واحدة من أفضل طرق الوقاية لمنع انتشار الإنفلونزا والفيروسات الأخرى، هي غسل اليدين، التي تُعد اليوم أمرا طبيعيا يقوم به الناس تلقائيا للنظافة، ولكن لم تكن كذلك حتى منتصف القرن الـ19 في أوروبا والولايات المتحدة، وكان الأمر مقتصرا على بعض الأطباء بعد فحص حالات معينة، وهو ما اهتم موقع the history الأمريكي بنشر قصة تطور عادة غسل اليدين واكتشاف أهميتها.
من أوائل المؤيدين لغسيل اليدين كان إجناز سيميلويس، وهو طبيب يحمل الجنسية المجرية، كان يعمل في مستشفى فيينا العام بين عامي 1844 و 1848، وهي واحدة من أكبر المستشفيات في العالم، وكان جناح الولادة كبيرًا جدًا بحيث تم تقسيمه إلى جناحين، ووفق ما ذكره الموقع تواجدت نسب وفيات عالية في الجناحين.
وبين عامي 1840 وحتى 1846، كان معدل وفيات الأمهات في جناح القابلات 36.2 لكل 1000 ولادة، في حين بلغ معدل الوفيات في جناح الأطباء 98.4 لكل 1000 ولادة، وفقًا لمقال نشر عام 2003 في مجلة الجمعية الملكية للطب، كان جناح الأطباء لديه معدل عال من إصابات حمى الأطفال، والمعروف الآن باسم عدوى المكورات العقدية، و بدأ سيميلويس في البحث عن أسباب هذه الحالات والاختلافات بين العنابر.
ومن الأسباب التي دفعت الطبيب سيميلويس للبحث بشكل أكثر كثافة هو وفاة زميل له في المستشفى، وهو الطبيب جاكوب كوليتشا، واكتشف سيميلويس أن الطبيب المتوفى قطع إصبعه أثناء تشريح أحد الجثث، وأصيب بعدوى قتلته، وكان التساؤل الرئيسي في رحلة بحثه عن أنواع العدوى المنتشرة في المستشفى وجناح التوليد على وجه الخصوص.
وتوصل الطبيب سيميلويس إلى أنه في جناح أطباء الولادة، يقوم العاملون بفحص بعض النساء بعد إجراء عمليات التشريح مباشرة، غير آخذين في الاعتبار نظرية انتقال الجراثيم، وافترض سيميلويس أن زميله توفى بسبب "المادة الجثثية" التي دخلت إلى جسده أثناء جرحه.
وأضاف أن النساء في جناح الأطباء قد يمتن لأن نفس المادة انتقلت من أيدي الأطباء إلى أجسادهم عبر أعضائهم التناسلية أثناء الفحص، وعلى الرغم من أن هذه النظرية تم اكتشاف عدم صحتها فيما بعد، إلا أنه بناء على ما فكر فيه فرض على الأطباء غسل أيديهم بالكلور بعد تشريح الجثث، وشهدت الفترة من 1848 إلى 1859 انخفاض في معدل وفيات الأمهات في جناح الأطباء، حيث كانت تحتوي المستشفى على جناح آخر للقابلات.
ووفقا لما نقل عن هذه القصة، لم يكن الأطباء مرحبين بنظرية سيميلويس وأنهم السبب في وفاة عدد كبير من النساء، كما أنهم لم يرحبوا باقتراحاته عن نظافة اليدين، وحاول سيميلويس إقناع المستشفيات الأخرى بتبني سياسته ولكن واجه الرفض.
ولم يكن سيميلويس هو الطبيب الوحيد في منتصف القرن الـ19 الذي أدرك أن النظافة الشخصية للأطباء قد يكون لها بعض التأثير على مرضاهم، ومن هؤلاء الذين أيدوا نفس الفكرة الطبيب الأمريكي أوليفر وندل هولمز، والذي ربط بين أيدي الأطباء وما تحمله من جراثيم وبين حمى النفاس لدى السيدات، كما سلط الضوء على أهمية النظافة الشخصية للهيئة التمريض، وذلك في عام 1843.
ومع ذلك فإن أهمية غسل اليدين للأطباء لم تُفهم حقًا حتى قام العلماء بتطبيق نظرية الجراثيم، وهي فكرة قائمة على أن بعض الأمراض والالتهابات سببها كائنات دقيقة لا يمكننا حتى رؤيتها.
وقام الجراح البريطاني جوزيف ليستر بتحسين نسب وفيات المرضى، من خلال الدعوة إلى أن يقوم الجراحون بغسل أيديهم وتعقيم أدواتهم بعد استخدامها لكل مريض.
وأصبح غسل اليدين أمر ذو أهمية قصوى لدى الأطباء، وتوفر مراكز مكافحة الأمراض الوقائية إرشادات حول كيفية غسل اليدين بشكل صحيح لقتل الجراثيم، ويدعو مركز السيطرة على الأمراض إلى فركها بالصابون لمدة 20 ثانية على الأقل قبل شطف الصابون بالماء، ومن المهم تجفيفها جيدا، حيث أن الأيدي المبتلة تنشر الجراثيم بشكل أسرع.