على فراش فرويد.. تحليل الحياة على طريقة العلاج النفسي - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 1:11 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على فراش فرويد.. تحليل الحياة على طريقة العلاج النفسي

محمود عماد
نشر في: الجمعة 10 يناير 2025 - 6:25 م | آخر تحديث: الجمعة 10 يناير 2025 - 6:25 م

إن نظرية التحليل النفسى التى صاغها سيجموند فرويد هى واحدة من أهم النظريات فى العلاج النفسى، وفى الطب النفسى بشكل عام، ورغم مرور ما يقرب من قرن على إقرار فرويد لها، ورغم محاولة تجاوزها من علماء النفس والأطباء النفسيين بعد ذلك، ولكن يبقى فرويد ونظريته هى الأساس لطب النفسى الحديث، وللعلاج النفسى الحديث. وهذه هى النقطة التى تأخذها الكاتبة نهلة كرم لتكون نقطة بناء لروايتها «على فراش فرويد»، والتى تمت إعادة نشرها فى بداية العام، وصدرت عن الدار المصرية اللبنانية.

هنا فرويد يأخذ دور البطولة فى حياة بطلة روايتتا نورا، والتى تتخذ من فرويد طبيبا نفسيا رغم رحيله منذ سنوات طوال، وذلك فى لعبة نفسية هى من اخترعتها بنفسها، ألا وهى اسم روايتنا فراش فرويد، هنا نورا تلعب مع نفسها لعبة ذهنية متعلقة بالحكى بتفريغ كل ما فى نفسها، وبما أنها فى مجتمع تخاف فيه من البوح بمكنون إحساسها، فقررت البوح لنفسها بإشراف رمزى أو روحى لفرويد.

تنطلق نهلة كرم فى مغامرة محتومة بالمخاطر، بقلمها الذى يشبه المشرط فى استخدامه لتشرح النفس البشرية، وهنا النفس التى تشرحها هى بالطبع نفس بطلتها نورا، تلك التمثيل الحى لنفس البشرية بكل تناقضاتها، بكل مخاوفها، وبكل رغباتها المكبوتة، ومشاعرها المحسوسة.

تصدم رغبات نورا وأحاسيسها بالمجتمع الذى يرى نفسه محافظا ويحاول كبت رغبات قاطنيه التى تتنافى معه فى تقييد صريح لحرية الإنسان، فنرى الاصطدام الأول لنورا والذى كان بعائلتها مثل أى إنسان فى المجتمع، وخاصة لو كانت أنثى سيكون ذلك أصعب. عائلة نورا كبتت كل رغباتها كفتاة، ثم كأنثى وتحكمت فى كل مناحى حياتها، بنظرة ذكورية تنبع من مجتمع ذكورى، مع إضفاء المسحة الدينية على أفعالهم لتعطى الشرعية لتلك العنصرية فى التفريق بين بنتهم وأخيها الذكر، وبالطبع ظلت تلك الصدمة الأولى من العائلة فى لا وعى نورا فى بقية حياتها حتى عندما ستحصل على بعض الاستقلال، ولو كان نسبيا.

الجراءة فى طرح تلك الأفكار الطبيعية التى شعرت بها نورا بالنسبة لجسدها وللجنس، وحكايتها مع صديقاتها فى المدرسة، والتى كان فى طرحها بعض الجراءة النسبية، ولكن الضرورية فليست مشاعر الإنسان بشىء يخاف منه، وهذا ما حاولت نهلة كرم التأكيد عليه من خلال طرق ذلك التابوه.

الحلم لدى نورا هو حلم الكتابة تحقيق ذاتها من خلالها، أو الهروب بالكتابة سواء الشعر فى البداية من خلال كتابة شعر يكون الجنس بطلا له، أو بعد ذلك الصحافة، وكتابة الرواية، نورا كانت نظرة من الكتابة على وضع المرأة داخل الوسط الثقافى، ليست نورا فقط، بل حكايات نورا عن صديقتها مريم المصورة أو بمعنى أدق الرسامة، وعلاقتها مع إلهامى المثقف رئيس القسم الثقافى بالجريدة التى تعمل بها نورا، وتلك العلاقة كاشفة للكثير من الأمور حول النفس البشرية والرغبة، وعن عدم الاتساق مع الذات. كما أن هذا الشق المتعلق بحلم نورا فى الكتابة يقابل بفكرة العمل الصعب الذى تمارسه نورا والذى مع الوقت يقتل لديها الشعور والإحساس، بل ربما ينسيها الكتابة نفسها، وهنا نرى الثنائية بين حلم الإبداع، وبين اصطدام الحلم بصخرة الواقع المر.

الجزء الأهم فى الرواية هو الذى من الممكن أن نعتبره الأخير نسبيا، وهو جزء التقاء نورا بمنقذها زياد، والذى منذ وطأت قدماه النص حتى أصبح الإيقاع السردى أسرع، وكأن نورا بدأت تتخلص من مخاوفها ومن أحزانها ورغباتها المكبوتة فى بداية الرواية، ساعدها زياد فى كل شىء تقريبا، فى شق رغباتها المكبوتة وفى تحقيق تلك الرغبات، وفى العمل، وفى الكتابة والنشر، وكأنه المسيح المخلص.

يمكننا القول أن نهلة كرم كتبت بصدق شديد، فلمست مشاعر نورا وتناقضاتها وأفكارها مشاعرنا، وصدقناها فى كل شىء بل ربما نرى بعضا منا فيها، اعتمدت الكاتبة على شكل سردى يشبه التداعى من الذاكرة فيه بعضا من الفلاش باك، وهذا بالطبع كما ذكرنا بسبب النظرية الفرويدية كما ذكرنا فى البداية، كما أنها لم تحد عن الفصحى فى سردها، وحتى حواراتها، مع التطعيم ببعض الكلمات من خارج الفصحى، لنرى النفس البشرية بعيون مختلفة، ربما تكون عينى سيجموند فرويد نفسه.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك