رواية سنة القطط السمان.. نصوص عن الطموح والإنسان وسط التحولات الكبرى - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 11:30 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رواية سنة القطط السمان.. نصوص عن الطموح والإنسان وسط التحولات الكبرى

رواية سنة القطط السمان
رواية سنة القطط السمان
أسماء سعد
نشر في: الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 7:03 م | آخر تحديث: الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 7:03 م

شهادة حية لـ «عبدالوهاب الحمادى» حول الهوية الوطنية وتطلعات الجموع

 


فترة تاريخية مشحونة بالأحداث والتوترات، تأخذنا إليها نصوص رواية «سنة القطط السمان»، تحديدًا فى عام ١٩٣٧، قبيل اكتشاف النفط فى الكويت، حيث سياق تاريخى مثير، لتنسج الرواية حكاية «مساعد»، الشاب الطموح الذى يعمل محاسبًا فى عائلة ثرية تعمل فى تجارة النقل البحرى، وتمضى الرواية لتكتشف كيف يتداخل القدر مع الطموحات الشخصية، وكيف يُنحت الإنسان بين خياره ومصيره المرسوم له منذ ولادته.

فصول تكون حكاية عن التحديات التى تواجه الشخصيات فى أرض مليئة بالصراعات السياسية، حيث يبرز موضوع الطموح والحرية فى ظل إرث ثقيل، وتبقى الأسئلة حول الإنسان وما يملكه من خيارات أمامه.

تدور أحداث رواية الصادرة عن «دار الشروق» للكاتب الكويتى عبدالوهاب عن تحولات مفصلية فى تاريخ الكويت، مع انتهاء حقبة الغوص على اللؤلؤ وظهور البدايات الأولى لاكتشاف النفط. هذا التغير التاريخى لم يكن مجرد تبدل اقتصادى، بل شكل نقطة انطلاق لنهضة شاملة غطت ميادين التعليم والثقافة والسياسة، ورسخت الأسس للهوية الكويتية الحديثة.

استخدم الحمادى تقنية السرد بضمير المخاطب، وهو اختيار أدبى مثير، يعكس تفاعلاً متبادلاً بين القارئ والشخصيات، كأن النص يخاطب الجميع، هذه التقنية ليست جديدة على الأدب العربى، لكن الحمادى يوظفها بطريقة تمزج بين السرد التقريرى والمونولوج الداخلى، مما يجعل القارئ جزءا من الحكاية، كما أن الكاتب يستهل الرواية بمقدمة مستوحاة من قصيدة «المدينة» للشاعر قسطنطين كفافيس، التى تعبر عن الإحباط والضياع، وكأنها تعكس ما تعرض له الجموع فى تلك الفترة.

الرواية تبدأ بحادثة مشهودة؛ القبض على طباخ هندى بتهمة ذبح قطط وبيعها لزبائنه على أنها لحم غنم. تلك الحادثة البسيطة تحولت إلى اسم للعام كله، وهو «سنة القطط السمان». ولكن تعبير «القطط السمان» يأخذ بعدا رمزيا آخر، إذ يشير إلى الشخصيات النافذة التى تجمع الثروات.

بطل الرواية، «مساعد»، شاب يسعى وراء الحلم والثراء، يعكس طموحات جيله وسط التحولات الجذرية التى شهدتها بلاده، يعمل محاسبا لدى التاجر الثرى «منصور التاير»، الذى يمثل رمزية لاستغلال النفوذ، بينما يجد «مساعد» نفسه فى دوامة من الأزمات حينما يرهن بيت عائلته وبيت زوجته لتمويل مشروع شراكة مع الطباخ الهندى، فقط ليكتشف أن المصاعب أكبر مما تصور.

التاجر «منصور التاير»، بدوره، يجسد شخصية معقدة؛ يختلط فيها السعى وراء المال مع استغلال الدين لتبرير تصرفاته. يستخدم إمام المسجد المتشدد «فالح البطانة» للتأثير على العامة، فى الوقت الذى يسعى فيه لموطئ قدم فى مشروع التنقيب عن النفط.

الحمادى يقدم وصفا حيا للحياة فى بلاده آنذاك، حيث يعانى السكان من انهيار اقتصاد اللؤلؤ، ويشهدون بدايات التعليم الحديث. شباب الكويت المثقف، المسمى «المتنورين»، كان يتطلع لبناء مجتمع أكثر انفتاحا وتقدما، فى مواجهة قوى تمجد الماضى، يظهر هذا التباين فى النقاشات حول الهوية الوطنية، الدور العربى، والوجود البريطانى الذى كان مثار جدل كبير. 

الشخصيات الثانوية مثل «حاتم» و«ناصر التاير»، تضيف أبعادا متنوعة للصراع الفكرى والاجتماعى، حيث يميل الأول للارتباط بثقافات المحيط الهندى، بينما ينخرط الثانى فى الدفاع عن القضايا القومية مثل دعم الثورة الفلسطينية.

الرواية تمتاز بلغة رصينة، مليئة بالتفاصيل الحية، التى تجعل القارئ يعيش أجواء الكويت فى ثلاثينيات القرن الماضى. الحمادى أضاف تنوعا لأسلوب السرد بإفساح المجال لصوت زوجة «مساعد»، التى تشعر بقلق دائم على مصير زوجها. هذا التعدد فى الأصوات يعكس صراعا داخليا وخارجيا يعانيه الجميع. 

كما أنه عبر استخدام الرموز والاستعارات، يرسم الحمادى صورة دقيقة للتحولات الكبرى فى الكويت، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.

 الرواية كانت حريصة على إيقاع متسارع حفاظا على تشويق يخدم كونها مرآة لمرحلة حساسة فى تاريخ المجتمع، وتتناول مزيجًا من الوقائع التاريخية والخيال الأدبى، محاولة تقديم تفسير للأحداث الاجتماعية والسياسية التى شكلت المجتمع الكويتى فى النصف الأول من القرن العشرين، وسط العديد من أدوات تقريب القارئ من مشاعر البطل، وتحفيزه على الإحساس بتفاصيل المكان والزمان، كأصوات الباعة فى السوق أو روائح الأزقة القديمة. فى هذه الرواية، لا يصبح القارئ مجرد متابع للأحداث، بل يتورط فيها عاطفيًا وفكريًا.

ينجح الكاتب فى روايته الصادرة عن «دار الشروق» فى تجاوز البعد التاريخى البسيط، ليخلق عملاً يلامس قضايا اجتماعية معاصرة. من خلال حادثة بيع لحوم القطط، يصل إلى إسقاطات سياسية تتعلق بالمجتمع، معتمدًا على التفاصيل الدقيقة لتوثيق الواقع الكويتى فى تلك الحقبة. ويستمر فى تحليل تفاعلات الأفراد مع بعضهم البعض، محاولًا فك شفرة العلاقة بين التجار، الشيوخ، والمواطنين العاديين، قبل اكتشاف النفط. كما أن الرواية تتخذ من المصطلحات الرمزية مثل «القطط السمان».

من خلال تطور الحبكة والشخصيات، يعزز الحمادى فكرة أن التاريخ ليس مجرد سرد للوقائع، بل هو نتاج لتفاعل البشر مع ظروفهم الاجتماعية والسياسية. إذ تؤكد الرواية أن الأحداث التى حدثت فى الماضى لم تكن مجرد حوادث عابرة، بل كانت مكونات أساسية فى تكوين المجتمع الكويتى فى صورته الحالية. من خلال هذا العمل، يُظهر الحمادى أن السلوكيات التى تظهر اليوم هى وليدة الماضى، ومستمرة فى إعادة تشكيل الأدوار الاجتماعية والسياسية داخل المجتمع الكويتى، مما يجعل من الرواية وثيقة تاريخية اجتماعية تحاكى الواقع الراهن.

يتيقن القارئ أن الرواية بمثابة فرصة لاستكشاف حقبة مفصلية فى تاريخ الخليج العربى عبر سرد مشوق وأسلوب أدبى رصين.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك