نبيل فهمي يكتب: غزة.. الضفة.. لبنان.. سوريا.. وإعادة تشكيل العالم العربي - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 12:38 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمي يكتب: غزة.. الضفة.. لبنان.. سوريا.. وإعادة تشكيل العالم العربي


نشر في: الإثنين 9 ديسمبر 2024 - 6:19 م | آخر تحديث: الإثنين 9 ديسمبر 2024 - 6:19 م

أذكر دومًا أننى لست من المتحمسين لنظريات المؤامرة، ليس لأننى استبعدها كلية، وإنما لأننى ألاحظ أن عالمنا العربى يسقط فى دورانات المؤامرات، ويحملها كل مسئوليات أحواله، ويغرق فيها دون أن يطرح أسئلة أهم وأعمق، ألا وهى لماذا تتكاثر المؤامرات فى ساحاتنا بمعدلات تتجاوز بكثير معدلاتها فى ساحات أخرى، وما هو سبيل الخروج من هذه الدائرة المفرغة والهدامة؟ وقد تناولت فى كتابات سابقة المطلوب من العالم العربى فيما يتعلق بالسؤالين، والوضع الذى يحتم إدارة السياسات الخارجية والداخلية بحكمة ورشد.
إنما أتوقف اليوم أمام ما أراه من مجهود أو مجهودات تستهدف تثبيت المصالح، وهدم وإفناء ما تبقى من المعالم السياسية للعالم العربى، وتغيير صورة المنطقة جوهريا، وأكتب تسجيلًا للرأى أن هناك توجهًا لتغيير المنطقة ومحذرا منه، تغيرات تتم من مجموعة زاوية، وأساليب بالغة الخطورة، منها تغليب القوة على القانون، وتعديل الحدود بالقوة، والقضاء على الانتماء، ومسح الهوية السياسية، وتغيير توازنات القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، لتأمين هيمنة ومصالح أطراف أغلبها، وإنما ليس كلها غير عربية.
وسعيًا وتمكينا لكل ذلك تم افتعال وإقرار والقبول بمفاهيم مبتكرة فى العلاقات الدولية، متناقضة متعارضة ومخالفة لكل أسس القانون الدولى، منها عدم احترام السيادة الوطنية، ولا يتسق مع مفاهيم وضوابط الدفاع عن النفس عبر الحدود، وفتح الباب على مصراعيه لاستخدام القوة المطلقة ضد المدنيين، والتهجير القسرى للمواطنين، وكلاهما محظور وفقًا للقانون الدولى الإنسانى، بالإضافة إلى العديد من التناقضات فى تطبيق قواعد وإجراءات والتزامات الدول من أحكام المحكمة الجنائية الدولية، حتى بين الأعضاء المؤسسة للمحكمة ذاتها، وجزء من كل ذلك يتم فى العلن، وجزء منه مرتبط بترتيبات خفية ينطبق عليها تعبير المؤامرة.
لقد تجاوزنا الآن ٧٠ عامًا على بدء النزاع الإسرائيلى الفلسطينى، وما يزيد على ٤٠ عامًا على حربى ١٩٦٧ و١٩٧٣ وإصدار قرارى مجلس الأمن رقم ٢٤٢ و٣٣٨، اللذين يشكلان أساس كل اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية، وما يزيد على عام على أحداث ٧ أكتوبر، وما تبعها من وحشية عبر القطاع وفى الضفة الغربية من نهر الأردن، وتسعى إسرائيل فى خططها وممارساتها فى غزة إلى إخلاء الساحات الحدودية من السكان، وإنشاء مناطق عازلة، وإفراغ شمال القطاع من سكانه، تمهيدًا إذا لزم الأمر إلى التهجير القسرى عبر الحدود، كما تخلق محاور عابرة للقطاع ومقسمة له، مصحوبة بمناطق وترتيبات أمنية تجعل ما تبقى من القطاع ساحة فارغة قابلة للاستيطان، أو ممهدة منطقة عازلة، بحجة تأمين الحدود، فى حين أن الإجراءات المكملة تكشف أن النية الحقيقية هى معاودة وتثبيت الاحتلال.
وتزامنت مع ذلك توغلات إسرائيلية متزايدة، رسمية ومن خلال المستوطنين فى الضفة الغربية، بل ارتفع عدد القتلى الفلسطينيين عما شهدناه قبل أحداث أكتوبر، وتجاوزت الاعتقالات الأعداد الذى تم الإفراج عنها، فى إطار اتفاقات الإفراج عن الأسرى والمحتجزين، وينتظر أن ترتفع هذه المعدلات وتزداد مع تواصل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الحالية، والتى تتمسك بالأراضى الفلسطينية لإسرائيل.
ويتبناها رئيس وزراء إسرائيل مكررًا أنه تفوق على حزب الله وحماس عسكريًا، وأن اليد الطولى الإسرائيلية تمتد إلى كل من يهددها فى بقاع الشرق الأوسط حتى إيران أو اليمن، فى نفس الوقت يعلم علم اليقين أن الخطر الأقوى والأقرب لإسرائيل الآن هو الخطر الديمغرافى، مع تنامى الأعداد الفلسطينية داخل الأراضى الإسرائيلية والمحتلة، ما يرجح أنه سيعمل على دفع الفلسطينيين إلى مغادرة الأراضى إلى الخارج، أو يجبرهم على ذلك تجاه الأردن الشقيق أولًا، وتجاه الأراضى المصرية إذا لزم الأمر.
ومن المفيد التذكير أن وزير خارجية إسرائيل السابق شاريت كتب فى مذكراته منذ منتصف القرن الماضى أن أفضل سبيل لمواجهة العالم العربى هو تفتيتها وتقسيمها من الداخل على أساس طائفى أو عرقى أو إثنى، والساحة الفلسطينية ليست الوحيدة فى جهود إعادة التشكيل بالشرق الأوسط والمشرق بصفة خاصة، وإنما رأيت البدء بها للتنبيه بخطورة بعض الترتيبات المؤقتة المنتظر الاتفاق عليها على المدى القصير، قبل أو مع بداية ولاية ترامب القادمة، حيث يصعب تصور الوصول إلى حلول كاملة ونهائية خلال أسابيع قليلة قبل انتقال السلطة فى الولايات المتحدة، لنزاع حول الهوية والكرامة دام أكثر من نصف قرن من الزمن.
ولم تكن مفاجأة أن يتم التوصل أخيرًا إلى اتفاق وقف إطلاق النار خاص بلبنان، تهدف إسرائيل منه تأمين حدودها الشمالية، بعد استهداف قيادات وإمكانيات حزب الله، وترك بصمة قاسية على الأراضى اللبنانية، اتفاقًا نأمل أن يوفر قدرًا من الأمان وإعادة الاستقرار للبنانيين، وأن يطبق بشفافية وحكمة وبمراقبة عادلة وواعية وموضوعية من الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة، دون ترك اللجام للطرف الإسرائيلى لسوء تفسير النصوص الخاصة بالدفاع عن النفس على هواه أو بتوفير الغطاء السياسى المعتاد الذى يؤمن إسرائيل من المحاسبة ويشجعها على الاستمرار فى التجاوزات الإسرائيلية المعتادة، وهو أمل يصعب الاطمئنان لتحقيقه.
جاء الترحيب الإقليمى بالاتفاق واسعًا بما فى ذلك من إيران، وهى طرف مهم ومؤثر رغم الصدمات التى تعرض لها أخيرًا، إن لم يكن الطرف المفصلى فى قرار حزب الله بالموافقة، ولا يمكن فصل ذلك عن التهدئة الإيرانية، وضبط النفس تجاه العمليات الإسرائيلية ضد أنظمة الدفاع الجوى الإيرانى، إذن هذا مؤشر آخر لوجود تفاهمات مباشرة أو غير مباشرة على ما تم، أو على الأقل نحو بدء التمهيد لما هو قادم.
الأحداث الذى حدثت خلال الأيام الأخيرة فى سوريا خاصة حلب وحمص، وتراجع القوات السورية الرسمية سريعًا أمام المعارضة، قبل سقوط النظام، لا يمكن أن تتم على هذا النحو دون تنسيق أو تفاهم أو توافق ضمنى كامل أو جزئى، أو تآمر عدد من الأطراف، وغياب رد الفعل الفعال من إيران وروسيا الموجودتان عسكريًا بأشكال مختلفة، وهناك تساؤلات حول مواقف ودور تركيا، عظيمة التأثير فى هذه الساحة، والتى لديها قوات فى سوريا والعراق كذلك، ومن الطبيعى أن ترحب إسرائيل بالأحداث، وكذلك الولايات المتحدة الموجودة عسكريًا فى سوريا والعراق أيضًا، علمًا بأن كل هذه الأطراف ليس حلفاء تقليديين لتوجهات المعارضة من هيئة تحرير الشام وغيرها، إذن نحن فى مرحلة مواءمات وتوفيق المصالح المرحلية، مع الهزة التى تشهدها المنطقة وقبل استلام ترامب السلطة، وإنما تقع جميعها على حساب الطرف السورى غير المسيطر على أراضيه، وقابلة أن تمتد منها بأشكال مختلفة إلى ساحات أخرى مجاورة.
يجب عدم إغفال أن إسرائيل أعلنت أنها مهددة من ومتنازعة مع ٧ ساحات شرق أوسطية غزة والضفة الغربية، وهى أراضٍ محتلة واليمن ولبنان وسوريا، وكلاهما كان مباحًا لها عسكريًا، وكذلك من العراق وإيران، فضلًا عن وجود مؤشرات مختلفة لمصادر اضطراب وتوغل لها ولغيرها بالصومال وشرق أفريقيا، وكل هذه مؤشرات خطيرة لما يتم وما هو قادم بمنطقتنا، ويُضاف كل ذلك إلى الاضطرابات بليبيا والحرب الأهلية فى السودان وعدم الاستقرار الأمنى فى البحر الأحمر.
هذه رسالة تحذير للإخوة والأخوات فى العالم العربى مما هو قادم، ونأمل أن يتم تبنى سياسات مبادرة لحماية مصالحنا والتخطيط للمستقبل، لأننا فى ظل عالمًا مضطربًا ومنطقة يعمل على تفتيتها وإعادة صياغتها وتشكيلها دون التزام بالقانون الدولى المنظم للعلاقات على المستوى الدولى والإقليمى.

وزير خارجية مصر الأسبق
نقلا عن: إندبندنت عربية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك