يشعر حلفاء الولايات المتحدة في المحيط الهادئ بالقلق. فقبل عدة أشهر، وافقت الحكومة الأمريكية على اتفاقيات لتقديم مساعدات اقتصادية تزيد قيمتها على 7 مليارات دولار مع كل من جمهورية جزر مارشال وبالاو وولايات ميكرونيزيا الموحدة والتي تشكل دول "اتفاقية الارتباط الحر" والتي ترتبط معها الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة ترجع إلى الحرب العالمية الثانية.
وقال المحللان البارزان بمعهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي الدكتور جريج براون وبليك جونسون في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن الكونجرس لم يوقع بعد على التمويل، وهذا التأخير يعرض مصداقية الولايات المتحدة والتزامها إزاء ساحتها الخلفية الجيوسياسية للخطر، حيث يدفع هذه الدول للجوء إلى الصين للحصول على الدعم.
وظن مؤيدو "اتفاقية الارتباط الحر" أن الكونجرس سيضم التمويل في قانون تفويض الدفاع الوطني في ديسمبر، إلا أن الصقور الماليين طلبوا "تعويضات"، بمعنى أن كل دولار يتم تخصيصه لـ"اتفاقية الارتباط الحر"يجب أن يتم توفيره من بند آخر من الميزانية. ولم يقدم أي شخص في الكونجرس الأمريكي أو الوزارات المختلفة الداخلية أو الخارجية أو الدفاع أي حل. وبالإضافة إلى ذلك فشلت أيضا محاولة لتأمين تمويل في طلب الميزانية التكميلية الطارئة بمجلس الشيوخ في بداية فبراير الماضي.
واعتبر براون وجونسون أن المخاطر بالنسبة لدول "اتفاقية الارتباط الحر"، وهي الولايات المتحدة وحلفاؤها كبيرة للغاية. فقد أشارت أماتا كولمان راديواجان، ممثلة ساموا الأمريكية في الكونجرس إلى "اتفاقية الارتباط الحر" على أنها "أحد أهم الأدوات التي تمتلكها الولايات المتحدة في دعم الديمقراطية والحكم الرشيد مع حرمان الصين من القدرة على ممارسة قوة استراتيجية عبر منطقة المحيط الهادئ الشاسعة". وبالفعل، هذه العلاقات الفريدة هي أهم اتفاقيات تم إبرامها لدعم أمن الولايات المتحدة في الأعوام الخمسين الماضية.
وبموجب الاتفاقيات، توفر الدول الثلاث في المحيط الهادئ ممرا آمنا بين الشرق والغرب بين حليفتي أمريكا، الفلبين وهاواي. ويتعين على الولايات المتحدة الدفاع عن الدول الثلاث وبإمكانها الاعتراض على أي وصول عسكري أو استراتيجي من طرف ثالث إلى أراضيها. وتستطيع الولايات المتحدة بناء منشآت عسكرية، مثل موقع اختبار للدفاع الصاروخي الباليستي في جمهورية جزر مارشال ومنشأة رادار للإنذار المبكر في بالاو وإجراء مناورات عسكرية في دول الاتفاقية. وقد أدلى أحد المحللين بشهادته أمام الكونجرس قائلا إنه بدون الاتفاقية، فإن تكلفة تأمين المنطقة التي تبلغ مساحتها 6ر5 مليون كيلومتر مربع بالسفن والطائرات والغواصات ستبلغ 100 مليار دولار سنويا مقارنة بالميزانة الحالية التي تبلغ ملايين قليلة سنويا والتي تم الاتفاق عليها في "اتفاقية الارتباط الحر".
وتحصل دول "اتفاقية الارتباط الحر" على دعم مالي ودعم للخدمات من الولايات المتحدة من أجل التعليم والرعاية الصحية وصيانة البنية التحتية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاكتفاء الذاتي. ويمكن لمواطني هذه الدول الإقامة والعمل والدراسة في الولايات المتحدة كأشخاص غير مهاجرين وبدون تأشيرة ويمكنهم أيضا الخدمة في القوات المسلحة الأمريكية، كما أن لديهم حتى رموزا بريدية أمريكية.
وقال المحللان براون وجونسون إنه لدفع الكونجرس للوفاء بوعود الحكومة، أكدت رئيسة جزر مارشال هيلدا هاين أن بكين تمارس سياسة "العصا والجزرة.. لتغيير التحالفات" وقالت إن عدم الموافقة على التمويل "يهدد بتقويض الثقة في الولايات المتحدة وتشجيع البعض على الموافقة على إغراءات جمهورية الصين الشعبية".
من جانبه، كشف رئيس بالاو سورانجيل ويبس أن بكين عرضت بالفعل "شغل كل غرف الفنادق" في بلاده وتقديم 20 مليون دولار سنويا مقابل فدانين من الأرض لبناء مركز اتصالات.
كما انتشرت شائعات بأن الصين مستعدة لتقديم تمويل أكبر من الولايات المتحدة مقابل نفس الاتفاقيات. وقد يسمح هذا لبكين بوضع صواريخ وسفن حربية في "سلسلة الجزر الثانية" في المحيط الهادئ. وبالفعل، فإن عمليات النفوذ الصيني في دول "اتفاقية الارتباط الحر" هي عمليات منظمة ومتزايدة، حسبما وصف الرئيس السابق لولايات ميكرونيزيا الموحدة ديفيد بانويلو بالتفصيل.
وبدون تنفيذ بنود "اتفاقية الارتباط الحر"، التي تم توقيعها في مايو وأكتوبر 2023، تمتلك كل من بالاو وولايات ميكرونيزيا الموحدة وجمهورية جزر مارشال خيارات محدودة للرد على التعديات والعروض الصينية.وقد كان الرئيس ويبس صريحا بشأن الضغوط التي تواجهها بلاده. وفي مايو من العام الماضي، بعد دخول سفينة أبحاث صينية إلى المياه الخاصة بدولة بالاو بدون تصريح، أعلن ويبس أن هذا هو رابع توغل تقوم به سفن صينية بشكل غير مرغوب فيه في المنطقة الاقتصادية الخالصة لبالاو منذ عام 2018.
ورأى المحللان براون وجونسون أن التحول الكامل في الشراكات الأمنية مع الدول الثلاث أمر مستبعد. إلا أن قادة هذه الدول أوضحوا أن الصين تسعى إلى استغلال تقاعس الولايات المتحدة من أجل تحقيق مصالحها الجيوسياسية في المنطقة. وتعتمد هذه الحكومات على الدخل الموثوق الذي حددته الاتفاقية. وبدون هذه الأموال، من المرجح أن تضطرب العمليات الأساسية لحكوماتها ومؤسساتها. و تواجه بالاو على سبيل المثال، عجزا يبلغ 37 مليون دولار في الموازنة، وهو ما يعني أن الحكومة قد تضطر إلى خفض المعاشات وخدمات الرعاية الاجتماعية.
وأشارا إلى أنه بافتراض أن الكونجرس سيوافق في نهاية المطاف على حزم التمويل لمدة 20 عاما، فإن هذا سيكشف جزئيا فقط عن بذور الشك بشأن إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة والتي زرعت في مختلف أنحاء المنطقة. وتنظر الدول الجزرية الأخرى في المحيط الهادئ إلى "اتفاقية الارتباط الحر" بوصفها اختبارا لالتزام الولايات المتحدة إزاء المنطقة. ومن المفهوم أن هذه الدول ستدرس تنويع شراكاتها وخياراتها إذا كانت عملية اعادة التفاوض بشأن الاتفاقيات لا تزال تشكل تحديا.
وحذر المحللان من أن التداعيات طويلة المدى للوجود الصيني المتزايد يمكن أن تؤدي إلى ضغط سياسي قسري أكبر على المؤسسات الديمقراطية، مثل محاولات منع نشر المقالات في صحافة حرة وهو ما حدث في دول جزرية أخرى في المحيط الهادئ.
وقال براون وجوتسون إن الحزب الشيوعي الصيني يمكن أن يستخدم مجددا أساليب قسرية، وإذا كانت منطقة المحيط الهادئ أكثر ترددا في الاعتماد على الولايات المتحدة، فإن النتيجة ستصبح أقل تأكيدا. وحذرت رسالة وجيزة من سفيري أستراليا ونيوزيلندا إلى الكونجرس لدعم "اتفاقية الارتباط الحر" من "عواقب وخيمة" وضغوط على دول الاتفاقية من أجل "البحث عن مصادر للتمول تعتقد أنه يمكن الاعتماد عليها بصورة أكبر". ولا تستطيع أستراليا أو أي شريك آخر مضاهاة الولايات المتحدة. ومع ذلك، ستواصل هذه الدول دعم أوليات منطقة المحيط الهادئ، مثل النمو الاقتصادي والأمن والقدرة على التكيف مع تغير المناخ في هذه الدول الجزرية الصغيرة.
ورأى المحللان أن هذا التأخير غير الضروري تسبب في زعزعة الثقة، إلا أن الكونجرس ستكون أمامه فرصة أخرى لإثبات أن الولايات المتحدة دولة تهتم بمنطقة المحيط الهادئ ولديها مصالح مشتركة مع شعوب المنطقة. وقد تم تقديم مشروع قانون للتمويل في 3 مارس الجاري ومن المقرر التصويت عليه هذا الأسبوع، ويشمل تمويل لـ"اتفاقية الارتباط الحر". وأصبح الأمر الآن بمثابة لعبة أرقام. فقد أبلغ 48 عضوا بمجلس النواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري رئيس المجلس مايك جونسون أن "الفشل في التصديق على هذه الاتفاقيات التي تم التفاوض عليها بحسن نية سيكون الهدية الأكثر تدميرا للذات التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة لجمهورية الصين الشعبية في المحيط الهادئ". كما ناشد 26 عضوا بمجلس الشيوخ من الحزبين قيادة المجلس دعم "اتفاقية الارتباط الحر" "بأي وسيلة تشريعية" أو المخاطرة بتعريض العلاقات مع "كل منطقة جزر المحيط الهادئ" للخطر.
واختتم المحللان براون وجونسون تقريرهما بالتحذير من أنه مع كل يوم يمر بدون التزام بتمويل "اتفاقية الارتباط الحر"، تتقوض الثقة طويلة المدى في الولايات المتحدة، ولذلك يجب على واشنطن إيجاد وسيلة لدفع الكونجرس للتصديق على التمويل في أقرب وقت ممكن.