من سخريات القدر أن يتحدث هؤلاء الذين عمروا الأرض بتطرف أفكارهم وإرهاب أفعالهم عن السلمية والسلام, ثم يتهمون مخالفيهم ومعارضيهم بما هو أحرى أن تتوجه به ألسنتهم إلى أنفسهم. وبينما هم يصدعون بالسلمية والسلام, إذ يستكملون تدريب ميليشياتهم, فلربما يأتيهم الغيب بما لا يشتهون, فيبنون لما هو قادم موانع وحصون.
ولولا إرهابهم المعهود عنهم, واستمرار تهديدهم باللجوء إلى ما كانوا قديما يصنعون, لما لجأ غيرهم اليوم إلى استخدام جزء من صفتهم القديمة, ولو كان ثمة نقط اعتراض يريدون تسجيلها, فأولى بهم أن يطالبوا بحق الملكية الفكرية في الإرهاب والتطرف.
لقد كانت السلمية هي سمة قوى المعارضة منذ لحظتها الأولى, يوم أن بدأ مرسي بإصدار الإعلان الدستوري الذي وضع البلاد على شفا جرف هار, فانهار بها في مستنقع التشرذم والانقسام بالغ الحدة يكاد يصل بالأمور إلى حد الاقتتال.. فمن المسؤول؟
هل المعارضة مسئولة عن كل وعد للرئيس لم يفِ به؟ هل المعارضة مسئولة عن كل قرار مستبد اتخذه مرسي؟ هل المعارضة مسئولة عما وصل إليه حال البلاد من انقسام؟
وبينما تترسخ معاني السلمية في كل تظاهرات المعارضة, وإذا بمئات الآلاف يتجمهرون أمام الاتحادية, ما استخدم أحدهم حجرا, وبينما هم كذلك إذا بميلشيات الحكام تغير على الآمنين, فترديهم ما بين قتيل وجريح, وتندلع الاشتباكات بين مسالمي الأمس واليوم من جهة, ومتطرفي الأمس واليوم وكل يوم من جهة أخرى.. فمن إذن المسؤول؟
أإن هاجموا الآمنين كانوا لم يتجاوزوا السلمية, وإن فعلها غيرهم كانوا لمبادئ الثورة خائنين, وباتوا بين أحاديث البلطجة والتآمر والتمويل متهمين؟ أين أنتم من إنصاف المنصفين؟ ماذا تنتظر مني مادمت تشعرني بأن القضاء علي هو هدفك المنشود؟ هؤلاء أشعرونا أن غيرهم ليس له الحق في الحياة فضلا عن أن يكون له الحق في الاعتراض والإنكار.
ومن إذن قسم المصريين إلى ناجٍ من النيران بالموافقة على التصويت, وآخر هالك في الجحيم يوم أن أنكر مع المنكرين؟ من إذن حاول بسط يده على الساحات فلا صوت يعلو على صوته ولو كان صوت المعركة, إن كان ثمة معركة؟
وإذ يمضي الحال في تردي وتدهور مستمرين, وبينما هم يسجلون أرقاما قياسية في فشلهم المذهل, متجاهلين بنفس القدر مطالب باقي الشعب في العيش والعدالة الاجتماعية والحرية, وقد بلغ الإحباط وانعدام الأمل من الناس مبلغة, فماذا إذن ينتظرون؟
إن الثورة التي بها يستشهدون لم تكن سلمية على أي حال, ولو كانت كما يزعمون لكان رئيس اليوم لا زال أسير السجون, ولما نفعته سلميته التي يرفع العقيرة بالنداء بها اليوم.
إن العنف غير مبرر بأي حال, ولو كانت ثمة إدانة فإنها توجه لكل الأطراف على السواء, وتزيد بمقدار على البادئ والبادي أظلم. إن حالة الحدة قد باتت معاشة في كل مكان.. في البيت والشارع والأتوبيس والقطار والسوق, ولو مضى الأمر على ما هو عليه لأعوام لانتقلنا من دولة من دول العالم الثالث إلى دولة من دول العالم الآخر.
إن حكام اليوم عليهم مسئولية أدبية وأخلاقية قبل أن تكون سياسية بوأد العنف والإقصاء ومد اليد لكل مخالف, وفتح القلب والصدر لكل معارض, عسى أن نخرج من تلك المرحلة بسلام, مطهرين أنفسنا من كل مرض وغرض, ونعبر واحنا - كما قال الرئيس - "حاضنين بعض".