مر قرن من الزمان على وفاة الموسيقار سيد درويش الذي مازال يشغل حيزا كبيرا من تاريخنا الموسيقي ليس بريادته وتأثيره المستمر فحسب، بل أيضا بما يثيره من جدل حول تفاصيل حياته الثرية وإنتاجه الموسيقي الغزير، والنزاع على خلافته واستغلال اسمه وما تركه من إرث.
جدل في ليلة الافتتاح
نعود بالزمن إلى عام 1965 عندما أصبح اسم سيد درويش محل جدل على الصفحات الأدبية بسبب أول مسرحية تقدم عن سيرته الذاتية، وبلغة العصر الحالي كانت هذه المسرحية (تريند) حينها، حيث أثارت جدلاً واسعاً بسبب هجوم عائلة درويش عليها وتحديداً ابنه محمد.
في العدد الصادر لمجلة الثقافة بتاريخ 12 أبريل عام 1965، نشر الناقد والكاتب عبدالفتاح البارودي مقالاً عن ما أثير حول المسرحية بعنوان "أول مسرحية عن سيد درويش"، ونعرف من تفاصيل المقال ما حدث في ذلك الوقت، حيث قال: "إن الضجة بدأت منذ ليلة الاحتفال بافتتاحها في مسرح سيد درويش في الإسكندرية، وقد حضرت الافتتاح وسمعت اعتراضات محمد البحر ابن سيد درويش، واعتراضات أهالي كوم الدكة، وهو الحي الذي ولد فيه الموسيقار، وطبعا لا أحد يمانع الاعتراضات إذا كانت قائمة على أسس سليمة بل إنها في هذه الحالة تساعد على تقييم العمل الفني، ولكن إلى الآن لم تحدث مناقشة موضعية، وإنما ضجة فقط".
كانت المسرحية من تأليف صلاح طنطاوي، الذي حاول معالجة تاريخ حياة درويش، ووقت كتابة المسرحية كان هناك الكثير من المصادر ذات الصلة بدرويش على قيد الحياة لذلك واجه طنطاوي هجوماً شرساً في ما يخص دقة المعلومات الشخصية المذكورة عن درويش، سواء من أهالي كوم الدكة أو الوسط الفني وفي مقدمتهم بديع خيري وتوفيق الحكيم والدكتور حسين فوزي.
أخطاء واتهامات للمؤلف
ومن الأخطاء التي ذكرها البارودي في مقاله أنه ورد في المسرحية أن درويش عمل نجاراً في بداية حياته، والحقيقة أن درويش عمل كاتبا في إحدى محلات الموبيليا لزوج أخته وليس نجاراً، كما واجه العرض اعتراضات أخرى وهي إصرار مخرجه محمد توفيق على الاستعانة بأصوات بعض الفنانين رغم وجود تسجيلات بصوت سيد درويش نفسه كان من الممكن الاستعانة بها ودمجها في العرض ولكن لم يفعل ذلك.
كما اتهم محمد من أدوا أغنيات سيد درويش في العرض مثل سيد مصطفى وإسماعيل شبانة –شقيق عبدالحليم حافظ- أنهم قدموا النسخ المشوهة من أغنيات "أهو دا اللي صار " و"سالمة يا سلامة"، واستدل على ذلك وأكده من الشيخ محمود مرسي الذي عاصر سيد درويش والاسطوانات المسجلة.
واعترض الأهالي على الملابس التي ارتداها الأشخاص في العرض ورأوا أنها لا تعبر عن ملابس منطقة كوم الدكة حينها، بالإضافة إلى اللهجة والإكسسوار مثل الساعة التي لا تنتمي للعصر الذي تدور في الأحداث.
البارودي ينصف المؤلف وينقده !!
بينما كانت تعليقات البارودي تتعلق بفنيات كتابة النص المسرحي، حيث قال: "المسرحية تعتبر لوحات فنية في إطار مسرحي أكثر مما تعتبر موضوعا درامياً في شكل متكامل، والمؤلف يستحق كل تقدير إنه بذل جهداً ضخماً وشاهد بديع خيري المسرحية وأبدى بعض الملاحظات ولكن يتفق مع فكرة المؤلف الذي يطرحها، ولكن هناك أمور خلى منها النص مثل المناقشات الفنية، لم يذكر المؤلف أهم المناقشات الموسيقية حيث يروى عن درويش أنه دخل في مناقشات حامية مع كبار الموسيقيين في عصره ومنهم داوود حسني وكامل الخلعي وإبراهيم فوزي، وكانت تصل المناقشات إلى الشجار أحيانا في الندوات، ولم يبرز غيرة سيد درويش الشديدة على فنه، ولم يتطرق المؤلف إلى رغبة درويش في السفر إلى إيطاليا لدراسة الموسيقى، ولم ينقل معاناة درويش في البداية وكيف استقبله الجمهور استقبالا سيئاً ودور سلامة حجازي في هذا الموقف".
تابع القراءة في ملف الشروق عن سيد درويش 100 عام من الإلهام