• كان طفلاً مشاغبًا.. ولم يهتم سوى بالبرمجيات.. وألعاب الورق علمته مبكرًا الاهتمام بالمنطق والنظم الديناميكية
صدر فى الرابع من شهر فبراير الجارى عن دار نشر «نوبف» كتاب مذكرات جديد لعملاق التكنولوجيا المبرمج الأمريكى بيل جيتس بعنوان «كود المصدر: بداياتى» تحدث فيه عن أبرز لمحات شبابه قبل أن يصبح بيل جيتس الذى نعرفه الآن الملياردير وعلم من أعلام مجال التكنولوجيا ورجل الدولة الكبير وفاعل الخير حيث أصبح يملك مؤسسة جيتس الخيرية التى تسعى لتعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر ومكافحة الأمراض مثل الملاريا.
واستعرض «جيتس» عبر الجزء الأول من المذكرات، التى يُقال إنها ستصدر فى ثلاثة أجزاء، أول عشرين عامًا من حياته، منذ ولادته عام 1955 وحتى تأسيس شركة مايكروسوفت وإبرامها اتفاقًا مع شركة آبل عام 1977 لتزويدها بنسخة من لغة البرمجة «بيسك».
ونعرف من خلال صفحات الكتاب أن «جيتس» نشأ فى ضاحية هادئة بمدينة سياتل، حيث كان والده محاميًا ووالدته معلمة، وكشف عن أن اهتمامه المبكر بالمنطق والنظم يعود إلى مشهد عائلى محورى فى طفولته؛ حين كان يشاهد جدته وهى تلعب الورق ببراعة حول مائدة الطعام حيث أدرك فى سن الثامنة أن ألعاب الورق مثل «جين رومى» و«سيفنز» ليست مجرد ترفيه، بل أنظمة ديناميكية من البيانات يمكن للاعب أن يتعلم التحكم بها.
ولم يكن «جيتس» تلميذًا نموذجيًا كما هو مُتوقع، بل كان مشاغبًا وساخرًا، وكان يهوى إظهار ذكائه الحاد لكنه لا يبذل جهدًا كبيرًا فى الدراسة، ثم جاءت نقطة التحول عندما تعرّف على أول حاسوب فى حياته، بفضل أستاذ الرياضيات بيل دوجال.
ولم تكن أجهزة الكمبيوتر متاحة فى عام 1968 كما نعرفها اليوم؛ لذا كان الحاسوب الذى استخدمه «جيتس» فى المدرسة مجرد محطة طرفية متصلة بحاسوب مركزى بعيد، وسرعان ما علّم نفسه كيفية برمجته، وكان أول إنجازاته أن جعله يلعب «إكس أو».
ومن هنا بدأ شغفه الحقيقى بعالم البرمجة، والتقى حينها بزميله بول ألين، الذى أصبح شريكه لاحقًا، ولم يكن اهتمامهما يقتصر على البرمجة فحسب، بل امتد إلى قراءة أدلة البرمجيات حتى ساعات متأخرة من الليل.
وكانت لدى «جيتس» رؤية لتطوير ألعاب الكمبيوتر فى البداية ولكن أولى تجاربه الفعلية فى البرمجة جاءت عندما كُلف مع أصدقائه بإنشاء نظام جدولة الحصص الدراسية بعد اندماج مدرستهم مع أخرى، وقد نجح المشروع نجاحًا ساحقًا، وأسسوا معًا «مجموعة برمجة ليكسايد»، التى توسعت لاحقًا لتطوير برامج الرواتب للشركات المحلية، ثم تصميم برمجيات لمهندسى المرور.
وكانت المحطة التالية فى حياة «جيتس» هى جامعة هارفارد، حيث وجد نفسه وسط موجة من الاحتجاجات الطلابية ضد الحرب، لكن اهتمامه كان منصبًا على شىء آخر تمامًا؛ ألا وهو وصول حاسوب PDP-10 إلى الجامعة عام 1969.
وقد درس «جيتس» الرياضيات والكيمياء والأدب اليونانى القديم، لكنه أدرك لاحقًا أن مستقبله ليس فى الرياضيات البحتة، بل فى الحواسيب. وعندما أُعلن عن الحاسوب المنزلى «ألتير»، قرر مع بول ألين كتابة لغة البرمجة «بيسك» له، وأطلقا على مشروعهما اسم «مايكرو-سوفت».
ووصف «جيتس» عبر صفحات الكتاب كيف كانت ثقافة الحوسبة فى بداياتها مرتبطة بالحركة المضادة وثقافة الهيبى السائدة آنذاك؛ حيث كان يُنظر إلى أجهزة الكمبيوتر الرخيصة على أنها وسيلة لتحرير الأفراد من سيطرة الشركات الكبرى. ولهذا، كانت البرمجيات تُوزع بين المستخدمين بالمجان، أو يتم نسخها دون قيود.
ولكن «جيتس» كان من أوائل من تصدوا لهذه الفكرة، خاصة عندما اكتشف أن معظم مستخدمى «بيسك» لم يدفعوا ثمنها، وقد كتب عن ذلك منددًا فى رسالة مفتوحة عام 1976: «سرقة البرمجيات تعوق سبل تطوير التكنولوجيا الجيدة؛ من مننا يستطيع أن ينجز عملًا احترافيًا دون مقابل؟»، وأثار هذا التصريح غضب الكثيرين آنذاك، ولا يزال يُثير الجدل فى أوساط أنصار البرمجيات مفتوحة المصدر، ولكنه كان محقًا من وجهة نظر تجارية.
أما من ينتظرون الحديث عن «وورد» و«إكسل»، أو المنافسة الشرسة بين «جيتس» وستيف جوبز، فسيتعين عليهم انتظار الأجزاء القادمة من مذكراته، نقلًا عن صحيفة الجارديان البريطانية.
وقال إنه لو كان طفلًا اليوم، لربما تم تصنيفه بداء طيف التوحد، معبرًا عن ندمه على بعض سلوكياته فى الماضى وعلى رأسها عدم اهتمامه بالدراسة وكونه كان طفلا مشاغبًا أو فظًا مع البعض أو متعجرفًا، ولكنه أعزى ذلك لاعتقاده بإصابته بالتوحد الذى لم يكن مطروحًا على قائمة التشخيص فى ذلك العصر، ولكنه أضاف: «ومع ذلك، لن أستبدل عقلى بأى شىء آخر».