احتفلت محافظة قنا، مساء أمس الخميس، بالليلة الختامية لمولد القطب الصوفي سيدي عبد الرحيم القناوي، في أجواء مفعمة بالروحانية والابتهالات، والتواشيح الدينية، ومهرجانات التحطيب، وسط حضور حاشد من محبي ومريدي الطرق الصوفية من مختلف محافظات مصر.
وتوافدت الجموع إلى ساحة المسجد العريق، الذي يعد منارة روحية وتاريخية ودينية في صعيد مصر، إحياءً لذكرى الإمام الجليل، الذي ترك أثرًا واضحًا في الحياة الدينية والاجتماعية بالمحافظة.
وشهد الاحتفال مشاركة واسعة من الطرق الصوفية المختلفة، التي تبارت في تقديم حلقات الذكر والأناشيد الدينية، بالإضافة إلى مهرجانات التحطيب ومرماح الخيل. وترددت في الأرجاء أصوات المدائح النبوية، التي تعكس التمسك بالقيم الإسلامية السمحة.
وحرصت ساحة الإمام علي الشريف، أبرز الساحات داخل مسجد القطب الصوفي، على استقبال الآلاف من المحبين والمريدين، وتقديم المأكولات والمشروبات لكافة الزائرين، طوال العام وفي أيام الاحتفالات أيضًا.
وفي تصريح خاص، قال الحاج صلاح البزيدي، القائم على ساحة الإمام علي الشريف لـ"الشروق": "إن الاحتفال بمولد سيدي عبد الرحيم القناوي هو مناسبة لترسيخ قيم المحبة والتسامح، وتعزيز الروابط الروحية بين أبناء الوطن".
وأضاف البزيدي أن المولد يمثل فرصة لتذكير الأجيال الجديدة بسيرة هذا العالم الجليل، الذي كان نموذجًا في الزهد والعلم والتقوى، ولذلك تحرص ساحة الإمام علي الشريف على استقبال ضيوف القطب الصوفي طوال العام، وأيضًا في فترة الاحتفالات التي تبدأ في الأول من شعبان وتنتهي بالليلة الختامية في منتصف الشهر.
وتابع: "مولد سيدي عبد الرحيم ليس مجرد احتفال، بل هو موروث ثقافي وديني يعكس هوية المكان، ويجسد تلك الروح الصعيدية الأصيلة التي تجمع بين الإيمان والكرم والعطاء".
ولم يقتصر الحضور على مريدي الطرق الصوفية فقط، بل توافد أيضًا مواطنون من مختلف الأطياف ومن كل حدب وصوب، ليشهدوا هذه المناسبة التراثية التي باتت جزءًا من الهوية الثقافية لمحافظة قنا.
على جانب آخر، شهدت المنطقة المحيطة بمسجد سيدي عبد الرحيم القناوي انتشار الباعة الجائلين، الذين قدموا الحلوى التقليدية والألعاب الشعبية التي ترمز إلى بهجة المناسبة، بينما ازدحمت الساحات بوجوه تعلوها الفرحة والتقرب إلى الله.
وشهدت الاحتفالات أيضًا تقديم فقرات دينية متنوعة، حيث ألقى عدد من العلماء والأئمة كلمات تناولت سيرة الإمام القناوي، مؤكدين على دوره في نشر العلم والفقه في صعيد مصر، وضرورة التمسك بتعاليم الإسلام المعتدلة التي نادى بها، وكذلك فضل شهر شعبان.
وفي ساحات الاحتفال، تمتزج الألحان الصوفية بدقات الطبول، وتزينت الأماكن بالأنوار، بينما يتسابق أهل الكرم لإكرام الضيوف بالطعام والشراب، بالإضافة إلى مهرجانات التحطيب، ولعبة العصا، ومرماح الخيول، التي تعد من طقوس الاحتفالات بالمولد، وتجسد معاني المحبة والتآخي.
وفي رحاب المسجد العامر، تقام حلقات الذكر والدروس الدينية، التي تذكر بسيرة القطب الصوفي، الذي قدم إلى قنا، فكان علمًا من أعلام التصوف والعلم والزهد، ومقصدًا للمريدين.
الإمام القناوي.. رمز التصوف في صعيد مصر
تعد الليلة الختامية لمولد سيدي عبد الرحيم القناوي إحدى أبرز المناسبات الدينية في جنوب الصعيد، والتي تحظى باهتمام شعبي كبير، حيث تتحول ساحة المسجد إلى ملتقى روحي يجمع كافة الأطياف.
وُلد الشيخ عبد الرحيم بن أحمد بن حجون في بلدة ترغاي بالمغرب، في القرن السادس الهجري، ونشأ في بيئة متدينة، حيث تربى في كنف أسرة عرفت بالصلاح والتقوى، فتعلم القرآن الكريم وحفظه في سن مبكرة.
دفعه شغفه بالعلم إلى التنقل، حتى استقر في مدينة قنا في صعيد مصر، وحين وصل إليها، وجدها بحاجة إلى نهضة دينية وعلمية، فأنشأ مدرسة علمية داخل مسجده، لتدريس العلوم الشرعية، واللغة العربية، والتصوف.
وأصبح قطبًا صوفيًا ذو تأثير واسع، إذ اجتمع حوله طلاب العلم من مختلف المناطق، واشتهر بزهده وورعه وحرصه على خدمة الناس. ويتم الاحتفال بمولده كل عام في الأول من شعبان، وينتهي بالليلة الختامية في منتصف الشهر ذاته.