في الوقت الذي وجه فيه زعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ودعا إلى إجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة، اعتبرت وسائل إعلام أمريكية أن ما حدث يكشف عن فجوة واسعة بين إسرائيل والولايات المتحدة، في حين أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بخطاب شومر، واصفاً إياه بـ"الخطاب الجيد" الذي أثار مخاوف "لم يتشاركها هو فحسب ولكن العديد من الأمريكيين".
• اتساع الفجوة
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن محللين قولهم إن انتقادات شومر اللاذعة لنتنياهو وحكومته كشفت عن فجوة متسعة بين إسرائيل وأهم حليف لها، الولايات المتحدة، لكن هذه الانتقادات من غير المرجح أن تدفع الحكومة الإسرائيلية إلى رسم مسار جديد.
وذكرت الصحيفة في تقرير لها أمس الجمعة، أن شومر – الديمقراطي من نيويورك وزعيم الأغلبية وأرفع مسئول منتخب يهودي – انتقد مراراً نتنياهو في خطاب بمجلس الشيوخ، يوم الخميس، ووصفه بالعقبة الكبيرة أمام السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وكان شومر، اعتبر أن نتنياهو أحد أربع "عقبات رئيسية" أمام السلام إلى جانب حركة حماس والرئيس الفلسطيني محمود عباس والإسرائيليين اليمينيين المتطرفين.
وفي حين لم يدع شومر صراحة للإطاحة بنتنياهو، لكن قال إنه يجب السماح للإسرائيليين قريباً بفرصة اختيار قيادة جديدة.
ووصف الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، ألون بينكاس، الخطاب باللحظة المهمة التي عكست استياء أمريكي واسع النطاق تجاه إسرائيل بين كل من حلفائها في الكونجرس والمجتمع اليهودي الأمريكي، مضيفاً: "إذا خسرت تشاك شومر، فقد خسرت أمريكا".
وكان زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، من بين قادة إسرائيليين قلائل رحبوا بتعليقات شومر، واصفاً خطابه بـ"دليل على أن نتنياهو يخسر أكبر داعميه في الولايات المتحدة واحداً تلو الآخر".
وقال لابيد، خلال بيان، إن "نتنياهو يتسبب في ضرر بالغ لجهود إسرائيل في الانتصار بالحرب والحفاظ على أمنها".
وذكرت "نيويورك تايمز" أن هذه كانت رؤية الأقلية، موضحة أن الأكثر شيوعاً كان رد فعل عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني جانتس، أحد منتقدي نتنياهو. وقال جانتس في منشور عبر الشبكات الاجتماعية، الخميس، إن شومر "أخطأ في تعليقاته"، مؤكداً أن "أي تدخل خارجي ليس صحيحاً وليس مرحباً به".
وفي حين يعتبر جانتس منافساً قوياً لنتنياهو في الانتخابات المقبلة وكثيراً ما يتفوق عليه في استطلاعات الرأي، قال كبير الباحثين في "منتدى السياسة الإسرائيلية"، مايكل كوبلو، إنه "بالنظر إلى كل ما يحدث في غزة، حتى القادة السياسيين الإسرائيليين الذين يعارضون نتنياهو يترددون في تحويل الأمر إلى لحظة سياسية".
• تأييد خفي للانتقادات
ويوم الجمعة، أشاد بايدن بخطاب شومر الذي انتقد فيه نتنياهو، واصفاً إياه بـ"الخطاب الجيد" الذي أثار مخاوف "لا يتشاركها هو فحسب لكن الكثير من الأمريكيين".
وبالرغم من أن بايدن لم يؤيد أياً من الانتقادات المحددة في الخطاب، أو دعوة شومر لانتخابات مبكرة في إسرائيل، كانت تعليقات الرئيس الأمريكي أحدث خطوة في انتقاداته العلانية المتصاعدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
وقال شومر، في مقابلة إعلامية أمس: ألقيت الخطاب لأنني اعتقدت أن من المهم أن تظهر حتى وإن اختلفت بقوة مع نتنياهو، إنه لا يزال يمكنك أن تكون حليفاً قوياً لإسرائيل".
وبحسب "نيويورك تايمز"، لا يوجد مؤشر على أن البيت الأبيض كان منخرطاً بأي طريقة في التخطيط للخطاب.
وقالت الصحيفة الأمريكية إنه كان يمكن لبايدن أن يطلب من شومر التراجع، حتى لا يهدد قدرة الرئيس في المستقبل على التعامل مع نتنياهو، الذي بالكاد ما يتحدث إليه الآن.
وكان يمكنه القول إنه لا ينبغي على الولايات المتحدة التعبير عن رأيها بشأن السياسة الداخلية لإسرائيل، لكنه لم يفعل أي من ذلك، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".
وقال مشرعون ومساعدون تحدثوا مع بايدن خلال الأسابيع الأخيرة إن غضبه من نتنياهو ينخر الآن في تردده بشأن الإفصاح عن انتقاداته.
• علاقة في أزمة خطيرة
من جهتها، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن علاقة بايدن مع نتنياهو تعيش "أزمة خطيرة"، موضحة أن علاقتهم الممتدة منذ 50 عاماً تقترب من حالة "شقاق مفتوح"، مدفوعة بتضارب الأجندات السياسية وأهداف الحرب في غزة.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أنه في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل الممتد منذ عقود، نادراً ما كانت هناك لحظة أخرى كان فيها رئيس أمريكي أقرب إلى إسرائيل وعلى خلاف مع رئيس وزرائها.
ومنذ بداية حرب غزة قبل خمسة أشهر، وصف بايدن مراراً الرابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل بغير القابل للكسر، لكن علاقته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي تدهورت بشكل مطرد، جراء تضارب الأجندات السياسية وأهداف الحرب.
وتبدو العلاقة الآن، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، أقرب إلى شقاق مفتوح، مشيرة إلى أن العلاقة المتوترة بين بايدن ونتنياهو تؤكد كيف تختلف واشنطن وتل أبيب كلما طالت الحرب في غزة، الأمر الذي يثير تساؤلات غير مريحة بشأن قوة العلاقات الثنائية على المدى الطويل، والتي بدت حصينة في أحد الأوقات.
ونقلت الصحيفة عن إيتامار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة الذي عمل أيضا مستشارا لعدد من رؤساء الوزراء في إسرائيل، قوله إن "هناك أزمة خطيرة للغاية في العلاقة" بين الطرفين.
وفي تطور استثنائي، حذر كبار مسئولي وكالات المخابرات في الولايات المتحدة علنا في شهادة أمام الكونجرس هذا الأسبوع من أن المستقبل السياسي لنتنياهو في خطر شديد.
وكانت آخر مرة تراجعت فيها العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إلى هذا المستوى خلال رئاسة باراك أوباما عندما قال نتنياهو إنه لن يقبل أبدا بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وندد بالاتفاق النووي مع إيران.
من جهته، قال سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، مارتن إنديك، إن العلاقة بين بايدن ونتنياهو كانت "طريقاً أحادي الاتجاه"، حيث يقدم الرئيس الأمريكي دعمه إلى إسرائيل بتكلفة سياسية، فقط لتقابل طلباته بالرفض.