أحمد زكارنة يكتب: صراع الإرادات بين التَّصفية والتَسوية - بوابة الشروق
السبت 15 فبراير 2025 7:49 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أحمد زكارنة يكتب: صراع الإرادات بين التَّصفية والتَسوية


نشر في: السبت 15 فبراير 2025 - 10:50 ص | آخر تحديث: السبت 15 فبراير 2025 - 4:40 م

ثَمَّة مرويَّات عديدة تؤكِّد على أنَّ الحكيم من يعي أنَّ تحقيق الحريَّة بحاجة لاستخدام العقل قبل اليد، حيث إنَّ المعارك الكبرى لا تُحسم بما وصلت إليه الآلة العسكريَّة، ولكن بما يمكن أن تحقِّقه المقاربات السياسيَّة.

من هنا يمكننا قراءة ما يدور من صراع محتدم بين محاولات الصهيونيَّة العالميَّة تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة، ومواقف المجموعة العربيَّة الدَّاعية للحيلولة دون هذه التَّصفية، بل وللرَّد على كل هذه المحاولات ليس لجهة الانتصار للقضيَّة الفلسطينيَّة وحسب، ولكن لجهة الحفاظ على بُناها الاجتماعيَّة، وأمنها القوميِّ الاستراتيجيِّ.

وكي تتحقَّق مثل هذه التَّطلُّعات في ظلِّ وجود زعيم مختلف بالمعايير المتعارف عليها، للدُّول العظمى، كما هو حال الرَّئيس الأمريكيِّ ترامب، على المجموعة العربيَّة أن تجتهد لمحاولة تغيِّر البيئة السياسيَّة المتفاعلة مع ملفِّ الصراع في الشَّرق الأوسط، وهو هدف من الصُّعوبة الوصول إليه دون تفعيل ما تمتلك دول الإقليم من أوراق ضغط يمكن توظيفها لتحقيق الهدف المرجوِّ، تحت شرط التَّشخيص الجيِّد لحاجة ترامب، وما يراهن عليه نتنياهو، بالإضافة لماهيّة الأوراق المطلوب وضعها على الطَّاولة لعزل الخيارات المطروحة.

غير أنَّ أمر تغيِّر البيئة السياسيَّة، ليس بالأمر الممكن والمتاح من دون تبلور رؤى يُمكنها أن تحقِّق ولو الحدَّ الأدنى من تقاطعات مصالح الأطراف الدوليَّة، مع المصالح العربيَّة، فلكلِّ طرف من هذه الأطراف قضاياه الخاصَّة، والتي يرى فيها أيضاً أنَّها قضايا كبرى، كما الطَّرف الصِّينيِّ، والرُّوسيِّ، والأوروبيِّ، على سبيل المثال لا الحصر؛ ولكنَّ الفرصة السانحة هنا، تكمن في سياقين أساسيَّين، الأوَّل يرتبط بتصوُّرات وممارسات ساكن البيت الأبيض مع عديد الأطراف الدوليَّة الأخرى، وتجاوزه كلَّ القوانين والأعراف المعمول بها في الدبلوماسيّة الدوليّة، على أقلِّ تقدير منذ انتهاء الحرب العالميَّة الثَّانية، والإشارة هنا لا تدور حول تصريحاته بشأن كندا، وقناة بنما، وجزيرة غرينلاند وصولاً إلى غزَّة وحسب، ولكنَّها تتخطَّاها إلي ملفِّ تعدِّيه على المؤسَّسات والمنظومات الدوليَّة، القضائيَّة والإنسانيّة على وجه التَّحديد، وملفِّ المهاجرين، ورفع نسب الضَّرائب على المعاملات التِّجاريَّة، والملفِّ الاقتصاديِّ، وغيره ممَّا يؤكِّد أنَّ الرَّجل وفريقه يحاولون تغيير وجه العالم وأسلوب تعاطيه مع قضاياه الدَّاخليَّة والإقليميَّة والدُّوليَّة.

في المقابل، علينا أن نُذكِّر أنفسنا بما نمتلك من أوراق قوَّة قادرة على تغيير المعادلات الدوليَّة في المنطقة وخارجها، خاصَّة وأنَّ عدداً من الدُّول العربيَّة هي القائمة على تأمين خطوط التِّجارة العالميَّة، فبخلاف الأهميَّة الجيوسياسيَّة لمنطقة الشَّرق الأوسط وإطلالها على البحرين الأبيض والأحمر، فهي منطقة مقدَّرات نفطيَّة هائلة لا يُستهان بها، وهي شريكة مُؤسِّسة لعدد لا بأس به من المنظَّمات والتجمُّعات الرَّاسخة والنَّاشئة والنامية، كما منظَّمة الأوبك، والبريكس، ومنظَّمة التِّجارة العالميَّة، وغيرها من التجمُّعات الإقليميَّة والدُّوليَّة، هذا بخلاف أهميَّة معاهدات السَّلام المُبرمة ما بين مصر والأردن من جهة، و"الدَّولة الإسرائيليَّة" من جهة أخرى، حيث المُستفيد الأكبر من هذه المعاهدات كانت وما تزال هي إسرائيل التي حازت على عديد المزايا الكبرى، كما إخراج دولة بحجم وقدرات مصر من دائرة الصِّدام المُسلَّح، وتأمين أيِّ خطر داهم من الحدود الأردنيَّة، فضلاً عن التَّبادلات التِّجاريَّة والنفطيَّة على سبيل المثال لا الحصر، غير أنَّ نسبة الاستثمارات العربيَّة في الولايات المتَّحدة، تُعدُّ بمليارات الدُّولارات وفي العديد من القطاعات والصِّناعات الحيويَّة، التي من أبرزها النَّقل والأنشطة التِّجاريَّة وتكنولوجيا المعلومات والعقارات، والأغذية، والمشروبات، والفضاء، والطَّاقة المُتجدِّدة، وأيُّ توتُّر فيها سيؤثِّر بالضَّرورة على استقرار الدُّولار.

إنَّ عقليَّة، كما عقليَّة ترامب التَّاجر، صاحب شعار "أمريكا أوَّلاً"، لا يجب أن يتمَّ التَّعامل معها إلَّا من نفس مدخلها، ألا وهو مدخل المصالح التي تتعارض مع بعض ما يطرحه الرَّئيس التَّاجر من تصوُّرات مُؤجِّجة للصِّراع في المنطقة، وتتقاطع مع بعضها الآخر المُرتبطة أيضاً بالأطماع الاقتصاديَّة والأمنيَّة الاستراتيجيَّة؛ وهو ما يدعونا لفحص رهانات نتنياهو بعد عام ونيف من التَّوحُّش الذي حوَّل فائض القوَّة إلى عجز أمنيٍّ، ومدى توافق هذه الرِّهانات مع الرُّؤى الأمريكيَّة، وقدرة الفعل العربيِّ على معارضتها وقطع الطَّريق أمام طموحاتها الجامحة، وهو ما يضع المسألة برمَّتها بين قوسي محاولات التَّصفية وممكنات التَّسوية على نحو جدير بنا أن ندركه جيِّداً ويؤكِّد أنَّ الصِّراع، صراعان، صراعُ إرادة، وصراعُ رواية، إن توفَّرت الإرادة، تأسَّست أولى قواعد الرِّواية.

ــــــــــــ

أحمد زكارنة

* كاتب وباحث وإعلامي فلسطيني



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك