الدولة التى سيبنيها بعد توليه السلطة).

 

أما ثورة يناير فجاءت من رحم أزمة يتعانق فيها الاجتماعى مع الوطنى. خنقت الخيارات الاقتصادية والفساد والانحيازات الاجتماعية لقطاع ضيق من رجال الأعمال فيها فرص التنمية وضيقت العيش على الأغلبية بتنويعاتها ما بين عمال وفلاحين ومهنيى الطبقة الوسطى وخلقت، إلى جانب هؤلاء، ملايين من المهمشين والعاطلين. وتضافر الاقتصاد مع سياسة اقليمية منبطحة لتصيغ عهود التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية كأهم داعم لديكتاتورية مبارك. وهكذا أينعت المقاومة لسياسات النظام فى المسألتين فى أرض واحدة وسقتها مياه واحدة فانتقلت الحركة الشعبية المقاومة من منصة مقاومة غزو العراق للتضامن مع الانتفاضة لقضايا الديمقراطية والحريات للأجور والحقوق العمالية، فى تداخل أصيل مهد لثورة يناير.

 

•••

 

وللحقيقة، فإن البرنامج الذى قدمه الرئيس مرسى كمرشح رئاسى، كان الأقل طموحا فيما يتعلق بتغيير أسس ومنطلقات السياسة الاقتصادية، بقيامه على تفسير الفشل الاقتصادى والاجتماعى بالفساد عوضا عن الفشل الهيكلى لسياسات فتح الأسواق وتسييد الاستثمار الخاص والأجنبى منه والنمو للتصدير. ولم يكن حسم الجولة الثانية من الانتخابات لصالحه بأى حال من الأحوال قائما على تفاصيل هذا البرنامج الذى تغير شعاره الأساسى ليعول على الوحدة فى مواجهة ممثل نظام مبارك.

 

لكن ٦ أشهر من حكم مرسى تكشف الكثير عن الكتل الاجتماعية التى تحرك فى اتجاهها. وللحقيقة، فإن الرئيس المنتخب لم يبدأ فى ممارسة سلطاته الفعلية إلا بعد إزاحة المجلس العسكرى فى أغسطس.

 

بالنسبة للكتلة الأولى المتمثلة فى العمال وهى كتلة بالملايين، مازال المطلب الأساسى بتحديد حد أدنى للأجر مؤجلا. وبينما كان الطموح فى بداية عهد الثورة هو مده بالتفاوض والاقناع للقطاع الخاص، فإن تعميمه على الحكومة والقطاع العام مازال أمرا غير مؤكد، وتظهر تصريحات حكومية بين الحين والآخر تؤكد أن خطط د. سمير رضوان فى رفعه إلى ١٢٠٠ جنيه تدريجيا ليست على جدول الأعمال بسبب «عجز الموازنة». على الناحية الأخرى، فإن الميل هو لتحجيم التنظيمات العمالية المستقلة لحساب الاتحاد النقابى الأصفر الموروث من مبارك، وتوعد الرئيس فى خطابه أمام الاتحادية من يعطلون عجلة الإنتاج من المضربين، بينما ركز قانون حماية الثورة على تجريمهم. وهكذا تستمر الكتلة العمالية النشطة قوة لم يتمكن حكم الاخوان من استيعابها ناهيك عن كسب مساندتها وتأييدها.

 

أما الفلاحون، فقد بادر الرئيس وبسرعة فى عيد الفلاح بإعلان اسقاط ديونهم التى تقل عن ١٠آلاف جنيه. وحذر مرسى من «بعض الكلام غير الصحيح أن المتعثر فقط هو من سنسقط ديونه، نحن لا نعاقب المُجّد وجميع بواقى الديون التى أقل من 10 آلاف جنيه سيتم اسقاطها، وأرجو أن البنك –يقصد بنك الائتمان الزراعي- ومندوبيه ينفذوا ذلك كاملا وأنا أحذر من أى تلاعب فى الكلام أُسقطت ونبحث الآن من عليه ديون أكثر من 10 آلاف». ومن وقتها ثار جدل كبير حول تنفيذ هذه الخطوة. فبينما تنكر اتحادات فلاحية أنه تم اسقاط أى ديون، يتحدث بنك التنمية والائتمان الزراعى عن المتعثرين فقط. أما الأكيد فهو أن اسقاط الديون على أهميته ليس هو القضية الوحيدة لفلاحى مصر، الذين عانوا وعانت أسرهم ومستويات معيشتهم من سياسات تحرير الزراعة لحساب السوق العالمى، وهى سياسات مستمرة للآن وتكشف نفسها فى فشل الفلاحين فى بيع محصول القطن حتى الآن على سبيل المثال. وتجيء خطط حكومة قنديل لفرض ضرائب على الأسمدة لتضرب هذه الكتلة فى مطلب أساسى لها وهو فك احتكارات إنتاج وتجارة الأسمدة التى ترفع كلفة الإنتاج على الفلاحين وعلى الزراعة المصرية. إذن لا شيء مهم بالنسبة للكتلة الفلاحية.

 

أما مهنيو الطبقة الوسطى الكلاسيكية من مدرسين وأطباء ومحامين، فمازالت هذه الكتلة تتحرك بأدوات الطبقة العاملة. وواجه حكم الإخوان أطول إضراب للأطباء فى تاريخ مصر بعد أن نكصت الحكومة حتى عن التعهد بتنفيذ وعوده الرئيس الانتخابية بزيادة ميزانية الصحة إلى ١٢٪ من الانفاق العام، ورفضت حتى الاستجابة لمطالب المضربين بإعادة هيكلة ما ينفق حاليا بشكل غير كفء دون زيادة البند. أما زيادة كادر المدرسين، فهو أيضا لم يحظ بإجماع ورضاء كل المدرسين.

 

وتعطينا الخطوات التى اتخذها حكم الرئيس مرسى للآن بزيادة المعاشات للقوات المسلحة والشرطة تصورا ملموسا عن أولوياته فى الحشد الاجتماعى، ناهيك عن رجال الأعمال، الذين توقفت حكومته عن الدفع بأى ضرائب أو توجهات تتعارض مع مصالحهم حتى وإن كان عليها إجماع وطنى. بل وأصر رئيس الوزراء فى أول حوار له بعد تكليفه من مرسى مع وكالة بلومبرج على التعهد بحماية المستفيدين من اتفاق الكويز مع إسرائيل قائلا إنهم «دائرة واسعة سيضمن ازدهارها»، ثم على تقديم حزمة سياسات اقتصادية بالاتفاق مع صندوق النقد (فى انعكاس لنفس السياسات التى خلقت الأزمة الثورية على تداخلها الاجتماعي-الوطني) هى امتداد مباشر لخطط التقشف المالى التى كان يرتبها يوسف بطرس غالى.

 

•••

 

هذه قاعدة تأييد اجتماعى لا تحل المعضلات التى خلقت الأزمة الثورية التى توجت بسقوط نظام مبارك فى يناير ٢٠١١، ولا تكفل حكما مستقرا دوافع التوتر فيه ليست الفلول ولا الاستقطاب المسمى ديني-مدنى، وإنما توجه السياسات الاقتصادية والانحيازات الاجتماعية بدلالاتها الوطنية تجاه الأمريكيين والإسرائيليين. وهى سياسات تجعل الاستبداد على طريقة ضباط يوليو أمرا مستحيلا إذ يفتقر حتى لحد أدنى من التأييد الاجتماعى يمكنه من مواجهة كتل اجتماعية شعبية واسعة (يزيد تنظيمها وتعبيرها عن نفسها بصفتها كذلك يوما بعد يوم) لن تقبل استبدادا، ولن تسمح بانطباق مقولة المستشار البشرى بأن الحزب السياسى من الناحية التنظيمية هو جنين تنظيم الدولة التى سيبنيها بعد توليه السلطة. إذ لا مجال لأن تنتظم السياسة المصرية الآن بالطريقة التى تنتظم بها جماعة الاخوان.

 

 

 

 

 

 

وائل جمال كاتب صحفي
التعليقات