"وليال عشر".. آية أوضح لنا من خلالها الله سبحانه وتعالى، أهمية وفضل الليالي العشر التي تقبل علينا الآن، فهي ليال تمتليء بالبركة والغفران، وآخرها دعاء مستجاب في يوم عرفة، ثم تكلل بفرحة الأضحية، والتي هي رمز لفداء روح سيدنا إسماعيل عليه السلام.. وفيما يلي نستعرض معلومات عن الذبيح، ربما لم تكن تعلمها من قبل.
معنى اسم "إسماعيل" هو سمع الله، بمعنى لبّى الله دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام بأن يكون له ولد، فمنحه "إسماعيل"، أول ذريته، هذا بحسب ما ذكر في كتاب تبصرة العقلاء بقصص الأنبياء، للكاتب هشام الكامل الأزهري.
كانت ولادة سيدنا "إسماعيل" عليه السلام السبب في أن تدب الحياة في مكة إلى يومنا هذا، فعندما وضعته السيدة "هاجر" عليها السلام، نبعت مياه زمزم من تحت قدمه اليمنى، وعندما حدث ذلك، وشرب الطير من المياه، جاءت قبيلة "جرهم" التي نشأ وسطها سيدنا "إسماعيل" بعد ذلك، لأنها علمت أن الطير لا يذهب إلى مكان إلا وبه ماء وزراعة، وبالفعل عندما جاءوا ورأوا مياه زمزم، طلبوا من السيدة "هاجر" أن يعيشوا معها ومع ابنها الصغير، وتحولت مكة في هذا اليوم إلى مكان معمورا بالناس.
سيدنا إسماعيل عليه السلام هو أول من ركب الخيل في التاريخ وأستأنسها، بعد أن كانت متوحشة قبل ذلك، كما أنه أول من تحدث باللغة العربية الفصحى، عندما كان يبلغ من العمر 14 عاما.
كما أنه أول من رمى بالسهم، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يشجع الشباب على الرمي بالسهم بقوله، "إرموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا"، رواه البخاري، فكان سيدنا إسماعيل عليه السلام لا يرمي شيئا إلا وأصابه.
عندما كبر سيدنا إسماعيل عليه السلام وصار يرافق أباه ويمشي معه، رأَى ذات لَيلةٍ سَيِدَنا إبراهيمَ عليه السلامُ في المنامِ أنه يَذبَحُ وَلَدَه إِسماعيلَ، قال تعالى إِخبارًا عن إبراهيم ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (102)﴾ [سورة الصافات].
ورُؤْيا الأنبياءِ وَحْيٌ، فَأَخْبَرَ بِذَلِك وَلَدَه كمَا جاء في القرءان ﴿فَانظُرْ مَاذَا تَرَى (102)﴾ [سورة الصافات]، لم يقصد إِبراهيم أن يشاور ولده في تَنفِيذ أمر الله ولا كان مترددا، إنما أَراد أَنْ يعرف ما في نفسِ ولده، فجاء جواب إسماعِيلَ ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾ [سورة الصافات]، وأما قوله ﴿إِنْ شَاء اللَّهُ﴾ لأنَّه لا حَرَكةَ ولا سُكُونَ إلا بمشيئةِ الله تَكُونُ.
فأَخَذَ إبراهيمُ ابْنَهُ إسماعِيلَ وابْتَعَد به حتى لا تَشْعُرَ الأُمُّ، وأَضْجَعَهُ علَى جَبِيْنِه، قال تعالى ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [سورة الصافات]، فقَال إِسماعيلُ: يا أَبَتِ اشْدُدْ رِبَاطِي حتَى لا أَضْطَرِبَ واكْفُفْ عَنِّي ثَوْبَكَ حتَى لا يَتَلَطَّخَ مِن دَمِي فَتَراهُ أُمِّي فَتَحْزَنَ، وَأَسْرِعْ مَرَّ السِّكِّينِ علَى حَلْقِي لِيَكُونَ أَهْوَنَ لِلْمَوْتِ عَلَيَّ، فإِذا أَتَيْتَ أُمِّي فأَقْرِئ عَلَيْها السَّلامَ مِنِّي.
فأَقْبَلَ عليه إبراهيمُ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي وَيَقُولُ: نِعْمَ العَوْنَ أَنْتَ يا بُنَيَّ علَى أَمْرِ اللهِ، فَأَمَرَّ السِكِّينَ عَلَى حَلْقِه فَلَم تَقْطَعْ، وقيل انْقَلَبَتْ.
فقَال له إسماعيلُ: ما لك؟ قال: انْقَلَبَتْ، فقال له: اطْعَنْ بِها طَعْنًا، فَلَمَّا طَعَن لم تَقْطَعْ شَيئًا، وذَلِك؛ لأنَّ الله هو خالِقُ كلِّ شىءٍ وهو الذِي يَخْلُقُ القَطْعَ بالسِّكِّين.
ونوديَ: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، هذا فداء ابنك، فنظر إبراهيم فإذا جِبريلُ مَعَهُ كَبِشٌ مِن الجَنَّةِ، قال تعالى ﴿وَفَدَيْنَاهُ بذبح عظِيم﴾ أي أنَّ اللهَ تَعالى خَلَّصَ إِسماعيل من الذبح بأن جعل فداءً له كَبِشًا أَقْرَنَ عَظِيْمَ الحَجْمِ والبَرَكَةِ، هذا بحسب ما ذكر في كتاب "الكامل".
مكان ذبح سيدنا "إسماعيل" عليه السلام كان في شعب ثبير بمكة، وظلت رأس الكبش المذبوح فداءا له، معلقة في ميزاب الكعبة، إلى وقت قريب من البعثة المحمدية.
عاش سيدنا إسماعيل عليه السلام 137 عاما، ودفن مع والدته السيدة "هاجر" بالحجر عند الكعبة، في مكان "حجر إسماعيل"، ومن رأى سيدنا إسماعيل عليه السلام في المنام فإنه ينال فصاحة ورياسة والصدق في قوله.