محلل سياسي: ترامب يتحدى النظام العالمي - بوابة الشروق
الخميس 13 فبراير 2025 3:36 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

محلل سياسي: ترامب يتحدى النظام العالمي

واشنطن - د ب أ
نشر في: الخميس 13 فبراير 2025 - 11:50 ص | آخر تحديث: الخميس 13 فبراير 2025 - 11:50 ص

رغم أنه لم يكمل شهره الأول من ولايته الثانية، وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه في مواجهة أغلب دول العالم تقريبا سواء كانت دولة معادية أو صديقة أو حتى حليفة، حتى بات الكثيرون يتحدثون عن تحدي الرئيس الأمريكي للنظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال المحلل السياسي أحمد الشرعي ناشر مجلة جيروزاليم ستراتيجيك تربيون وعضو مجلس مديري المجلس الأطلسي ومعهد أبحاث السياسة الخارجية، إن ترامب يتجاوز بشكل جذري العقائد التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية، المعروفة منذ فترة طويلة باسم "إجماع ما بعد الحرب". ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، انعكست أفكار حفنة من مدارس الدراسات العليا فيما تعرف بجامعات رابطة اللبلاب (آيفي ليج) الأمريكية المرموقة، ثم ترسخت من خلال المؤسسات الوطنية والدولية (التي تمولها الولايات المتحدة). ورغم أنه ظل في مقدور الساسة الأمريكين التركيز على واحدة من هذه الأفكار أو أخرى، باعتبارها حلولا سحرية، فإنهم لا يشككون أبدا في "الإجماع" نفسه أو المؤسسات ذات الصلة به حتى أصبح هذا "الإجماع" ترنيمة لصناع القرار الأمريكيين.

والواقع هو أن ترامب في ولايته الجديدة وبعد نجاح انتخابي مدو وقصة عودة سياسية لا تنسى، يستطيع التشكيك في الإجماع والمؤسسات، ويقول إن نتيجة الانتخابات تفرض على الجميع السؤال عما إذان كان المواطن الأمريكي يريد المزيد من نفس السياسات التقليدية؟

ويقول أنصار ترامب إن انقلابه على هذه السياسات التقليدية تعبير عن "الفطرة السليمة" في حين يسميه خصومه بـ "الفوضى".

ويقول الشرعي عضو مجلس مديري المجلس الاستشاري الدولي للمعهد الأمريكي للسلام إن اختزال ترامب في اعتباره ساعيا إلى الانتقام هو خطأ تحليلي. ذلك أن مجرد السعي إلى الانتقام الشخصي لن يجذب ملايين الأصوات. بل إن جاذبية ترامب تستند إلى عقيدة سياسية كانت مهيمنة في الحياة الأمريكية ذات يوم: وهي أن قادة الولايات المتحدة بحاجة إلى اتباع المثل العليا اللائقة والعميقة لشعبهم.

وهذه الفكرة غير حزبية في واقع الأمر، وربما كانت محل اتفاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في يوم من الأيام. وقد قادت فكرة أن القادة بحاجة إلى اتباع الشعب، السياسة الخارجية التي انتهجها روزفلت وترومان في محاربة الشيوعية وبناء "إجماع ما بعد الحرب" للمؤسسات التي كان من المفترض أن تضمن التجارة الحرة والسلام العالمي. وكانت هذه الأفكار، ولا تزال، تحظى بشعبية واسعة النطاق في الولايات المتحدة، كما أنها مازالت الطريقة التي تحب الولايات المتحدة أن ترى نفسها بها.

كما أن هناك شعورا واسع النطاق، يستغله ترامب، بأن المؤسسات التقليدية لم تعد تعمل على تعزيز الرخاء الأمريكي والعالمي، ولم تعد قادرة على وقف انتشار الأيديولوجيات المتطرفة التي تؤدي إلى الفقر واللجوء والفظائع. وبدلاً من ذلك، يقول ترامب إن المؤسسات متحيزة ضد العمال الأمريكيين وقادتها يرضخون بسهولة للطغاة والإرهابيين في العالم.

ويجب الاعتراف بأن "تطرف" ترامب قد أنهى الشلل الذي أصاب الدبلوماسيين والمسؤولين الأمريكيين لعقود من الزمن تجاه بعض القضايا. فبينما ظل آخرون محصورين داخل اللغة الجامدة والتنازلات العقيمة، فرض ترامب براجماتية وحشية، مما أجبر التروس المؤسسية على الدوران. و أولئك الذين يصفونه بالسذاجة أو القابلية التلاعب يرتكبون خطأ فادحا في الحكم ويقللون من شأن غرائز ترامب السياسية الهائلة، بحسب أحمد الشرعي.

وبعيدا عن كونه محرضا متهورا، فإنه يعزز حضوره باعتباره المخطط الاستراتيجي الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، والذي تجعله قدرته على جذب الرأي العام وقلب القواعد التقليدية حيوانا سياسيا فريدا من نوعه.

والحقيقة أن أسلوبه، الذي يُنظَر إليه غالبا باعتباره فوضويا، هو سلاح تكتيكي: فمن خلال زيادة الفوضى الظاهرة، يفاجئ خصومه، ويجبرهم على الرد على عجل، في حين يفرض إرادته بشكل منهجي. هذه هي خصوصية ظاهرة ترامب: رجل يعيد كتابة قواعد اللعبة بتحدي التوقعات. وبالنسبة لشريحة كبيرة من الأمريكيين، فإن ترامب هو المنقذ الإلهي، الذي سيعيد الولايات المتحدة إلى عصرها الذهبي المفقود، وهو الوعد الذي لا يكف عن التأكيد عليه.

في الوقت نفسه يدرك ترامب أن الوقت ضده، وأن الأشهر الأولى من ولايته حاسمة: إذ يتعين عليه أن يحقق نجاحات لا لبس فيها، لآن فشله في تحقيق ما وعد به، سيؤدي إلى تحويل السيطرة على الكونجرس إلى معارضيه في انتخابات التجديد النصفي المقررة عام 2026، وهو ما من شأنه عرقلة أجندته التشريعية. وحتى الآن، ظل ترامب وفيا لنفسه. فهو يدافع بجرأة لا توصف عما يعتبره أفضل مصالح بلاده، وينتهك دون تردد قواعد الصوابية السياسية التي تحكم واشنطن والهيئات الدولية، دون أن يتوقف عند صرخات هذه الدوائر لأنه لا يعتمد على موافقتهم على الحكم، بل على موافقة شريحة واسعة من الأمريكيين العاديين الذين صوتوا له بكل سرور.

لقد غذت ثلاث حالات حديثة الجدل المحيط بترامب بشكل خاص، مما سلط الضوء مرة أخرى على رؤيته غير التقليدية. الحالة الأولى تتعلق بكندا حيث سلط ترامب الضوء على العجز التجاري لصالحها الذي يتجاوز 200 مليار دولار سنويا. ولا ينبغي أن يكون هذا النوع من الملاحظات، رغم حدتها مفاجأة لأحد. حيث يقول لماذا تستمر الولايات المتحدة في دعم مثل هذا الخلل الاقتصادي دون السعي إلى تصحيحه؟ فترامب، بعيدا عن كونه ساذجا في تحليلاته، يندد بنظام يتم فيه التضحية بالمصلحة الوطنية على مذبح الحلول الوسط التجارية.

أما الحالة الثانية فهي حرب أوكرانيا. ويبدو ترامب حاسما في رفض استمرار هذا الصراع إلى ما لا نهاية. فأعداد القتلى والمصابين والمشردين نتيجة الحرب هائلة. كما أن الخسائر في إنتاج الغذاء والأسمدة لعالم يعاني من الجوع، وفي إنتاج المعادن اللازمة للاستخدام الصناعي في جميع أنحاء العالم. كل من هذه الخسائر لا تطاق لأنه، وفقا لترامب، يجب الاستفادة من هؤلاء الناس والمواد لاستعادة رخاء الشعبين الأوكراني والروسي، وليس مواصلة تدميرهما المتبادل بلا معنى. قد يبدو هذا النهج باردا، لأنه ببساطة يفتقر إلى دفء المثل العليا مثل تقرير المصير والحرية الفردية، لكنه يعكس رؤية جيوسياسية براجماتية تسعى إلى تجنب دوامة الصراعات التي لا نهاية لها والتي لا يمكن حلها..

أخيرا يمكن القول إنه بينما يطرح ترامب أسئلة صعبة حول مؤسسات الولايات المتحدة وفعاليتها، حان الوقت لكي يفعل العالم الشيء نفسه، لآن إجابات هذه الأسئلة التي قد تصدم الطبقة السياسية، ستحفز الشعوب على التغيير، وتفتح الطريق إلى عالم جديد وأكثر ازدهاراً.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك