«نصوص توازن بين الخيال والواقع، النقد الفنى وفن البورتريه» كتاب «غزل سينمائى» لمؤلفه محمد محمد مستجاب، الصادر عن دار الشروق، والذى أجاد بشكل كبير فى السيطرة على القارئ منذ اللحظات الأولى، واصطحابه فى رحلة محببة داخل عالم السينما وجميلات الشاشة المصرية، مستعينا بخيال خصب ووقائع فعلية، صنع منها مزيجا مثاليا.
يأتى كتاب غزل سينمائى فى 126 صفحة؛ حيث بحث محمد محمد مستجاب عن الأنثى فى نصوصه، الأنثى التى تأتى فى هيئة أيقونة فنية معروفة، لتعبر عن شريحة أو طبقة اجتماعية أو عن أزمة حدثت، فنانة قامت بدور بارع جسدت فيه الأنثى المطحونة، أخرى تسيدت ذهن الجمهور بنظراتها وغيرتها وحقدها كممثلة بارعة فى أدوار الشر، هكذا رآهم الكاتب وهكذا أحبهن.
أخذنا الكاتب محمد محمد مستجاب لنعيش معه فى عالم جميلات الشاشة، واعتمد على فلسفة تقول إن رؤية الأفلام سهلة، ولكن أن تعيش فيها، هذا هو المهم، أن تستطيع أن ترويها، تروى التفاصيل وحركات الممثلين، وتبحث عن ملابس مثل التى ارتداها الأبطال لكى تصير مثلهم للحظات.
بسلاسة اللغة وترابط المعانى وتدفق الذكريات، أثار المؤلف عبر الحديث عن 21 فنانة من أجيال مختلفة، مشاعر الحنين إلى الماضى والحب البرىء والصراع مع الواقع، مع استخدام التوصيفات المناسبة لحكاية ترتبط فى ذهنه بكل فنانة منهن، نجد «ملكة الشر الطيب»، فى حديثه عن إحسان الشريف، صوت الأفعى الخالد ملك الجمل، بهية والتى كانت من نصيب محسنة توفيق، شويكار كملمح للحياة والدلال كله، منة شلبى التى تعبر عن صدام الحضارات، دنيا سمير غانم والتى اختار لها غزل البنات وغزل الحكايات.
الأسلوب السلس الذى استخدمه المؤلف، يناسب تماما الحديث عن جميلات الشاشة باعتبارهن هؤلاء الملائكة الذين يتحركون على القطعة البيضاء كسَماء لا تنتهى، حيث ظهر شغفه ووله الملحوظ بعالم الفن والسينما، وتحدث عما سحره فى هذا العالم بقوله: أن تصير ذلك الشعاع الساحر الذى يخرج من ثقب صغير فى جدار يحمل معه كل مبهج وكل مفاجأة وكل الأحلام المستحيلة، هذا الشعاع الذى كنت أتمنى أن أسبح فيه، أتمنى أن أرى ذراته أو أشاهد كيف تعمل تلك الماكينة التى خلف هذا الثقب.
تميز النص بسلاسة لغوية واضحة، حيث استخدم الكاتب كلمات بسيطة ومباشرة، مما يسهل على القارئ فهم المعنى، كما أن جمل النص قصيرة وسهلة التركيب، مما يُضفى عليه سلاسة فى القراءة، يتميز النص بترابط المعانى بشكل واضح، حيث ينتقل الكاتب من فكرة إلى أخرى بشكل سلس ومنطقى. كما أن الأحداث مرتبة ترتيبًا زمنيًا، مما يُساعد القارئ على فهم سير الأحداث، يتدفق النص بسلاسة ويسر، حيث يأخذ القارئ فى رحلة عبر ذكريات الراوى. ويستخدم الكاتب بعض الأساليب الأدبية لجعل النص أكثر إثارة للاهتمام، مثل التشبيه والاستعارة بشكل واضح ومميز.
يصطحب محمد مستجاب القارئ فى جولة يفتح فيها خزائن ذكرياته، عن ممثلين وممثلات، وجوها ضخمة تسد الشاشة وشفاهًا تتحرك بالقُبلات الساخنة، وقنابل ومسدسات، حيث يقول عن اللحظة الآسرة داخل السينما، والتى يجد فيها المتفرج خروج شعاع الضوء من ماكينة عرض الأفلام، حيث يقول: هذا الغبار الذى كان يخرج صغيرًا ورقيقًا ويتسع ويتسع، فى هذا الغبار كنت أعيش وكنت أحيا، وكنت أحلم أيضًا.
استعان محمد مستجاب بإثراء النص بالتفاصيل، مع تنويع الأسلوب اللغوى، لنعيش معه فى عالم جميلات الشاشة ليتنقل بنا من «ليلى علوى» التفاحة، «سعاد حسنى» بجمال نظرتها، «عايدة عبد العزيز» بذلك الشر الخفى الممتع، «سوسن بدر» التى تبدو وكأنها كأس معتقة، «ملك الجمل» صوت الأفعى الخالد، «هند صبرى» القادرة على نفض الغبار الرابض على قلوبنا، وصولا إلى «ريهام عبد الغفور» قطعة الملبن المصرى الخالص.
محمد محمد مستجاب كاتب شاب، ورث صنعة الأدب عن والده الكاتب الكبير الراحل محمد مستجاب. يكتب الرواية والقصة والسيناريو والمقال النقدى بنفس البراعة فنال جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة – قسم الإعداد المسرحى عن نص رواية (مستجاب الفاضل) للأديب/ محمد مستجاب – بعنوان (الفاضل) لعام 2007 ثم فائز بمسابقة نادى القصة لعام 2007 عن قصتى (المجد – الأريكة).
كما حصل على جائزة إحسان عبد القدوس فى القصة القصيرة عن قصة (التتار) لعام 2008. ثم جائزة – اتحاد كتّاب العرب ــ القصة عن مجموعة قصص (وصايا غير معلنة) 2008 وجائزة هيئة قصور الثقافة فى القصة القصيرة عن مجموعة قصص (ثعبان يبحث عن مشط) لعام 2008. كما نال جائزة أحسن سيناريو فى مسابقة عبد الحى أديب بمهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى لعام 2009 عن سيناريو فيلم (حلم حمادة وميمى). وجائزة يوسف أبورية للرواية الدورة الأولى لعام 2010 ثم جائزة إحسان عبد القدوس فى الرواية عن عام 2012. وأخيرا حاصل على جائزة فلسطين الدولية للرواية «غسان كنفانى» للسرد القصصى الدورة الأولى عام 2012 عن رواية «قرية ليس بها رجل».