التغيرات المناخية تهدد غذاء البشرية - بوابة الشروق
الخميس 19 سبتمبر 2024 3:01 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التغيرات المناخية تهدد غذاء البشرية

تحقيق ــ دينا شعبان:
نشر في: الإثنين 19 سبتمبر 2022 - 11:00 ص | آخر تحديث: الإثنين 19 سبتمبر 2022 - 11:00 ص

ــ مزارعون: تتسبب فى «انتكاسة» للمحاصيل.. والعام الماضى خسرنا 60% من محصول المانجو
ــ مسئول المناخ بالأمم المتحدة: ارتفاع درجة الحرارة يزيد استهلاك المحاصيل للمياه بنسبة ١٥٪؜ وانخفاض إنتاجية القمح ٩٪؜
ــ أمين خبراء اتحاد البيئة العرب: التغيرات المناخية تؤثر بشكل سلبى على المنظومة الزراعية وقلة الإنتاجية للمحاصيل
رغم الغزارة الإنتاجية لمحصول المانجو فى الأعوام الأخيرة، لكن مزرعة أحمد عبدالمحسن بالشرقية شهدت تراجعا كبيرا ما أثار غضبه وخوفه من تهديد مصدر رزقه الوحيد، وظن فى البداية أن أرضه هى السبب، لكنه علم لاحقا أن السبب يرجع إلى التغيرات المناخية، حيث حدثت موجات صقيع مع انخفاض فى درجات الحرارة دون المعدل خلال النصف الأول من شهر مارس الماضى، وهو ما نتج عنه تأخر كبير فى معدلات التزهير.
صحيح أن أشجار المانجو طرحت له خيرا لا يحصى هذا العام، لكن أرض المزارع القديم لم تسلم من موجات شديدة الحرارة مبكرة فى الثلت الأخير من مارس ومنتصف أبريل على فترات متعاقبة، فزادت الأشجار من إفراز هرمون «الاثيلين» نتيجة موجات الحرارة العالية، وهو ما يؤدى إلى سقوطها.
حسين محمد، من محافظة القليوبية يشير إلى أن مزارعه العام الماضى خسرت 60% من محصول المانجو بسبب موجات الحرارة الشديدة وغير المتوقعة، وأدرك مدى الخطورة لذلك هذا العام، لينجح فى التأقلم إلى حد كبير مع التغيرات المناخية بعمل التهوية اللازمة والصوبات الزراعية والتقليم والتسميد الملائم.
يؤكد المزارع أن تأثيرات التغيرات المناخية لا تتوقف عند المانجو فقط؛ بل تؤثر على محاصيل كثيرة جدا، وتتوسع تأثيراتها لتغطى كافة القطاعات الأخرى بخلاف الزراعة.
تأثيرات عديدة قد تخلفها التغيرات المناخية على قطاع الأمن الغذائى فى مصر ودول العالم، وسط مخاوف من نقص إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة، فى الوقت الذى تسعى فيه مصر إلى زيادة إنتاجيتها من تلك المحاصيل رأسيًا وأفقيًا لتوفير العملة الصعبة من وراء الاستيراد.
«قطاع الزراعة يُعد أكثر القطاعات تأثرا بالآثار السلبية للتغيرات المناخية»، هذا ما يؤكده استشارى التغيرات المناخية بالأمم المتحدة؛ وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ، الدكتور سمير طنطاوى، معددا تأثيرات تغيرات المناخ على نوعية وجودة التربة الزراعية، وانخفاض الإنتاجية، وانتشار الأمراض والآفات.
يبيّن طنطاوى فى حديثه لـ«الشروق» أن سلبيات التغيرات المناخية تشمل أيضًا تملح الأراضى، وغرق مساحات من الأراضى الزراعية فى شمال الدلتا، وتناقص الأمطار فى الساحل الشمالى، ونقص الزراعات المطرية، مؤكدا أن الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية ٢٠٥٠؛ اهتمت بشدة بهذا القطاع الحيوى، وكيفية معالجة تحديات التغيرات المناخية عليه.
ويعد ارتفاع درجات الحرارة أخطر ما يهدد القطاع الزراعى فى مصر، حيث تشير الدراسات التى قام بها الباحثون بمركز البحوث الزراعية المصرى، إلى أن ارتفاع درجة الحرارة سوف يؤدى إلى زيادة استهلاك المحاصيل من المياه إلى ١٥٪ على الأقل، وبالتالى زيادة الإجهاد المائى على مواردنا المائية التى هى فى الأساس محدودة، كما تتوقع انخفاض إنتاجية القمح بحوالى ٩٪ مع ارتفاع درجة الحرارة درجتين عن المتوسط؛ وتصل النسبة لـ١٨٪ مع ارتفاعها عن ٣، ٥ درجات مئوية.
وللتغلب على هذه المشكلات، ينبغى إجراء المزيد من البحوث لاستنباط أنواع جديدة من المحاصيل تتحمل درجات الحرارة العالية، وتستهلك كميات مياه أقل مع إنتاجية أعلى، بالإضافة إلى تعديل مواعيد الزراعة بما يتناسب مع الظروف الجوية وتغيير نمط الزراعة من خلال تعديل الخريطة الزراعية وزراعة المحاصيل فى الظروف المناخية الملائمة لها لتحقيق أعلى عائد.
وتوصى الدراسات التى أجريت على محصول القمح للتكيف مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية، بتغيير مواعيد الزراعة من ١ــ١٥ نوفمبر إلى الفترة من ٢٥ نوفمبر إلى ١٠ ديسمبر، وهو ما يؤدى إلى زيادة إنتاجية محصول القمح بحوالى ٤%، فضلا عن أن زيادة معدل التسميد النيتروجينى يؤدى إلى زيادة المحصول بحوالى ٥%.
من جانبه، قال مستشار وزير الزراعة، ورئيس مركز معلومات تغير المناخ، الدكتور محمد فهيم، إن التغيرات المناخية ستؤثر على جميع المحاصيل الزراعية، وخاصة محصول القمح، وذلك إذا استمرت درجة حرارة الأرض فى الارتفاع، واستمرت التقلبات الجوية الجامحة مثل «أمطار بكميات كبيرة، أو موجات شديدة البرودة، أو موجات صقيع».
وأوضح فهيم لـ«الشروق»، أن النتائج أظهرت أنه اذا زادت حرارة الأرض درجتين مئويتين فإن إنتاجية محصول القمح ستقل بنسبة 9%، وسيزداد الاستهلاك المائى لهذا المحصول حوالى 6.2% بالمقارنة بالاستهلاك المائى له تحت الظروف الجوية الحالية، فى حين سيصل معدل النقص إلى 18% إذا ارتفعت درجة الحرارة 4 درجات مئوية.
وتابع: «رغم أن محصول القمح شتوى لكن الموجات الباردة تؤثر عليه بطريقة غير مباشرة؛ حيث ينتشر مرض يسمى «الصدأ الأصفر» أحد تداعيات التغيرات المناخية، فهو مرض يصيب بعض المحاصيل الزراعية مثل القمح، وينشط مع الرطوبة العالية وموجات الصقيع والفترات الممطرة الطويلة، ويتسبَّب فى نقص كبير فى الإنتاجية هذا العام لبعض الأصناف ضعيفة المقاومة»، وحذر من أن القطاع الزراعى سيواجه انخفاضًا فى الإنتاج الزراعى إذا لم يتم اتخاذ تدابير كافية للتكيف مع تغيرات المناخ.
من ناحيته، يقول الخبير البيئى، الدكتور أحمد توفيق، إن تغير المناخ يتسبب فى خسائر كبيرة وبخاصة فى منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، حيث تعانى البلدان الفقيرة والمتأثرة من النزاعات أكثر من غيرها بسبب درجات الحرارة المرتفعة والظواهر الجوية القاسية.
وأضاف توفيق لـ«الشروق»، أنه فى عام 2000؛ تسببت الكوارث المناخية فى مقتل أكثر من 2600 شخص، وأثرت على 7 ملايين آخرين، وتسببت فى أضرار مادية مباشرة بقيمة مليارى دولار، وفى المقابل تقلل الكوارث المناخية من النمو الاقتصادى السنوى بمقدار 1ــ2 نقطة مئوية على أساس نصيب الفرد.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن تصبح هذه الأحداث أكثر شيوعًا وأكثر خطورة مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب؛ فإن للتغير المناخى آثارًا مباشرة وغير مباشرة على الإنتاجية الزراعية، تتضمن تغيُّر أنماط هطول الأمطار، والجفاف، والفيضانات، وإعادة التوزيع الجغرافى للآفات والأمراض، وأن الكميات الهائلة من ثانى أكسيد الكربون التى تمتصها المحيطات تتسبب فى التحمُّض، مما يؤثر على صحة محيطاتنا وعلى أولئك الذين يعتمدون فى سبل عيشهم على الزراعة.
وأشار توفيق إلى أنه على مدى العقود الثلاثة الماضية ارتفعت درجات الحرارة فى المنطقة بمقدار 1.5 درجة مئوية وهذا ضعف الزيادة العالمية البالغة 0.7 درجة مئوية، مؤكدا أن زيادة درجة الحرارة بمقدار درجة واحدة مئوية فى عدد من البلدان يؤدى إلى انخفاض فى النمو الاقتصادى للفرد بنحو نقطتين مئويتين، وقد تأثرت منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا بتأثير تغير المناخ ومع ارتفاع درجات الحرارة فى الصيف، وتضاؤل هطول الأمطار، الزيادة البالغة فى درجات الحرارة تصبح الأزمة أكثر وضوحا، وفقا لما نشره تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
يشرح توفيق أن المانجو ضمن المحاصيل التى تأثرت إنتاجيتها من موجات الحرارة والصقيع، حيث إنها من المحاصيل التى تُسهم بشكل كبير فى دعم الاقتصاد المصرى عن طريق التصدير، وأيضًا القمح من أهم المحاصيل الإستراتيجية التى تعتمد عليها مصر فى غذائها؛ وقد تأثر محصول القمح بصورة ملحوظة بسبب موجات الصقيع وطول الفترة الممطرة.
وفى سياق متصل، قال الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب، الدكتور مجدى علام، إن التغيرات المناخية ستؤثر بشكل سلبى على المنظومة الزراعية وتؤدى إلى قلة الانتاجية لمعظم المحاصيل الزراعية، مؤكدا أنه إذا زادت درجة حرارة الأرض من 2 إلى 4 درجات مئوية؛ فإن الانبعاثات الضارة سيحدث لها زيادة كبيرة تضر بالمنظومة البيئية.
وأضاف علام لـ«الشروق»، أن التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبير على خصائص الأراضى بطريقة غير مباشرة؛ حيث تؤثر درجة الحرارة فى نشاط وفعالية الإحياء الدقيقة للتربة وتعجيل العمليات الكيميائية داخلها، موضحا أن ارتفاع درجات حرارة الهواء يعمل على رفع درجة حرارة التربة التى تؤثر بدورها على إنبات بذور المحاصيل الزراعية المختلفة لتصبح أكثر سرعة مع ارتفاع درجة الحرارة حتى تصل إلى الحد الأمثل لعملية الإنبات.
ونوّه بأن الاحترار العالمى يؤدى إلى تفاقم التصحر والإجهاد المائى وارتفاع منسوب البحار حتى أصبح هطول الأمطار أكثر تقلبا وكوارث مناخية مثل «الجفاف والفيضانات» لتصبح الحياة وسبل العيش أكثر تعرضا للخطر بسببه، لافتا إلى أن معظم البلدان الآن تدرك أن التكيف مع المناخ يمثل أولوية ملحة وبدأت فى مواجهة تحديات المناخ.
وأكد علام أنه يجب إعطاء الأولوية للتدابير التى تكون مفيدة للغاية فى ظل جميع سيناريوهات تغير المناخ المعقولة ما يسمى «التدابير عالية القيمة» وبناء القدرة على التكيف مع تحديات المناخ فى المستقبل، فضلا عن تعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ أمر بالغ الأهمية لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وينبغى متابعته جنبًا إلى جنب مع جهود التخفيف والانتقال العالمية، بينما بالنسبة للبلدان التى تتكيف مع الوقت، هناك فرص لخلق وظائف مستدامة ودعم الانتعاش الاقتصادى والصمود بعد الوباء.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك