مئوية سيد درويش .. الفنان وليد عوني يكتب عن المناضل بالألحان: الحداثة في 100 عام - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 1:55 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مئوية سيد درويش .. الفنان وليد عوني يكتب عن المناضل بالألحان: الحداثة في 100 عام


نشر في: الإثنين 11 سبتمبر 2023 - 11:20 ص | آخر تحديث: الإثنين 11 سبتمبر 2023 - 12:02 م

بعد قرن من رحيل سيد درويش، مازال فنان الشعب علامة فارقة ليس في تاريخ الموسيقى العربية الحديث فحسب، بل أيضا في مسيرة الحداثة المصرية والعربية، وإحياء لذكراه المائة تفتح "الشروق" ملفا متجددا يضم إسهامات من كبار المؤرخين والنقاد والفنانين، بالإضافة إلى موضوعات تاريخية عديدة.

وبهذه المناسبة؛ اختص الفنان الكبير وليد عوني "الشروق" بهذا المقال الذي يركز فيه على دور سيد درويش التحديثي في الموسيقى، وكيف انتقل تأثيره الفذ عبر الأجيال، ويحدثنا عن مشروعه المسرحي الراقص من وحي أعمال سيد درويش.

فإلى المقال..

الحداثة فى جميع الفنون لها دائما البداية وليس لها النهاية..

وهذا ما أتانا به سيد درويش فى حداثته الفنية الموسيقية التى لاتزال تتزامن فى مشوارنا الطربى المصرى منذ القرن التاسع عشر منذ تواجد عبده الحامولى بصوته وطربه وأيضا تواجد سلامة حجازى بالخروج من التجويدات القرآنية وبدايات الدخول إلى المسرح الغنائى المصرى بلحن وطرب وكلمات.

ثم ظهر سيد درويش وكأن التاريخ عبارة عن حلقات فنية تسلم كل منها الأخرى، وإذا بالحداثة تولد عند سيد درويش وبألحانه وأغانيه التى عايشت ثورة 1919 وإذا به لا يصبح مصلحا موسيقيا فقط، بل أيضا يتحول إلى مصلح اجتماعى، وناضل كما ناضل الثوار، فكما كان سعد زغلول يحرك الجماهير بالخطابات والتحركات السياسية، كان سيد درويش يقاوم ويحشد بألحانه للشعب.

خرج من السرد الطربى المألوف وطرق الغناء بالتجويد على غرار قراءة القرآن، والذي كان النمط الأكثر شيوعا، فأصبح قدوة للوصول إلى شيء أهم وأعمق.

فإذا كان النغم الشرقى قد أتى من الكنيسة البيزنطية، فاللحن وخامات الصوت الطربي وتموجاته أو مقاماته نبعت من تجويد القرآن، وأكبر مثال على ذلك طريقة تطور أداء السيدة أم كلثوم.

قبل سيد درويش كان اللحن يسير دون تعبير درامى أو شعور عاطفى، فإذ به في خضم ثورة 1919 يتجه بأغانيه للشعب والفقراء منه ليكسبه بعدا دراميا وعاطفيا، فغنى للفلاح والفلاحة والكناس والنجار والصنايعية، والعمال، إذ كان هو نفسه حرفيا.. تسمعه يمجد الفلاح ويغنى للطبيعة والريف وللجاموسة.. فأحبه الشعب ولقب بفنانه.. فنان الشعب الذي أخضع اللحن لمعانى الكلمات التى هى بدورها تطورت إلى دراما عاطفية بكل معنى الطربية.

ثم سافر إلى سوريا وتعلم القدود الحلبية، وعمل على المسرح الغنائى، لنجد أغلب أغانيه تخرج من قلب هذا الفن، وتعامل مع فرقة منيرة المهدية فى مسرحيات من تأليف بديع خيرى وبيرم التونسى ويونس القاضى.. وهنا كانت له الريادة في ولادة الأغانى من داخل السياق المسرحي، تماما كما فعل الرحبانية في لبنان بعد نصف قرن تقريبا.

فمنذ 1955 كنا ننتظر أغانى فيروز الجديدة التي يبدعها الرحبانية في مسرحياتهم، وهي أيضا مولودة في ظل معاناة الشعب اللبناني، كما كانت أغاني سيد درويش التي يصنعها في ظل معاناة شعبنا المصري، ولذلك كان طبيعيا أن تلامس أغانيه الأوضاع السياسية والاحتلال البريطاني وتحاول إحياء الكرامة والشخصية المصرية في مواجهة الطغيان، فهكذا المسرح كان هو الملجأ الوحيد للاستنكار بالكلمة واللحن والصوت بأغنيات تمس الكيان والضمير الشعبى، مثل (أهو ده يللى الصار) (زرونى كل سنة مرة) (طلعت يا محلى نورها) (الحلوه ده).
ونجده يتجه إلى استخدام الرموز السياسية (يا بلح زغلول) (اليوم ده يومك) (بنت مصر) (مصرنا سعدنا) إلى أن توج فنه فى أغنية على شكل مارش وطنى (بلادى بلادى) لحنها فى معهد نادى السينما ثم (قومى يا مصر، مصر دايما بتناديلك) على إيقاع الفالس، وفى مسرحية شهر زاد (أحسن جيوش الأمم جيوشنا).

إذن.. نحن أمام محطة مفصلية اسمها سيد درويش.. قبله القرن التاسع عشر وعبده الحامولي وسلامة حجازي.. وبعده عبدالوهاب وأم كلثوم.. يجمع بين نقيضين: الطرب واللحن وقد أمسك بتلابيب كل منهما.

سيد درويش إلى الرقص المسرحي الحديث

من ناحيتى لم أنشأ على الطرب العربى إلا فى طفولتى على صوت فيروز بلبنان، ومن ثم فى غربتى المبكرة الأوروبية اكتشفت صوت أم كلثوم وعمرى 30 عاما، فهي التى أعادت مشرقيتى إلى دمى وروحى، وعندما أتيت إلى مصر اكتشفت من هو سيد درويش وأهميته الوطنية وفى عالمنا الطربى الأصيل.

ومن خلال تعاملي واطلاعي على تاريخ عدة شخصيات مصرية أدبية وسينمائية وتشكيلية كونت ثقافتي.. من نجيب محفوظ إلى نجية حليم وشادى عبدالسلام، محمود مختار، قاسم أمين، سعد زغلول، محمود سعيد وعبدالهادى الجزار وغيرهم.. لتنعكس أضواؤهم وأفكارهم في أعمالي في المسرح الراقص فى مصر.

لم أجرؤ على الوصول إلى الهرم الأول أم كلثوم.. كل شىء له وقته، كان أمامي مشروع كبير عن حياتها استغرق مني دراسة سنة، ثم وضعت كل الأوراق جانبا في انتظار التمويل.

إنما سيد درويش بدا وكأنه (يراسلنى) من خلال أوبريتاته التي أشاهدها وأستمع إليها التليفزيون والإذاعة والمسرحيات أو الحفلات الغنائية.

لكن لم تكن قد تكونت عندى قراءة واضحة لمسرحياته لتتحول إلى لغة الرقص المسرحى الحديث، فتراجعت لأعطى كل شىء حقه، فهو بحداثته الفنية يعد شعلة لتحريك عمل فنى ينبع من مسرحياته الغنائية.

لا أزال أسمع الأوبريتات التي أبدعها من (العشرة الطيبة) إلى (الباروكة) إلى (شهر زاد) ومسرحية (ولو) لنجيب الريحانى، وأفكر: كيف يتم تحويل هذا الفن الغنائى إلى رقض مسرحى حديث؟

فرغم حداثته الطربية الشعبية ألجأ إلى التعامل بالمشهديات لأتمكن من معاصرة حاضرنا.
واتضح لى أن أكثر أوبريت تتكون من مشهديات معاصرة يمكن أن يتخللها الرقص المسرحى الحديث هى أوبريت (الباروكة).
طبعا سمعتها عدة مرات وكانت تخضع إلى تخيلات مسرحية وراقصة فيها تنوعات إيقاعية تليق بتحريك الجسد أولا، وفيها كلام يتطابق لتفسير حركى جسدى للتقرب إلى مفهوم أداء الراقص تضفيه كقيم فنية.

فالباروكة تحظى بكل العناصر الأدبية والشعبية التي كتبها خالد الذكر، وفيها كل السمات الطربية والموسيقى رائعة اللحن.. التي تحرك المشاعر لحركات جديدة.. لمعنى جديد.. يمس كيانا وطنيا وفولكوريا وإيقاعيا بحتا.
وأعتقد بأن بوادر لحن أغنية: بلادى بلادى إيقاعيا وحماسيا نبعت من ألحان أوبريت الباروكة.

أخيرا.. فإن سيد درويش المصلح الاجتماعى وخالق حداثة بداية القرن العشرين.. ذهب مبكرا وترك لنا إرثا لايزال جزءا من الكيان الوطنى لجميع الأجيال.. فما بالنا لو كان قد عاش أكثر كبيرم التونسى.. الكبير الذى تعامل بعبقرية كلماته مع ألحان زكريا أحمد ومنحانا روائع الطرب لأم كلثوم.

 

تابع القراءة في ملف الشروق عن سيد درويش 100 عام من الإلهام



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك