وقع الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان خلال زيارة رسمية إلى موسكو، الجمعة، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقية تعاون استراتيجي طال انتظارها، والتي من المرجح أن تثير قلق الغرب.
فقبل أيام معدودة من تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، الذي قاد خلال ولايته الأولى سياسة الضغوط القصوى على طهران، أعلنت روسيا وإيران عزمهما توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه لا يوجد أي ربط بين تاريخ توقيع الاتفاقية وتنصيب ترمب.
وأضاف في تصريحات لوكالة "إرنا" الإيرانية أن "التكهنات العديدة حول اختيار موعد توقيع معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا عشية صعود ترمب إلى السلطة، لا تثير سوى الابتسامة، دعوا منظري المؤامرة يستمتعون".
ووصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، صباح الجمعة، إلى موسكو، في إطار زيارة رسمية تستمر 3 أيام، ويُنتظر أن تشكل نقطة انعطاف مهمة في التاريخ الحديث للعلاقات بين موسكو وطهران، وفقاً لوصف دبلوماسيين في البلدين.
ومع التحضيرات لعقد جولة محادثات شاملة مع الرئيس فلاديمير بوتين، كانت الأنظار تتركز على توقيع الرئيسين اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة الذي وُصِف بأنه "يضع خريطة طريق لتعزيز التعاون الروسي - الإيراني في كل المجالات لعقود مقبلة"، بحسب موقع "روسيا اليوم" الاخباري.
ووفقاً للبروتوكول الروسي في استقبال الرؤساء الأجانب، كان في انتظار الرئيس الإيراني في مطار «فنوكوفو» الحكومي بالعاصمة وزير الطاقة سيرغي تسيفيليف، ونائب وزير الخارجية أندريه رودينكو، ورئيس إدارة البروتوكول إيجور بوغداشيف.
واستبقت الرئاسة الروسية وصول بزشكيان بتأكيد أن الرئيسين سوف يجريان جولات محادثات تتناول كل جوانب العلاقة بين البلدين، وتركز على الملفات الإقليمية والدولية.
*تأثير الاتفاق علي الشرق الأوسط ودلالات التوقيت*
من جانبه، قال مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية الدكتور محمد صالح صدقيان، لـ"الشرق"، أن هناك "عاملين مهمين في الاتفاقية" المرتقبة، هما "المضمون والتوقيت"، لافتاً إلى سعي كلا البلدين لإعادة صياغة العلاقات بينهما بشكل يخدم المصالح المشتركة، إلى جانب الأمن والاستقرار في المنطقة.
وقال: "المضمون يتمثل في الاتفاقية الاستراتيجية التي استفادت من اتفاقية سابقة قبل أكثر من عقدين، أخذت في الاعتبار الظروف الجديدة التي تحيط بالمنطقة وبروسيا وإيران"، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقية تمتد لمدة 20 عاماً، وتشمل مجالات متعددة أمنية وسياسية واقتصادية، وقضايا أخرى.
أما عامل التوقيت، وفقاً لصدقيان، يكمن في تزامن الاتفاق مع دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض في 20 يناير الحالي.
وقال: "بالتالي هذه رسالة واضحة للولايات المتحدة، حيث أن ترمب ربما يريد الضغط على إيران أو روسيا، لكن البلدين يسعيان إلى إعادة صياغة العلاقات بينهما بالشكل الذي يستطيع أن يخدم المصالح المشتركة والأمن والاستقرار في المنطقة".
واعتبر صدقيان أن توقيع هذه الاتفاقية من شأنه أن يتصدى لمحاولات فرض عقوبات أكثر على موسكو وطهران، موضحاً أن إيران قررت بعد انسحاب ترمب من الاتفاق النووي عام 2018 وفرض المزيد من العقوبات عليها، التوجه نحو الشرق، وزيادة تعاملها مع روسيا، والصين، ودول جنوب شرق آسيا، إضافة إلى الهند وباكستان.
وانضمت إيران إلى مجموعة "بريكس"، و"منظمة شنغهاي للتعاون" ومنظمات أخرى، في إطار سعيها للابتعاد عن العقوبات الغربية المفروضة عليها.
أبرز محاور الاتفاقية
وفي حين لم تعلن بعد التفاصيل الدقيقة للاتفاقية الروسية الإيرانية الجديدة، أوضح المسؤولون الروس أنها ستغطي كامل نطاق العلاقات الروسية الإيرانية المتعددة الأوجه، بما في ذلك تعزيز التعاون في المجالات العسكرية والسياسية والتجارية والاقتصادية، وتطوير العلاقات الثنائية في المجالات العلمية والتعليمية والثقافية والإنسانية.
من جانبه، أشار السفير الإيراني لدى روسيا كاظم جلالي، إلى أن هذه الاتفاقية تتضمن 47 مادة وتغطي جميع مجالات التعاون الثنائي، وستكون سارية المفعول على مدى 20 عاماً، لافتاً إلى أنه عند صياغة هذه الاتفاقية، كان التركيز الرئيسي على "مبادئ السيادة واحترام السلامة الإقليمية للدولتين".
وبدورها، قالت الخارجية الإيرانية إن الاتفاقية تشمل قضايا التعاون في مجالات الاقتصاد والشحن والسكك الحديدية والنقل البحري والجوي والمواصلات والطاقة، والرعاية الصحية، والزراعة، والحد من آثار الكوارث الطبيعية، ومكافحة التحديات المشتركة، والجريمة المنظمة و"مكافحة الإرهاب"، والتعاون في الصناعة والاستثمار، والتبادل التكنولوجي والعلمي في مختلف المجالات.
وأضافت أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة تهدف إلى أن تصبح مرحلة حاسمة في تطور العلاقات بين روسيا وإيران.
وأبرز ما جاء في هذه الاتفاقية:
**يتعهد الطرفان بعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات المتبادلة، وعدم استخدام أراضيه لارتكاب أعمال عدوانية أو تخريبية أو انفصالية ضد الطرف الآخر.
**في حالة تعرض أحد الطرفين للعدوان من قبل أي دولة، لا يقدم الطرف الآخر أي مساعدة عسكرية أو غيرها للمعتدي من شأنها تسهيل استمرار العدوان، ويساعد في ضمان حل الخلافات التي تنشأ على أساس ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.
**الاتفاق على حل أي نزاعات قد تنشأ بين البلدين بالوسائل السلمية بشكل حصري.
**يعمل الطرفان على توفير الظروف القانونية والاقتصادية والمالية والتجارية المواتية للأنشطة الثنائية والمتعددة الأطراف والاستثمارات المشتركة في أراضي كل منهما وفي بلدان ثالثة.
**العمل على تعزيز تطوير العلاقات طويلة الأمد والمفيدة للطرفين بغرض تنفيذ المشاريع المشتركة في مجالات النقل والطاقة، بما في ذلك الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات الطاقة النووية، والصناعة، والعلوم والتكنولوجيا، الزراعة والرعاية الصحية.
**عقد مشاورات منتظمة وتبادل المعلومات والخبرة في المجالات الاقتصادية والعلمية والتقنية من أجل التعرف بشكل أفضل على بعضهما البعض، والاستفادة من إمكانات كلا البلدين في هذه المجالات.
**العمل على تسهيل الأنشطة في البلدين لرجال الأعمال والمتخصصين العاملين في مواقع التعاون المشترك إلى أقصى حد، وتوفير الظروف اللازمة لعملهم وإقامتهم.
**العمل على تطوير التعاون على المستوى الإقليمي باستخدام الفرص والإمكانات المتاحة لديهما في مختلف المجالات، بما في ذلك النقل والطاقة.
**يعقد الطرفان مشاورات منتظمة، بما في ذلك على مستوى عال، بشأن قضايا تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المتعدد الأطراف بمشاركة الدول الأخرى في المنطقة، فضلاً عن إجراء المفاوضات، واتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الاستقرار وضمان الأمن، وزيادة مستوى التعاون في المنطقة.
**في حالة نشوء وضع ينتهك السلام والأمن أو يحمل تهديداً بانتهاكهما أو قادر على إثارة التوتر الدولي، تبدأ الأطراف على الفور مشاورات فيما بينها لمناقشة التدابير التي يمكن اتخاذها لحل مثل هذا الوضع.
**السعي لتعزيز دور وفعالية الأمم المتحدة كأداة عالمية للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وإيجاد حلول فعالة للمشاكل الدولية الملحة. والعمل على تعميق تفاعلهم داخل الأمم المتحدة والمنظمات والمنتديات الدولية الأخرى.
**التعاون في تعزيز عملية نزع السلاح وتخفيض جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل والقضاء عليها في نهاية المطاف.
**التعاون على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف للقضاء على الإرهاب الدولي، ومكافحة احتجاز الرهائن، والجريمة، والاتجار بالمخدرات، وتهريب الأسلحة، والأشياء التاريخية والثقافية وغيرها من الأشياء الثمينة.
أسباب التأجيل
بدأت عملية تطوير الاتفاقية الروسية الإيرانية عام 2014، واستمرت في ظل عدة حكومات إيرانية، وتُعتبر الوثيقة الجديدة نسخة محدثة من اتفاقية التعاون الطويل الأمد التي وقعتها الدولتان في نهاية 2001.
وبشأن تأجيل التوقيع على الاتفاقية، تحدث البعض عن وجود خلافات بين البلدين، وهناك من يرى أنه خلال الصراع في سوريا أعادت إيران النظر في روسيا كحليف حقيقي، فيما اعتبر آخرون أن مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي كان أحد عوامل التأجيل.