أشجار الزيتون تمتد على جانبى الطريق الرملى، وإطارات السيارات تحدد هى الأخرى معالم الطريق إلى مدينة الشيخ زويد، ومنها إلى قرية المهدية، على بعد ثلاثة كيلومترات من الحدود الإسرائيلية وأربعين كيلومترا من العريش.
لا أحد يجرؤ على دخول القرية «دون دليل».. إذ لابد من أى فرد من أبناء القبائل الذين يرافقون الأغراب عند الولوج إلى القرية حيث ينتشر المسلحون.
تصنف الجهات الأمنية القرية على أنها «أخطر مربع سكانى».. مواطنوها يستخدمون شبكة (أورانج) الدولية، المستخدمة للاتصالات داخل إسرائيل، دون الشبكات المصرية المعتمدة... وتشتهر القرية أيضا منذ العام 2001 بأنها معقل احتجاز الافارقة، خاصة الوافدين من أفريقيا، بحسب شهادات الأهالى.
الشيخ إبراهيم المنيعى، رئيس اتحاد القبائل بشمال سيناء، يشرح أسباب انتشار ما يسمى بـ«تجارة الأفارقة» بالقرية على يد عصابات متخصصة: «ترتبط هذه العصابات بعائلة الرشايدة فى السودان.. يأتون بهم إلى سيناء، ثم يطلبون فدية من أسرهم، وفى حال الرفض يتم قتلهم، واكتشفنا جثثا كثيرة لأفارقة، وتم إبلاغ الأمن».
اصطحبنا الشيخ المنيعى بسيارته إلى أحد المنازل الذى يعيش فيه أفارقة بعد أن تم تخليصهم من أيدى العصابات أثناء القصف الذى تعرضت له القرية خلال مطاردة الجيش لعناصر تكفيرية منهم شادى المنيعى، المصنف ضمن الأكثر تأثيرا فى شبه جزيرة سيناء (ابن عم رئيس اتحاد القبائل الذى ساهم فى عملية القبض عليه).. فى باحة أحد البيوت الفاخرة، حديقة واسعة بها بطاطين كثيرة ملقاة على الأرض، إذ ينام بعض المختطفين بهذه الحديقة، وفى الطابق الثانى من المنزل، التقينا مجموعة من الشباب داكنى البشرة، والذين كانوا منهمكين فى تنظيف المنزل الذى يقيمون فيه، بعدما تعرض للقصف خلال إحدى عمليات التمشيط.. كانوا يتحدثون لغات مختلفة، وتظهر عليهم علامات تدل على تعرضهم للتعذيب فى وقت سابق.
عبدالله اليوسيفى، من إريتريا ويتحدث العربية يقول: «وصلت سيناء منذ ثلاثة أشهر، وكنت معصوب العينين بمعرفة عصابة لتجارة البشر ينتمون لعائلة الرشايدة بالسودان.. تم احتجازى داخل أحد المخازن وطلبوا فدية من عائلتى فى إريتريا.. وحين رفضت الأسرة دفع الفدية، عذبتنى العصابة قبل أن تطلق سراحى وانتقل إلى منزل الشيخ محمد المنيعى، ابن عم رئيس اتحاد القبائل بشمال سيناء.
وتفصل عائلة المنيعى بين الرجال والنساء، إذ انتقل الرجال إلى البيت الكبير (يطلقون عليه القصر)، وظلت البنات فى ضيافة الشيخ.
ويضيف اليوسيفى (23 عاما): «لا أريد العودة إلى بلادى، فأنا مطلوب لتنفيذ احكام قضائية، وسيتم حبسى فور وصولى، لذا أطلب من الحكومة المصرية تسليمى لأى بلد آخر.
ويروى الشاب معاناته داخل قرية المهدية فى سيناء: «كنت مع آخرين، يبلغ عددهم نحو 40 شابا و15 فتاة، كدنا نموت من الجوع، وبعدما توسلنا لأفراد العصابة أعطونا كسرات خبز متبقية منهم».
شاب آخر من إثيوبيا، يدعى مايكل أنكل، قال إنه دخل قرية المهدية بعد اختطافه، ثم طلبت العصابة فدية عشرة آلاف دولار من أهله، ونظرا لعدم قدرة والدته على الدفع تم تعذيبه، ولا تزال آثار الضرب الوحشى على جسده خاصة بمنطقة الظهر.
ويصف أنكل كيف تم تعذيبه على مدار 90 يوما: «أولا بالكهرباء، حيث كانوا يضعوننا نهاية كل يوم فى صندوق وتتم كهربتنا داخله بواسطة أسلاك عارية تسلط على مناطق الظهر والرقبة».. تغالب الشاب الثلاثينى دموعه عندما يتذكر ضربه بالكرباج السودانى «حتى النزف». ويساعد اليوسيفى فى ترجمة حديث زميل له لا يتحدث العربية: «حاولنا التواصل مع منظمات حقوقية بعد هروبنا من قبضة العصابة.. ونحن فى انتظار استجابتهم وإعادتنا إلى بلادنا، أصبح عددنا لا يتجاوز أربعين شخصا، فى حين كنا فى البداية حوالى 300، توفى الكثيرون ودفنوا فى الصحراء، بعد أخذ أعضاء من جثثهم وبيعها.. رأيت كل ذلك بعينى».