الثبات لا الأولوية.. مفتاح السياسة الأمريكية تجاه آسيا الوسطى - بوابة الشروق
السبت 4 يناير 2025 11:54 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثبات لا الأولوية.. مفتاح السياسة الأمريكية تجاه آسيا الوسطى

واشنطن - د ب أ
نشر في: الخميس 2 يناير 2025 - 12:30 م | آخر تحديث: الخميس 2 يناير 2025 - 12:30 م

بينما قد لا تتصدر آسيا الوسطى أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، يعد التعامل بثبات واستراتيجية واضحة هو العامل الحاسم لتحقيق نتائج فعّالة في المنطقة. فبدلا من الاهتمام المؤقت أو الاستجابات السريعة، تحتاج دول آسيا الوسطى إلى التزام طويل الأمد يعزز الاستقرار ويدعم التنمية الاقتصادية ويحترم سيادة هذه الدول، مما يحقق مصالح مشتركة لكلا الطرفين.

ويقول الباحث ميراس جيينباييف في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إنه بينما تستقر إدارة جديدة في واشنطن، يُعاد ترتيب رقعة الشطرنج العالمية. وقد لا تحتل آسيا الوسطى المربعات العليا على تلك الرقعة، لكنها تظل منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة. وبالنسبة للإدارة الجديدة، يكمن مفتاح التعامل الفعّال مع هذه المنطقة المعقدة ليس في تسليط الأضواء المفاجئة أو الإعلانات الكبرى، بل في الالتزام بمشاركة ثابتة ومحددة المعالم. ولا تحتاج آسيا الوسطى لأن تكون أولوية قصوى، بل تحتاج إلى اهتمام مستمر.

ولا يتوقع أحد أن تكون آسيا الوسطى محور التركيز المباشر للإدارة الجديدة. فالأزمات في أوكرانيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى التحديات المستمرة التي تفرضها الصين، ستتصدر العناوين وجداول الأعمال بطبيعة الحال. ومع ذلك، فإن حقيقة أن آسيا الوسطى ليست مرشحة للانفجار في صراع كبير يتطلب تدخلا عسكريا أو دبلوماسيا فوريا، هي بالضبط ما يجعل النهج الثابت وطويل الأمد أمرا بالغ الأهمية. والدول الخمس في هذه المنطقة، كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، لها تاريخ طويل في التنقل بين مشاهد جيوسياسية معقدة، ومن غير المرجح أن تنجذب إلى اهتمام عابر أو تصريحات تفتقر إلى المتابعة. فهي تفضل الموثوقية على الخطابات الرنانة.

ويقول جيينباييف، رئيس برنامج تحليل السياسة الخارجية و الدراسات الدولية في مركز ابحاث مقصود ناريكباييف للتواصل والتنمية بجامعة مقصود ناريكباييف بأستانا بكازاخستان إن إدارة دونالد ترامب السابقة تستحق التقدير على إدراكها لهذه الأهمية وتشكيلها استراتيجية جديدة للولايات المتحدة تجاه آسيا الوسطى للفترة 2019–2025. وهدفت هذه الاستراتيجية إلى تعزيز استقلال المنطقة وسيادتها وقدرتها على الصمود، مع التركيز على الترابط الاقتصادي والإصلاحات. ومع ذلك، غالبا ما أعاق تنفيذ هذه الاستراتيجية التناقضات وغياب الالتزام المستدام. فعلى الرغم من وجود مخطط واضح، لم يرق التنفيذ العملي َ إلى المستوى المطلوب. على سبيل المثال، بينما أكدت الاستراتيجية على أهمية تنويع التجارة، تم اطلاق مبادرات ملموسة قليلة لتسهيل انخراط الأعمال الأمريكية خارج الشراكات المحدودة القائمة.

وعلاوة على ذلك، استُخدمت قيود قديمة أحيانا كورقة ضغط سياسية، مما خلق تعقيدات غير ضرورية. وأحد الأمثلة البارزة على ذلك هو استمرار تطبيق تعديل "جاكسون-فانيك" على كازاخستان، والذي يمنع إقامة علاقات تجارية طبيعية مع الولايات المتحدة. وكان الهدف الأصلي من هذا التعديل هو استهداف الاتحاد السوفيتي بسبب تقييده هجرة اليهود، لكن هذا التشريع الموروث لا يزال يُطبق على الدول ما بعد السوفيتية. وعلى الرغم من وجود توافق حزبي حول تجاوزه، أشار تقرير حديث صادر عن خدمة أبحاث الكونجرس إلى استمراره كأداة محتملة للضغط من أجل تعزيز الحوكمة الديمقراطية. ويوضح هذا كيف يمكن أن يؤدي التمسك بقيود شكلية، ظاهريا لأسباب قائمة على القيم، إلى تقويض السياسات القائمة على المصالح.

وقدمت قمة الولايات المتحدة والدول الخمس في آسيا الوسطى التي عُقدت في 21 سبتمبر 2023 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بصيص أمل لإعادة إحياء التعاون. وكان الحوار إيجابيا، وتم تقديم التزامات في عدة مجالات، من الأمن الإقليمي إلى التعاون الاقتصادي. ومع ذلك، كانت المتابعة مخيبة للآمال. ويتساءل جيينباييف أين خطط الاستثمار الملموسة التي كان من المفترض أن تنبثق عن القمة؟ أين المشروعات المشتركة الواضحة التي تعالج قضايا مثل ندرة المياه أو أمن الحدود والتي نوقشت خلال اللقاء؟

فالحوار الخاص بالمعادن الحرجة، الذي أُطلق في فبراير 2024 لمعالجة قضية الاحتياطيات الإقليمية من العناصر النادرة واحتياج الولايات المتحدة لسلاسل توريد آمنة، لم يسفر حتى الآن عن أي مبادرات أو اتفاقيات معلنة على الملأ. ويأتي هذا على الرغم من تزايد إلحاح الوضع، حيث أصبحت الصين أكثر استعدادا لفرض حظر وقيود على صادرات المعادن الحرجة. وهذه الفجوة بين التصريحات والعمل الفعلي هي بالضبط ما يغذي الشكوك في منطقة اعتادت على لعب السياسة طويلة الأمد.

وما تحتاجه آسيا الوسطى حقا من الولايات المتحدة هو استراتيجية ذات كفاءة وواضحة المعالم يتم تنفيذها بشكل ثابت وفعال على أرض الواقع. ويتسم قادة دول المنطقة بالبراجماتية، فهم يُعطون الأولوية للتعاون الملموس وطويل الأمد الذي يُسهم في تنميتهم الاقتصادية ويعزز أمنهم، ويحترم سيادتهم دون فرض شروط غير مبررة أو إجبارهم على الانحياز إلى طرف على حساب آخر.

هذا النهج البراجماتي يتماشى بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية الحيوية. فمن الناحية الاقتصادية، تمثل آسيا الوسطى كنزا ثمينا غير مستغل إلى حد كبير، بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة الحيوية للصناعات التكنولوجية المتقدمة والتحول نحو الطاقة الخضراء.

ومثال بارز على هذا الإمكان غير المستغل وتجسيد واضح للديناميكيات الحالية هو كازاخستان. فعلى الرغم من امتلاكها احتياطيات كبيرة، شهدت البلاد زيادة بمقدار 8ر3 ضعف صادراتها من المعادن الأرضية النادرة منذ عام 2020 من حيث القيمة الحقيقية.

وإلى جانب المجال الاقتصادي، يعد وضع سياسة أمريكية ثابتة تجاه المنطقة أمرا حاسما لتعزيز الاستقرار الإقليمي. ولطالما لعبت دول آسيا الوسطى دورا بناء كوسطاء في النزاعات الإقليمية، حيث قدّمت منصات للحوار. وتعزز الزيادة في الترابط التي تيسّرها مشروعات مثل الممر الأوسط الاعتماد الاقتصادي المتبادل، مما يخلق مصلحة مشتركة في السلام والاستقرار. وتُظهر محادثات السلام المستمرة، وإن كانت هشة، بين أرمينيا وأذربيجان كيف يمكن للتكامل الاقتصادي، المدفوع بأهمية مسارات العبور التي تفيد كلا البلدين، أن يُسهم بشكل غير مباشر في تعزيز السلام من خلال الحوافز الاقتصادية.

وبالانتقال إلى تحد مُلح آخر، تعد أفغانستان قضية مؤلمة حيث يمكن أن يكون انخراط آسيا الوسطى ذو قيمة خاصة. وبينما يشكّل التواصل المباشر مع حركة طالبان عقبات كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، فمن الواضح لدول المنطقة أن تجاهل الواقع على الأرض لن يجعل التحديات تختفي. وفي عام 2024، بُذلت جهود كبيرة لتطبيع العلاقات والانخراط في حوار براجماتي مع طالبان، على سبيل المثال، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية وضمان أمن الحدود.

ويجب على الإدارة الجديدة أن تدرك أن الاستراتيجية الثابتة والواضحة والمنفذة بدقة هي المسار الأكثر فعالية للتواصل مع آسيا الوسطى. ومن الضروري ألا يُنظر إلى المنطقة على أنها ساحة للانتصار في لعبة صفرية ضد روسيا أو الصين، بل كمساحة لبناء شراكات متبادلة المنفعة تُحقق المصالح الأمريكية مع احترام سيادة واستقلالية دول آسيا الوسطى.

ومن خلال التركيز على التعاون الملموس على أرض الواقع في مجالات مثل تنويع التجارة وتطوير البنية التحتية وتعزيز الاستقرار الإقليمي، يمكن للولايات المتحدة أن تُرسخ علاقات دائمة تُحقق فوائد أكبر بكثير من الاهتمام المتقطع رفيع المستوى. وسوف يؤمن النهج المتزن، المسترشد باستراتيجية ثابتة، المصالح الأمريكية طويلة الأمد في هذه المنطقة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك