حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة المقبلة بعنوان: "حافظ على كل قطرة ماء .. واحذر من القمار بكل صوره".
وقالت وزارة الأوقاف، في بيان لها اليوم، إن الهدف المراد توصيله إلى جمهور المسجد من خلال هذه الخطبة هو التنبيه إلى ضرورة الحفاظ على كل قطرة ماء، والتحذير البالغ من هدر الماء والتفريط فيه، والنهي المشدد عن المقامرة المادية والإلكترونية.
وفيما يلي نص خطبة الجمعة :
«الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد كما تقول، ولك الحمد خيرا مما نقول، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها أحدا فردا صمدا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختاما للأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
«وبعد:
فإن من حسن الإيمان ولوازم الأدب مع المنعم الوهاب سبحانه أن نستقبل نعمه بالشكر والامتنان، فيمتلئ القلب إقرارا وعرفانا، وينطلق اللسان ثناء واعترافا، وتقوم الجوارح بدورها حارسة للنعم حافظة لها، قال سبحانه: {واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون}، وقال تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}.
فكيف إذا كانت تلك النعمة سر الحياة وأصل الوجود وأساس البقاء؟! كيف إذا كانت هي الماء؟! إن الماء أغلى من الذهب، إن الماء هو الجوهر الذي ينبغي أن نحافظ عليه لحياتنا وحياة الأجيال القادمة، ويكفي أن الله تعالى وصفه في القرآن وصفا عظيما يدل على قدسيته، ويرشد إلى صونه وصيانته، ويحث على الحفاظ على كل قطرة منه، حيث قال سبحانه: {وجعلنا من الـمـاء كل شيء حي}، وقال تعالى: {والذي نزل من السماء ماء بقدر فأحيينا به بلدة ميتا كذلك تخرجون}.
أيها الناس! إذا أردتم أن تعرفوا قدر الماء فتأملوا كيف حضرت هذه النعمة في مضمار الحب النبوي، فهذا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يسأل سؤالا عظيما: كيف كانت محبتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول رضي الله عنه: «كان- والله- أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ»، أرأيتم كيف أنه رضي الله عنه لم يجد شيئا يعبر به عن قدر محبته للجناب الأنور صلى الله عليه وسلم أبلغ من تصور حاله وهو يشرب ماء باردا يروي به غليل ظمئه ويشفي به شدة عطشه!
أيها السادة! هل يستقيم في ديننا ويصح في أذهاننا بعد ذلك كله أن نهدر قطرة ماء! كيف يبيح إنسان لنفسه أن يهدر الماء حال تنظيف أسنانه أو منزله أو أوانيه أو سيارته؟! كيف يجيز لنفسه أن يسرف في الماء وهو يسقي زرعه أو يرش طريقه! إنها عادات يكرهها الشرع، وتأباها العقول الرشيدة.
أخي الكريم، لا تستصغر ولا تستقل كل قطرة ماء، فتهدرها ولا تبالي! إن معظم النار من مستصغر الشرر! ومن استسهل هدر القليل من الماء أضاع الماء، وأضاع الحياة نفسها، وأضاع الأجيال القادمة، تذكر هذا وأنت تغسل يديك، تذكر هذا وأنت تتوضأ، تذكر هذا وأنت تروي حقلك، تذكر هذا وأنت تغسل سيارتك.
وأعلم أن الشرع الحنيف وقف بكل قوة ضد إهدار الماء والتفريط في استعماله في أي غرض من شرب أو زراعة أو صناعة أو غيرها، بل أعظم من ذلك! إن الإسراف في استخدام الماء ممنوع في ديننا ولو كان ذلك الإسراف حال العبادة! فإن البيان النبوي الشريف الذي جعل الطهور شطر الإيمان هو ذاته الذي سمى الإسراف في الوضوء إساءة وتعديا وظلما، فقد جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ليتعلم منه الوضوء، فأراه (صلوات ربي وسلامه عليه) الوضوء ثلاثا ثلاثا، ثم قال صلوات ربي وسلامه عليه: «هذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء، أو تعدى، أو ظلم».