تمر الذكرى المئوية لوفاة الفنان سيد درويش، بمنتصف شهر سبتمبر الجاري؛ حيث رحل في 1923 عن عمر لم يجاوز 31 عاماً، ورغم العمر القصير وسنوات التجربة الفنية التي جاوزت عدد أصابع اليد بقليل، وضع الشيخ سيد درويش اسمه بجدارة واستحقاق على قمة تاريخ الموسيقى العربية.
بدت موهبة سيد درويش مبكراً؛ حين كلفه ناظر المدرسة الأولية بأن يؤدي نشيدا لمصر، وكانت عذوبة الصوت وطلاقة الأداء تشعل من حماس الطلاب والمدرسين وقت ما كان الشعور الوطني لدى الجميع متأججا مع وقوع مصر بقبضة الاحتلال البريطاني.
ولعب القدر دورا كبيرا في تجربة درويش الفنية؛ أثناء عمله كمساعد للنقّاش كان يغني فكان العمال الذين يشتغلون في البناء يطربون أشد الطرب ولاحظ المقاول أن العمال ترتفع معنوياتهم ويزيد فطلب إليه أن يتوقف عن العمل وأن يكتفي بالغناء للعمال، ويتصادف أن يسمعه أمين عطاالله شقيق سليم عطاالله صاحب إحدى أشهر الفرق المسرحية في ذلك الوقت، وعرض عليه فكرة أن يلتحق بالفرق مغنيا وهو ما تم وبدأت شهرته في الصعود، والتي نعايشها على نحو أقرب من خلال أرشيف الصحف المصرية الصادرة في تلك الفترة (كما نقلها الدكتور فكتور سحاب في كتابه سيد درويش .. المؤسس):
• المقطم : لأول مرة اقتران موسيقى الشرق والغرب
صدر إعلان في صحيفة المقطم في أول فبراير عام 1917، وجاء به: إدارة كازينو "جلوب" أنشأت مرسحا (مسمى تداول في تلك الفترة عن المسرح) جديدا للتمثيل العربي والأفرنكي، وسيفتتح مساء اليوم 1 فبراير، وقد أُلفت للمثيل جوقتان (فرقتان) واحدة عصرية والأخرى أدبية، وفي مقدمتها الممثل المشهور عمر وصفي.
وقد عهدت إلى الموسيقي الأستاذ الشيخ سيد درويش وضع ألحان الجوقين الكوميدي والأوبريت وتلحينها، ودخلت أوكسترا شرقي مع الأوركسترا الأوروبي لتوقيع الألحان، وهي أول مرة تقترن فيها الموسيقى الشرقية بأختها الأوروبية على مراسح التمثيل.
• البوسفور.. مطرب شهير وملحن مقتدر
ونشرت المقطم في عددها الصادر في 17 فبراير 1917 إعلانا آخر، جاء به : "يُطرب الجمهور في مساء هذا اليوم في كازينو "البوسفور" المطرب الشهير والملحن المقتدر سيد درويش الإسكندري على تخت محمد أفندي العقاد، ومعه سامي أفندي الشّوا( عازف كمان بارز ينحدر من عائلة سورية لها تاريخ كبير بعالم الموسيقى)".
• فيروز شاه..عشرين لحنا جديداً
وبحسب كتاب "مسيرة المسرح في مصر 1900-1935 : فرق المسرح الغنائي "للكاتب والناقد المسرحي الدكتور سيد علي إسماعيل ؛ فقد تعرَّف الشيخ بالممثل عمر وصفي مدير الجوق الكوميدي المصري الراقي، وبدأ التعاون الفني بينهما عندما لحَّن سيد درويش مسرحية «الشيخ وبنات الكهربا»، تأليف فرح أنطون، ومثَّلتْها فرقة عمر وصفي في تياترو منيرفا بكازينو الجلوب، خلف مخازن شكوريل بشارع بولاق عام 1918، وفي العام التالي قام الشيخ سيد درويش بتلحين مسرحية «فيروزشاه» لفرقة جورج أبيض.
ونشرت صحيفة "الأفكار" إعلانا عن المسرحية، والذي جاء به :
"الحادث الكبير في عالم التمثيل والموسيقى.. الأوبريت العربي لأول مرة في مصر.. تقوم بإحيائه فرقة "جورج أبيض" وتمثل لأول مرة " فيروز شاه" ابتداء من يوم الأحد 21 يوليو سنة 1918 الساعة الثامنة والنصف تماماً ، بعرين لحناً جديداً من وضع الموسيقي النابغ الأستاذ سيد درويش".
• شهر زاد.. انطلاقة فرقة الشيخ سيد درويش
ويكمل إسماعيل بكتابه، وبعد احتكاك الشيخ سيد درويش بمعظم الفرق المسرحية كوَّن فرقة خاصة به بالاشتراك مع عمر وصفي، أطلق عليها اسم «جوق سيد درويش»، وافتتح عملها بمسرحية «شهوزاد» أو «شهرزاد» يوم 7 يونيو 1921 بمسرح برنتانيا. وكانت من تمصير عزيز عيد. ومن تمثيل: سيد درويش، عمر وصفي، حياة صبري، حسين رياض، مسيو ألبير، نظلي، مزراحي، حسن القصبجي، منسي فهمي، كلود ريكان، محمد المغربي، عبد العزيز أحمد، إلياس صوفان. وقد لاقت هذه المسرحية نجاحًا كبيرًا مما جعل الفرقة تُعيد تمثيلها.
• جريدة مصر : فرقة الشيخ سيد نهضت بالتمثيل
ومن مظاهر نجاح المسرحية، قد نشرت جريدة «مصر» عن هذه المسرحية كلمة في عددها الصادر بتاريخ 16 يونيو 1921 والتي جاء بنصها:
"إن النهضة التي أوجدتْها الفرقة الجديدة، التي ألَّفها الأستاذ الشيخ سيد درويش، قد أظهرتْ فوائد التمثيل بواسطة الروايات الفكاهية الراقية، التي تجمع بين العظمة وجمال الموضوع، فضلًا عمَّا فيها من قِطَع الألحان الموسيقية البديعة، التي تأخذ بمجامع القلوب، بحسن إدارة الشيخ سيد درويش، الذي له المنزلة الأولى بين الملحنين. علاوة عَلَى جمال رواية «شهرزاد» وما صادفتْه من الإقبال، بالنسبة للروايات التي تُعادِلها موضوعًا وألحانًا وتمثيلًا. وإقبال الجمهور يدل عَلَى تفوُّق هذا الجوق ويشجِّع الفاتحين القائمين بهذه النهضة التمثيلية الجميلة".
• حلّاق إشبيلية
كما نشرت صحيفة "مصر" إعلانا في ديسمبر 1921، أنه وبدار التمثيل العربي قدَّمت الفرقة مسرحيتها الخامسة "حلاق إشبيلية"، تعريب حامد الصعيدي، ومن تمثيل: عمر وصفي، محمود رضا، حسين رياض، عبدالعزيز أحمد، نظلي مزراحي.
تابع القراءة في ملف الشروق عن سيد درويش 100 عام من الإلهام