بدأت "الشروق" من الأمس، وتواصل على مدار شهر مارس، تذكير قرائها بنخبة مختارة من الأغاني والقصائد الوطنية التي أنتجتها عقول شعراء وفناني مصر الرواد، بالتزامن مع ثورة 1919 أو تفاعلاً معها أو مواكبة لمطالبها وشعاراتها، بهدف إلقاء الضوء على أشكال مختلفة من إبداعنا منذ 100 عام ورصد الآثار الكبيرة للثورة على الفن والأدب في مصر.
******************
الأغنية التي نسترجعها اليوم، ربما يكون عنوانها قد ظلمها لعقود.. فاعتبرها البعض "نموذجاً للإسفاف" رغم أن كلماتها تركز على الوطنية المصرية وكأنها موجهة للكبار والصغار على حد سواء.. هي طقطوقة "خد البزة واسكت خد البزة ونام".
توجد نسختان لهذه الأغنية.. الأولى وهي الأشهر غناء الست نعيمة المصرية (1894-1976) وهي المطربة الشهيرة ذات الصوت القوي المميز في الربع الأول من القرن العشرين وإحدى ضحايا الظهور التاريخي لكوكب الشرق أم كلثوم التي أثرت بالسلب على شعبية غيرها من المطربات وعلى رأسهم "سلطانة الطرب" منيرة المهدية.
أما النسخة الثانية فهي من أداء المطرب زكي مراد (1880-1946) والد المطربة ليلى مراد والملحن منير مراد.
وهناك اتفاق بين المؤرخين على أن النسختين أنتجتا بالتزامن مع ثورة 1919، لكن ليس هناك دليل على ذلك من واقع التسجيلات عدا الكلمات المعبرة عن تنامي الروح الوطنية، لكن مركز توثيق التراث الحضاري بمكتبة الإسكندرية سجل الأغنية باعتبارها "غير معروفة التاريخ".
لكن الأكيد أن النسختين من ألحان الشيخ سيد درويش والأرجح أنهما من نظم رفيقه المبدع بديع خيري رغم زعم البعض أن الكلمات تحمل بصمات الشاعر الشهير محمد يونس القاضي، علماً بأن مطلع "خد البزة واسكت خد البزة ونام" فلكلوري وليس منسوباً لشاعر معين، وكان معروفاً ومتداولاً بين النساء على نطاق واسع عند هدهدة الأطفال قبل النوم، مثل هدهدات معروفة أخرى مثل "يا رب تنام يا رب تنام وأدبح لك جوزين حمام".
ورغم أن النسختين تحملان نفس المطلع إلاّ أنهما مختلفتان في اللحن والكلمات.
ويرى بعض المؤرخين أن هناك اختلافاً أيضاً في معنى كلمة "البزة" المستخدمة في النسختين، فيميلون لاعتبار الكلمة في نسخة زكي مراد مقصود بها "البزة العسكرية" وأن استخدام المطلع جاء على سبيل "الجناس التام" بين ما جرى على لسان العامة وما يقصده المؤلف.
النسخة النسائية بصوت نعيمة المصرية
الكوبليه الأول من الطقطوقة في هذه النسخة مستقى من الأجواء الأسرية الأصلية للمطلع الفلكلوري.. أم تهدهد ابنها:
خد البزة واسكت.. خد البزة ونام
بكره تعيش وتكبر.. وتبقى تمام
فرفش يا ضنا أمك.. قوم رد عل
في حضني أضمك.. وأرخي الناموسية
بكره ييجي عمك.. يديك العيدية
بس ماتعيطشي.. خلي أبوك ينام
ثم تنتقل الطقطوقة بشكل مفاجئ إلى سياق وطني الطابع.. تحاول فيه الأم حث ابنها على بذل الجهد والعرق لرفعة شأن بلاده.. وتحميسه على خدمة وطنه.. على نفس اللحن:
إن شالله أشوفك.. في وسط الجدعان
ولابس طربوشك.. نازل في الميدان
وتبذل مجهودك.. وتفدي الأوطان
وتمجد بلادك.. وتعز الأهرام (الإهرام)
النسخة الرجالية بصوت زكي مراد
يمهد زكي مراد للطقطوقة بمجموعة من "الليالي" وهو ما يلفت النظر ويثير التعجب بسبب ابتعاد الكلمات نهائياً عن أي جوانب عاطفية.. فكل ما ستسمعه في هذه النسخة وطني بحت يدعو للجهاد وفداء مصر ويلخص بشكل واضح أهداف ثورة 1919 من استقلال وحرية مستخدماً كلمات كانت بمثابة الشعارات التي يرددها الثوار (الاستقلال التام أو الموت الزؤام).. ويؤكد أيضاً على مصرية السودان.
ويتبين هنا أن سيد درويش استخدم لحناً مختلفاً عن نسخة نعيمة المصرية، من مقام نهاوند العاطفي الحزين، أكثر تحفظاً وجدية من لحن نسخة نعيمة.
تقول الكلمات:
خد البزة واسكت.. خد البزة ونام
نينتك (أمك) مصر يابني.. اصحى عنها تنام
صوت الأم وجبة.. بالروح تفدي لو حابة
العقل يابني وهبة.. اوعى توافق الأخصام (الأعداء)
الليلة افديها بمالك.. ماتسوقش عليها دلالك
بخيرها هتصون أحوالك.. كيف النيل والإهرام
ثم تتحول الطقطوقة إلى كلمات توجهها مصر إلى أبنائها:
خليك عاقل يا عينيا.. من فيضك حن عليا
إنت تحب الحرية.. والاستقلال التام
إسكندرية بختك.. أصل السودان كرامتك
اظهر في حبه شهامتك.. ده تركة والله حرام
الخير احنا طلابه.. ما يصونه إلا اصحابه
احسب في الدنيا حسابه.. وامشي خطوة لقدام
وغداً حلقة جديدة.......