وقال داي: "لا ينبغي اعتباره مجنونا أو مهرجا. لقد أثار إعجاب حتى مراسل نيويورك تايمز بوصفه ذكيا ومثقفا وماهرا. إنه محط إعجاب أينما ذهب".
وقت التوتر
ولكن تحت المظهر اللطيف الذي اتسمت به الجولة، لم يكن الوضع أكثر توتراً من هذا الحد.
وكان القانون قد وضع حكومة كاسترو في خلاف مع واشنطن، وتم تنظيم الرحلة الصحفية كجزء من حملة لمحاولة عكس الوضع المتدهور بسرعة بين البلدين.
وكان لصعود كاسترو المفاجئ إلى السلطة تداعيات عميقة على المستوى الدولي، بالنسبة لهذه الجزيرة الكاريبية الصغيرة. وكانت حكومة الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، تعارض بشدة التجربة الاشتراكية الناشئة في كوبا. كانت دكتاتورية باتيستا العسكرية، على الرغم من كونها فاسدة وقمعية ولا تحظى بشعبية كبيرة لدى الكوبيين، مؤيدة للولايات المتحدة بشكل واضح، وكان يُنظر إلى النظام على أنه حليف للشركات الأمريكية التي تمتلك جزءاً كبيراً من الصناعة في البلاد.
وقال الدبلوماسي والباحث الكوبي "كارلوس ألزوغاراي" لبرنامج "شاهد التاريخ" علي بي بي سي في عام 2016: "كان باتيستا يعتبر أفضل رجل لأمريكا في كوبا، والذي قام بالفعل بإنفاذ القانون لصالح الشركات الأمريكية".
"على سبيل المثال، كان هو وحكومته يتلقون 2000 دولار شهريا من المافيا، للسماح لهم بالقيام بكل ما يريدون القيام به في كوبا، فيما يتعلق بالكازينوهات والدعارة".
وعندما تولت الحكومة الثورية الجديدة السلطة، قامت بتأميم هذه الشركات الأمريكية دون تعويض، مما أدى إلى إزالة قبضتها الخانقة على الاقتصاد. وردا على ذلك، فرضت الولايات المتحدة في عام 1960 حظرا تجاريا ــ وهو الحظر الذي لا يزال ساريا حتى اليوم ــ على أمل أن يؤدي العجز الاقتصادي والجوع إلى زعزعة استقرار النظام الجديد.
- "من التاريخ" عبارة عن سلسلة تستخدم أرشيف الصوت والفيديو الفريد الخاص بهيئة الإذاعة البريطانية، لاستكشاف الأحداث التاريخية التي لا يزال يتردد صداها حتى اليوم.
ولكن مع قيام الولايات المتحدة بإغلاق تجارتها مع كوبا، عوضت حكومة كاسترو ذلك بالتحول إلى شريك تجاري جديد، متمثلا في القوة العظمى المنافسة للولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتي. ثم في بداية عام 1961، قبل ستة أشهر من المقابلة التي أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية مع كاسترو، قطعت الولايات المتحدة جميع علاقاتها الدبلوماسية مع هافانا.
وعندما فشلت هذه الإجراءات في الإطاحة بالحكومة الاشتراكية الجديدة، وضعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية موضع التنفيذ خطة كانت تعمل عليها منذ أوائل عام 1960.
وبموافقة الرئيس الأمريكي آنذاك، أيزنهاور، قامت وكالة المخابرات المركزية سرا بتدريب وتمويل حوالي 1400 كوبي، كانوا قد فروا من منازلهم عندما استولى كاسترو على السلطة. لقد خططوا لإنزال قوة الغزو هذه في خليج الخنازير، على بعد 161 كم جنوب شرقي هافانا، معتقدين أن ذلك سيشعل انتفاضة شعبية ضد كاسترو. وقد أعطى الرئيس الأمريكي الجديد "جون إف كينيدي" الضوء الأخضر للخطة بحذر.
ثبت أن هذا كان خطأ فادحا في التقدير، وكان الهجوم فشلا ذريعا، واستسلم الغزاة بعد أقل من 72 ساعة، وتم أسر أكثر من 1000 منهم.
وبعد ما يزيد قليلاً عن شهرين، كان كاسترو جالساً يتحدث إلى مجموعة من الصحفيين، كان من بينهم أمريكيون، مدركاً بوضوح أن حكومتهم كانت تحاول بنشاط الإطاحة به.
ولم يكن الأمر سهلا بالنسبة لهؤلاء الصحفيين الأمريكيين، إذ كان كاسترو قد أخضعهم لمؤتمر صحفي في منتصف الليل استمر حتى الساعة 3:15 صباحا، قبل أن يبدأ الجولة في الساعة 6 صباحا. وتضمنت الجولة عمدا مشاهد الهجوم الكارثي في خليج الخنازير - بما في ذلك حطام طائرة B26 التي أسقطتها الولايات المتحدة للغزاة، والمنزل المدمر الذي دمرته قنبلة من القوة المهاجمة، والذي تعهد كاسترو بالحفاظ عليه كما هو كنصب تذكاري.
لكن كاسترو كان حريصا في المقابلة على تهدئة الوضع المضطرب بشكل متزايد مع الولايات المتحدة، وإقامة علاقات أكثر طبيعية. وعندما سئل عما إذا كان محايدا في الحرب الباردة أو إذا كان متحالفا مع القوى الشيوعية، أجاب: "لماذا تفكر في الحرب؟ أعتقد أن أفضل شيء للسلام هو التفكير في السلام. أنا مع السلام".
وعندما سأله "داي" عن الموعد الذي ستجري فيه كوبا انتخابات ديمقراطية، رد قائلا: "لقد سألنا الشعب ويقول الناس إننا لا نريد السياسة الآن لأننا نعمل".
وكان قد صرح سابقا لبي بي سي نيوز، في مقابلة أجريت معه في يناير 1959، أنه يعتقد أن الانتخابات ستجرى "في غضون 18 شهرا، على وشك إجراء انتخابات حرة – خلال أقل من عام واحد".
والآن أعاد صياغة مفهوم الديمقراطية بعيدا عن مجرد حق التصويت في الانتخابات الحكومية، وأقرب إلى العمال الذين يتمتعون بالسيطرة الفعلية على حياتهم اليومية وعملهم.
"خلال الستينيات، أصبح كاسترو قمعيا بشكل متزايد وغير متسامح مع أي انتقادات ملموسة"
وقال كاسترو: "هل تعتقد أنه لا توجد ديمقراطية هنا؟ أؤكد لك أن هنا ديمقراطية أكثر مما هي عليه في الولايات المتحدة". "لأنه هنا، من كان عاملا، ومن كان فلاحا، كان يُحارَب من سلطة أصحاب الأراضي. والآن هم ينظمون عملهم، وينظمون تعاونياتهم. إن الرجل الأكثر حرية الذي يمكن أن تجده في كلا الأمريكتين هو الرجل الكوبي".
ولكن على الرغم من وعود كاسترو، فإن إجراء انتخابات حرة ونزيهة لم يتحقق أبداً في كوبا.
في ذلك الوقت، كان كاسترو قد فرض بالفعل نظام الحزب الواحد، وأرسل مئات الأشخاص إلى السجن كسجناء سياسيين. خلال الستينيات، أصبح قمعيا وغير متسامح بشكل متزايد مع أي انتقادات ملموسة، مع القضاء على الصحافة الحرة، ومع إرسال الآلاف من المثليين جنسياً والمعارضين وغيرهم ممن يعتبرون "غير مرغوب فيهم" إلى معسكرات العمل القسري.
إن التقدم الذي أحرزه كاسترو في توفير التعليم المجاني والرعاية الصحية لجميع الكوبيين، قد تم تقليصه في نفس الوقت من خلال القمع المنهجي لحرياتهم الأساسية.
وقالت إريكا غيفارا روساس، مديرة منطقة الأمريكتين في منظمة العفو الدولية، عقب وفاة كاسترو في عام 2016: "لقد تحسنت القدرة على الوصول إلى الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم للكوبيين بشكل كبير بفضل الثورة الكوبية، ولهذا السبب، يجب الإشادة بقيادته. ومع ذلك، على الرغم من هذه الإنجازات في مجالات السياسة الاجتماعية، اتسم عهد فيدل كاسترو الذي دام 49 عاما بالقمع الوحشي لحرية التعبير".
في نهاية المطاف، لن تفعل الرحلة الصحفية الكثير لتغيير المسار الذي يبدو أن البلدين يسيران فيه.
بعد فشل عملية خليج الخنازير، بعد خمسة أشهر من مقابلة بي بي سي، وافق الرئيس كينيدي على "العملية مانغوس"، وهي حملة سرية نفذ فيها عملاء وكالة المخابرات المركزية والمنفيون الكوبيون سلسلة من أعمال التخريب، استهدفت الصناعة والأراضي الزراعية في الجزيرة بالإضافة إلى محاولات اغتيال كاسترو وبعض المسؤولين الحكوميين.
وقد أقنع هذا الزعيم الكوبي بأنه في حاجة إلى الدعم السوفييتي، ومع اعتقاده بأن الولايات المتحدة ستحاول غزو بلاده مرة أخرى، وافق على السماح للاتحاد السوفييتي بنشر صواريخ نووية في الجزيرة - على بعد 145 كيلومتراً فقط من فلوريدا.
ومن شأن هذا القرار أن يؤدي إلى مواجهة بشأن كوبا بين القوتين العظميين، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وقد وصف مراسل بي بي سي السابق في موسكو "ألان ليتل" ذلك الوضع في عام 2002 قائلا: "في غضون أيام، جعل العالم أقرب إلى حرب نووية عن أي وقت قبله أو بعده".