في أجواء من الروحانية والبهجة، شهدت مدينة الأقصر ختام احتفالاتها السنوية بمولد أبو الحجاج الأقصري، والتي امتدت ليومين من الفعاليات المتنوعة التي جمعت بين الطقوس الدينية والتراث الشعبي.
وانعكس هذا الاحتفال في حضور جماهيري واسع من الأهالي والزوار من مختلف المحافظات، حيث تجسدت الفنون الدينية والتراثية في حلقات الذكر والمديح والتحطيب والمرماح وغيرها من الفعاليات التي تعكس غنى الهوية الثقافية للمجتمع.
أجواء روحية مفعمة بالإيمان
وقال إيهاب صبري الحجاجي، أحد أفراد العائلة الحجاجية المشرفة على الاحتفالات، إن الفرق الدينية والفلكلورية بدأت استعداداتها لإحياء فعاليات الليلة الختامية منذ فجر أمس في التجمع بساحات المدينة الرئيسية والمراكز الثقافية القديمة، حيث تم تزيين الأماكن بالأضواء والزخارف التقليدية التي تبرز الطابع الروحاني للمناسبة.
وأضاف الحجاجي، لـ"الشروق" أن عددا من رجال الدين والعلماء قد شرعوا في استقبال المصلين والزوار منذ صباح أمس بساحة مسجد العارف بالله مقدمين شرحًا موجزًا عن سيرته ودوره في نشر قيم المحبة والتسامح بين الناس، ما أسهم في ترسيخ قيم التعايش والتآلف في نفوس الحضور.
حلقات الذكر: نبض الروح والتجديد
وأشار الحجاجي، إلى أن حلقات الذكر تعد من أبرز معالم الاحتفالات، حيث اجتمع الزوار في جلسات مختلفة في مسجد العارف بالله أعلى منتصف معبد الأقصر تحمل عبق التاريخ والتصوف الإسلامي بدأت بأداء الأذكار والأدعية بصوت موحد، ما خلق جوًا من السكينة والطمأنينة.
وتابع: "وقد استحضر المقررون خاصة القائمين من العائلة الحجاجية روحانية المناسبة عبر تلاوة القرآن الكريم وذكر الأسماء الحسنى، متضمنين في كلماتهم معاني الإخلاص والتفاني في سبيل الله، كما شهدت هذه الحلقات حضور عدد من الشيوخ والمجاهدين في سبيل الحق الذين أضاءوا دروب الحضور بخطبهم التي تناولت معاني الحب الإلهي والوفاء للرسول، كما تُعد حلقات الذكر مناسبة لتجديد الروح والرجوع إلى قيمنا الأصيلة في محبة الله ورسوله".
جلسات التحطيب: عبق التقاليد وأصالة الطقوس
ولفت أبو الحسن حجاجي، أحد القائمين على تنظيم حلقات التحطيب والمرماح في الاحتفالات، إلى أنه من الجوانب التي أضفت على الاحتفالات رونقها الخاص حلقات التحطيب، وهي من الطقوس الروحية التي ترسخ التراث الشعبي في الأقصر، حيث إن التحطيب يعود إلى تقاليد قديمة تُمارس في المناسبات الدينية والاحتفالية.
واستطرد حجاجي، لـ"الشروق" أن حلقات التحطيب ليست مجرد عادة بل هي تجربة روحية تُعيد إلى الأذهان عبق التراث وعراقة التاريخ، بجانب عروض المرماح التي أعطت لونًا مميزًا لختام الاحتفالات والتي تمثل أحد أشكال التعبير الشعبي والتراثي في الأقصر.
وأردف أنه على الرغم من أن هذا النوع من العروض قد لا يكون شائعًا في كل المناسبات الدينية، إلا أنه أضفى بعدًا فنيًا وثقافيًا يتداخل مع الطابع الديني للمناسبة.
حلقات المديح: صوت الحنين يخاطب الوجدان
مع اقتراب ساعات المساء، تداخلت أصوات الأدعية مع ختام الفعاليات الرسمية، وشهدت ساحة مسجد العارف بالله أبو الحجاج الأقصري تجمعًا جماهيريًا كبيرًا حيث وقف الجميع موحدين في الدعاء والاستغفار، طالبين من الله دوام النعم والبركات لأهالي الأقصر وللمسلمين كافة.
ولم تخلُ فعاليات الاحتفال من حلقات المديح التي أشعلت القلوب بذكر المآثر النبوية والتاريخية لأبو الحجاج الأقصري. وتنوعت الأساليب بين الطرب الشعري والأناشيد الدينية التي أدّاها منشدون محليون يحملون على عاتقهم مهمة إبراز جمال التراث اللفظي والموسيقي.
وكان للمديح وقع خاص في النفوس، حيث تمازجت الكلمات مع الألحان لتخاطب الوجدان، وخاصة في منطقة المنشية بوسط المدينة والتي شهدت إحياء الشيخ ياسين التهامي أحد لياليها وسط جمع غفير من المحتفلين.
وأكدت منى عبده، أحد القائمين على تنظيم غرف إطعام "كباب المولد" للمحتفلين بمنطقة العوامية لـ"الشروق"، أن ختام الاحتفالات لم يكن مجرد نهاية لحدث واحد، بل هو استثمار في الذاكرة الثقافية والروحية لأهالي الأقصر، الذين رأوا في هذه المناسبات فرصة للتواصل مع تراثهم والإعراب عن انتمائهم العميق له.
وأضافت عبده، أن تعاون أهالي الأقصر جميعا في احتفالات مولد العارف بالله أبو الحجاج بأشكال مختلفة تعد رسالة واضحة بأن تراث البلد لا يموت بل يستمر في التجدد والاحتفاء بكل ما هو أصيل وموروث عبر الأجيال.