بعد حصار متواصل على مدى 15 يوما وقصف وإعدامات واعتقالات، انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي من مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة اليوم الاثنين، بعد أن أحاله لمكان غير صالح للعمل، وعُثر داخله وفي محيطه على مئات الجثث.
حدث الانسحاب عند حوالي الساعة السادسة صباحا، وتخلله إطلاق رصاص وقذائف وقصف مبان سكنية محيطة بالمجمع.
وتحدث شهود عيان من داخل المجمع الطبي أو ممن كانوا في محيطه خلال فترة الحصار إلى وكالة أنباء العالم العربي (AWP) عما شاهدوه خلال تلك الفترة التي دامت أسبوعين متواصلين.
من بينهم الفلسطيني المريض أبو محمد، الذي تحدث عن حرمان المرضى والجرحى من الأدوية اللازمة ما أثر على حالتهم الصحية. قال: "كنا نفترش الأرض، وكميات الطعام والماء التي كانت تصلنا شحيحة، وأحيانا كنا نتشارك الماء، كان يتم تجويعنا".
وأضاف: "كان الجيش الإسرائيلي يستدعي الأطباء ويطلب منهم ما يريده. أحيانا كان يتم إخراجنا من مبنى لآخر، وفي بعض الأحيان كان يتم استدعاء الأطباء والشبان، منهم من يُعتقل ومنهم من كان يتم إعدامه".
ويروي الشاب خالد البايض، أحد الجرحى بمجمع الشفاء، كيف أنهم فوجئوا باقتحام المستشفى وحصاره. يقول: "تم إصدار تعليمات بعدم التحرك نهائيا. أخرجوا المرافقين الموجودين مع المرضى، وتم إخراجنا من الغرف ونقلنا ما بين عدة مبان رغم وضعنا الصعب".
ويضيف: "كان صوت القصف متواصلا على مدار الفترة الماضية. كانوا يمنعون الطعام والماء. حتى الممرضون لم يعد بمقدورهم العمل بسبب شح الطعم والماء والاستهدافات المتواصلة على مدار 15 يوما".
* "برحمة الله نجونا"
تحدثت أم خليل، إحدى المرافقات لأحد الجرحى، عما عانوه طوال فترة الحصار التي تزامنت مع قصف واستهداف مباني المستشفى. قالت: "كنا في مجمع الشفاء وفجأة قيل لنا تم اقتحام المستشفى، وحين نظرت وجدت الدبابات قد وصلت ساحة المستشفى وبدأ القصف المدفعي والقصف الجوي، وبعد ذلك تم إخراج الشبان والرجال من المستشفى، منهم من اعتُقل وآخرون تم إعدامهم".
وتابعت: "أخرجوا المرافقين الموجودين مع المرضى. منهم من اعتقلوه ومنهم من أجبروه على النزوح للجنوب عبر شارع الرشيد، ومنهم من أعدموه. لم يصلنا أي طعام أو ماء طوال الفترة الماضية، وتم تدمير جميع المباني في المجمع. كان القصف متواصلا على مدار الأيام الماضية".
ولم تقتصر العملية العسكرية على مجمع الشفاء الطبي فقط، بل طالت المنازل المجاورة والمناطق المحيطة سواء بالقصف أو الاقتحام أو التدمير.
وقصَّت الحاجة أم شهاب كيف تعرضت المنازل لقصف عنيف خلال الأيام الماضية، وكيف تملك الخوف والرعب الأطفال.
قالت: "لم يكن لدينا طعام أو شراب على مدار 15 يوما، ولم نكن نتمكن من التحرك أو الخروج من منازلنا. كان يتم استهداف كل من يتحرك".
وتابعت: "أخرجوا الرجال من المنازل، اعتقلوا عددا منهم وأعدموا عددا آخر، ومنهم من أجبروه على النزوح للجنوب. وكذلك اعتقلوا عددا من النساء، وكانوا يقومون بعمل حفر كبيرة ووضع الجثامين بداخلها".
أما الفلسطيني جهاد حمودة، فقد منزله وكل ما يملك خلال العملية العسكرية في مجمع الشفاء. قال: "أخرجونا من منازلنا وأجبروا النساء على النزوح للجنوب، وتم احتجاز الرجال مدة يومين. حققوا معنا وتم اعتقال البعض وإعدام البعض الآخر. ونحن برحمة الله نجونا".
وأضاف: "بعد انتهاء العملية العسكرية عدنا إلى منازلنا فوجدناها قد دمرت بالكامل، أحرقوها ثم سووها بالأرض".
* قصف المنازل بساكنيها
الشاب عمر أبو الكاس، أحد سكان المنازل المحيطة بمجمع الشفاء الطبي، تحدث عن استهداف منزلهم وهم بداخله؛ ما أدى لإصابته وأفراد عائلته.
وأضاف: "على مدار أربعة أيام عند بداية العملية العسكرية كان القصف متواصلا ويستهدف كل شيء. وفي اليوم الخامس وخلال ساعات الفجر قصفوا منزلنا. كنت برفقة شقيقي وعائلته ووالدي. بقينا تحت الركام لما يقارب نصف الساعة حتى تمكنت من الخروج وإخراج عائلتي".
"كانت أياما في غاية الصعوبة"، هكذا وصف أبو الكاس ما عانوه خلال فترة الحصار. قال: "لم يكن يصلنا على مدار تلك الفترة أي طعام أو ماء، حتى أننا لم نكن نتمكن من التحرك. كان الاستهداف متواصلا".
بدأت العملية العسكرية الإسرائيلية في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في 18 مارس وانتهت صباح اليوم، بعد أن انسحب الجيش من المكان وقد دمر مجمع الشفاء بشكل كامل.
ووفقا لتصريحات الدفاع المدني، فإنه لا يوجد متر واحد في المجمع لم يتم تجريفه وقصفه، ومن ثم لم يعد المكان صالحا للعمل كمركز طبي.
وأكد المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة لوكالة أنباء العالم العربي، أن القوات الإسرائيلية قتلت 400 فلسطيني في المجمع ومحيطه خلال فترة اقتحامها للمنطقة، وأن الجيش الإسرائيلي اعتقل قرابة 300 مدني من مواطنين وكوادر طبية واقتادهم إلى جهة مجهولة.
ووصف الثوابتة ما حدث في مجمع الشفاء على مدى أسبوعين متواصلين بأنه "جريمة ضد الإنسانية والقانون الدولي وكل اتفاقيات حقوق الإنسان".