جيلان الشمسي: الكتابة مساحتي لطرح الأسئلة.. وكل كتاب يشكل حجرا في بناء كبير - بوابة الشروق
الإثنين 3 فبراير 2025 1:16 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

جيلان الشمسي: الكتابة مساحتي لطرح الأسئلة.. وكل كتاب يشكل حجرا في بناء كبير

جيلان الشمسي
جيلان الشمسي
حوار - أسماء سعد:
نشر في: الأحد 2 فبراير 2025 - 7:33 م | آخر تحديث: الأحد 2 فبراير 2025 - 7:33 م

فى مجموعتها القصصية فتيات الكروشيه، تأخذنا الكاتبة جيلان الشمسى فى رحلة عبر الزمن والذات، حيث تتقاطع الحكايات مع الفلسفة، ويتحول السرد إلى مرآة تعكس الأسئلة العميقة حول الوجود، الفقد، والبحث الدائم عن الهوية. بأسلوب سردى غير تقليدى، تمزج الكاتبة بين الحاضر والماضى، وتستخدم تقنيات مثل الفسيفساء السردية والانتقالات الزمنية لكشف تعقيدات شخصياتها، التى تبدو مألوفة لكنها تحمل زوايا غير متوقعة.

فى هذا الحوار، تكشف جيلان الشمسى عن دوافعها لاختيار هذه الثيمات، وكيف تشكلت عوالم المجموعة بين التأملات الفلسفية والتجارب الشخصية، وما الذى يجعل القارئ يجد نفسه فى قصصها، حتى لو بدت غريبة أو خارج حدود الواقع المعتاد. كما تتحدث عن علاقتها بالزمن، الذاكرة، ورؤيتها للكتابة كمشروع متكامل يضيف كل عمل جديد لبنة فى بناء متسع من الأسئلة والأفكار.

< الشخصيات فى «فتيات الكروشيه» تبدو غير تقليدية وتعبر عن أفكار معقدة مثل الفقد ودائرية الحياة. كيف تمكنتِ من بناء هذه الشخصيات بحيث تبدو عميقة ومعقدة، لكنها فى نفس الوقت قريبة من القارئ؟

ــــــ شخصيات هذه المجموعة هى شخصيات من حياتنا العادية لكننى أسلط الضوء على زوايا مختلفة منها وفى مواقف مغايرة. بطريقة أو بأخرى فإن هذه الأفكار مثل دائرية الحياة والفقد، فهى تعبر عن رحلة البحث عن ذواتنا كلنا. تعدد رؤانا تجاه العالم الخارجى من ناحية وتجاه أنفسنا من ناحية أخرى. وهكذا نسقط داخل هذه الدائرة محاولين الخروج منها. هذا الانعكاس الذى يشعر به القارئ تجاه الشخصيات هو ما يجعلها قريبة منه وتتماس معه فى مواقف متعددة من حياته. فتصبح مرآة للقارئ تعيد ترميم ذاكرته من خلال القصص.

< المجموعة القصصية تتناول موضوعات مثل البحث عن الذات والعودة من الموت. هل ترين أن هذه الأفكار تعكس جزءًا من تجربتك الشخصية، أم أنها مستوحاة من مراقبة العالم من حولك؟

ـــــ لطالما كنت مستغرقة فى فكرة دائرية الحياة والعود الأبدى. وهى جزء من مشروع قد بدأته فى روايتى (الطائفة) واستكملته بشكل مختلف فى هذه القصص. فأفكار مثل البحث الدائم عن ذواتنا وعالم الموت والتكرارية وتناسخ الأرواح تشكل هواجس دائمة تحمل داخلى العديد من الأسئلة. أحب استكشاف هذا المنظور المختلف الذى لا يتطرق إليه الكثيرون بالتأمل، وإثارة الأسئلة التى تشكل مسارا وجوديا فى رحلة البحث عن إجابات. فكرة العود الأبدى التى طرحها نيتشه من قبل هى نفسها تحمل جذورا فكرية داخل العديد من الثقافات القديمة والحديثة بتنويعاتها المختلفة، وهى كانت المحرك الرئيسى لإثارة العديد من الأسئلة التى تواجه أبطال هذه القصص.

< يظهر فى المجموعة مزيج بين الأزمنة المختلفة، مثل التحولات الزمنية أو العودة بالزمن إلى الوراء. ما الذى دفعكِ لاستخدام هذا الأسلوب فى السرد؟ وكيف تخدم هذه التقنية الفكرة العامة للمجموعة؟

ـــــ الخط الزمنى بالنسبة لى ليس ممتدا على استقامته. فمشهدية الحياة وما تحمله ذاكرتنا لا يكون مثل النقاط المتتالية كما نعتقد. للذاكرة ألعابها الخاصة بها ومساحة رحبة تجعلنا نتنقل ما بين زمن وآخر أو ما بين حدث وآخر للكشف عن ذواتنا فى رحلتنا البحثية التى لا تنتهى. كما أن الذاكرة تعبث بنا فى كثير من الأحيان وتعيد تشكيل الأحداث والأشخاص من حولنا بإرادة منفصلة عنا فى كثير من الأحيان. التحولات الزمنية فى السرد جاءت نتيجة للتحولات الداخلية لأبطال القصص فكان هو الأسلوب الأفضل لطرح ما تموج بها من أفكار وهواجس. فالشخصيات فى هذه القصص تعيد اكتشاف نفسها من داخل مواقف متعددة وتعتمد على ذاكرة متشظية فى كثير من الأحيان فى إعادة تعريف العالم من حولها.

< اعتمدتِ أسلوب «الفسيفساء الصغيرة» فى بناء القصص، حيث تقدمين تفاصيل متفرقة تتيح للقارئ بناء العالم بنفسه. لماذا اخترتِ هذا الأسلوب تحديدًا؟

ــــــ بنفس منطلق الزمن الذى تستدعيه الذاكرة، كان أسلوب الفسيفساء معبرا عنها. فهذه التفاصيل هى ما تنسج القصة التى يحملها الأبطال داخلهم وهى التى تتشكل لتكون فى النهاية حكايتهم الخاصة. فضلت أن تعبر تقنية بناء القصص نفسها عما يموج داخل أبطالها. فتتكون ببطء أمام القارئ ويلتقط الأجزاء حتى تتكون القصة الكاملة. تحمل فكرة الفسيفساء، أو التفاصيل التى تتشكل فى ذهن القارئ، زوايا مختلفة تثير التساؤلات داخله وتمنحه رؤية أفضل لعوالم القصص نفسها. فمثل عمل الموزاييك قد يحمل كل جزء منفصلا رؤية ما أو مشهد ما أو وجهة نظر لكن لا تكتمل القصة كلها إلا حين تتجمع الأجزاء وتتجاور لتظهر هذه الزاوية المختلفة التى تدعو للتأمل والتفكير.

< القصة تثير تساؤلات لدى القارئ حول آفاق واسعة للتأويل. ما هى أبرز التساؤلات التى أردتِ للقارئ أن يخرج بها بعد قراءة المجموعة؟

ـــــ ألم يكن هناك تساؤل محدد أردت أن يثير ذهن القارئ بعد قراءة القصص، لكننى أردته أن ينعكس على ذاته نفسها، على عبثية الحياة وتكرارها، وما إذا كانت أجسادنا وملامحنا هى حقا ما يشكل وجودنا أم شىء آخر. الكثير من التساؤلات الوجودية تتشكل من داخل حيوات الأبطال. وفى بعض الأحيان يكون تعدد التأويلات كاشفا لمنظورنا الحقيقى نحو الحياة ورؤيتنا لما حولنا. سواء كانوا أشخاصا أم أحداثا ترتبط بنا أو تتماس معنا. 

< تنقلنا القصص إلى عوالم وأزمنة مختلفة، مثل مارى أنطوانيت أو فندق يعود بالزمن. كيف حافظتِ على الترابط الداخلى للمجموعة رغم هذا التنوع الكبير؟

ـــــ حرصت داخل المجموعة القصصية على عدم وضع قيود زمنية أو مكانية لها. ففى النهاية الأفكار الذاتية التى يمكن أن تشغلنا تتشكل داخل أى زمان وأى عالم. فالأزمات الوجودية موجودة داخل القطار أو فى عصر مارى أنطوانيت أو داخل خيال طفل أو داخل فندق يعبث بمفهوم الزمن. لا توجد ثوابت بتغير الأماكن والأزمان. الثابت الوحيد هو الوجود الإنسانى نفسه. حتى لو لم يتعرف الإنسان على ملامحه داخل مشروع وسط الصحراء. أو تاهت ذاكرته بحثا عن أجساد وسط الرمال. فرغم هذا يظل وجوده حاضرا بقوة حتى لو تعثر فى تحديده. هذا التنوع هو ما يعطى ثراءً للفكرة ويوضح انعكاسها على الانسان نفسه بغض النظر عن موقعه من الحياة.

< العنوان يحمل دلالات رمزية. لماذا اخترتِ هذا العنوان تحديدًا؟ وما هى الرسالة التى أردتِ إيصالها من خلاله؟

ـــــ عنوان (فتيات الكروشيه) ليس فقط عنوانا لإحدى القصص داخل المجموعة لكنه أيضا يشكل رابطا يضم كل القصص والعوالم. فالقصص هنا مثل الخيوط التى تُغزل حتى يتشكل أجزاء النسيج وتتآلف معا. فكرة الحياكة نفسها تحمل هذه الدائرية والتكرار داخلها. فعن طريق هذا التكرار وهذه الخطوات التى قد تبدو بسيطة تتشكل أشياء مختلفة مثل آفاق القصص المتنوعة. لذلك جاء هذا العنوان ليضم فكرة المجموعة الرئيسية ويصبح كالمدخل للعوالم المختلفة التى ستتكون الواحدة تلو الأخرى أثناء تنقل القارئ بين القصص كبناء يشيد على مهل أو نسيج يحمل عشرات الاحتمالات لشكله وألوانه النهائية.

< بعض الشخصيات فى المجموعة تقف على الحافة، وأخرى تحاول التأقلم مع محيطها. هل ترين أن هذه الحالة النفسية تعكس شيئًا عن واقعنا الحالى أو عن الجيل الذى نخاطبه؟

ـــــ هذه الحالة تعكس حياة جيلنا كله. فالبعض منا يحاول التأقلم مع محيطه والبعض الآخر يفضل الوقوف بعيدا متفرجا دون قدرة على الحركة. نحن نقف على عتبات مختلفة من تغيرات حياتية حولنا وداخلية مررنا بها. أحيانا لا نستطيع أن نتخطى الفجوات والأزمات المحيطة بنا فندخل فى عالمنا الخيالى الخاص، وأحيانا أخرى نحاول التأقلم مع الحياة أو ندعى هذا. لكن تأتى بعض المواقف أو المشاهد المعينة فى حياتنا لتحيلنا مجددا إلى الواقع. محاولات التأقلم أو التوقف التى تغمرنا تبعدنا أكثر فأكثر عن التفكير فى ذواتنا. لذلك تصبح ذاكرتنا رغم عدم قدرتنا على الوثوق فيها هى ملاذنا الأخير.

< ما الذى تأملين أن تضيفه «فتيات الكروشيه» إلى مسيرتك الأدبية؟ وهل لديكِ خطط لتوسيع هذه الأفكار أو البناء عليها فى أعمالك القادمة؟

ـــــ الكتابة بالنسبة لى عامة هى مساحتى لطرح الأسئلة وخلق عوالم مختلفة من داخل خيالى الخاص. وقد تمكنت فى «فتيات الكروشيه» من طرح بعضها، وأنوى استكمال هذه التساؤلات والأفكار التى تشغلنى فى الأعمال القادمة. فأنا أشعر حين أكتب النص بتشكل هذه الأفكار أمامى كأننى أحاورها وأغوص داخلها أكثر فأكثر. كل كتاب بالنسبة لى يشكل حجرا فى بناء كبير يكتمل تدريجيا. وقد تشتبك أحيانا التساؤلات أو تتباين لكنها فى النهاية تشكل الجزء الخاص بها. وهكذا تبنى أفكارى بعضها فوق بعض. أعمل أيضا حاليا على الكتابة فى رواية جديدة وهى أيضا حجر جديد فى نفس البناء الذى تتعدد زواياه.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك