تمر الذكرى المئوية لوفاة الفنان سيد درويش، بمنتصف شهر سبتمبر الجاري؛ إذ صعدت روح فنان الشعب ونغمة ثورته ونضاله إلى بارئها منذ 100 عام، بينما كان يضع لمساته الأخيرة على لحن أعده لاستقبال الزعيم -العائد من منفاه- سعد زغلول، وكانت وفاته صادمة وغير متوقعة؛ حيث توفي عن عمر لم يجاوز 31 عاماً.
وتعد ثورة 1919 من أهم الأحداث المصرية التي أثرت في مجال الأغنية الوطنية والحماسية، وقد عبرت الأغنية فيها عن الهوية المصرية عندما جسد سيد درويش، بألحانه وصوته مطالب الثورة بأغنيات مثل "بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي"، وأغنيتي "قوم يا مصري مصر دايما بتناديك" و"أنا المصري كريم العنصرين، بنيت المجد بين الإهرامين"، أغنيات داعب بها مشاعر المصريين لمواجهة الاحتلال، وفقا لما نشرت هيئة الإذاعة البريطانية.
يعتبر عام 1919 أكثر السنوات إنتاجا فى تاريخ درويش الفني، وفقا لكثير من المؤرخين والنقاد، إذ قدم في هذا العام 75 لحنا، وهذا يدل على أنه كان متفاعلا مع مجريات الأحداث السياسية في البلاد بأعماله الفنية.
وفي سياق تفاعله مع الحالة والنبض المجتمعي، ذهبت دراسة للباحث مصطفى سعيد، نشرها موقع مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية (آمار)، بأن دور "ضيّعت مستقبل حياتي" أحد أشهر أدوار سيد درويش، قد جاء تعبيراً عن حالة مجتمعية بسيادة جو من الإحباط بعد تنازع بين الأحزاب والقوى السياسية، وتأخر حلم مصر في نيل كامل استقلالها.
•هل خذله حزب الوفد؟
وتنقل الدراسة عن الكاتب وشريك مشوار سيد درويش بديع خيري، أنّ الشيخ سيّد بعد لجنة "ملنر التي أتت للتفاوض بشأن الاستقلال إلى القاهرة سنة 1921 أحبط تماماً من الطبقة السياسيّة حتّى من الوفد الذي دعمه بنغمه وعرَّض نفسه لمشاكل مع سلطة الاحتلال والقصر معاً، فلحّن الكثير من الأعمال دلالةً على هذا الإحباط منها أدواره الثلاثة.
• خيبة الأمل
وقالت الدراسة، الشيخ سيّد كان يذكر في تسجيلاته تلميحاً وتصريحاً أسماء زعماء الحركة الوطنيّة والوفد، خصوصاً سعد زغلول، فلماذا امتنع عن هذا الذكر في أعماله الأخيرة، وعاد ثانيةً إلى الترميز كما كان يفعل في ألحانه السابقة مثل دور “عواطفك دي أشهر من نار” الذي إذا جُمِعت أوّل حروف كلّ شطرٍ منه كوّن “عبّاس حلمي خديوي مصر” رفضاً للحماية البريطانيّة؟
وتساءلت الدراسة، ألا يمكن أن يكون هذا الدور تحسّراً على مآل الحركة الوطنيّة؟ وأنّ الزعماء استغنوا عن المطالبة بالاستقلال وباعوا شعوبهم فخاب أمل الشعوب في حسن ظنّهم بهذه الطبقة “خيّبت ظنّي” فأصبح كلّ منهم تحويل الحماية إلى انتدابٍ ترسيخاً لحكم هذه الطبقة؟
هل اختيار مقام "الكارجهار"المركّب في البلاط العثمانيّ بمثابة إعلان ارتباط سائر شعوب الأمّة ورفض الخريطة السياسيّة للمنطقة المقسّمة من القوى الاستعماريّة؟
• نكسة يونيو.. استدعاء نغمة الحزن!
ونقل كاتب الدراسة عن أحد المقربين من الملحن رياض السنباطي، بأنه كان في صحبته وشهد في أحد المرات أن السنباطي قد غنّى هذا الدور؛ حيث طلبه أحد الحضور قائلاً: بمناسبة النكسة غنّي لنا وحياة ولادك يا أستاذ رياض دور "ضيّعت مستقبل حياتي” بتاع الشيخ سيّد، شكله كان حاسس بينا النهار ده"..
تابع القراءة في ملف الشروق عن سيد درويش 100 عام من الإلهام