خبراء: مصر بحاجة إلى استراتيجية قومية للاقتصاد الأزرق
استعرض المركز المصري للدراسات الاقتصادية دراسة عن الاقتصاد الأزرق تُوضح أن أكثر من 33 دولة حول العالم تدمج مفهوم الاقتصاد الأزرق في خططها التنموية المستقبلية، مثل الصين والهند والمغرب وجنوب أفريقيا.
وبحسب الدراسة، يساهم الاقتصاد الأزرق بنحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي في الصين، ما يعادل 1.25 تريليون دولار في 2019، كما ساهم بنحو 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي لجنوب أفريقيا عام 2020. ويعد القاسم المشترك في التجارب الدولية الناجحة هو وجود هيئة مستقلة تنظم ما يتعلق بمجال الاقتصاد الأزرق.
وأشارت الدراسة، التي تم استعراضها خلال ندوة عقدها المركز اليوم بعنوان "هل مصر على الطريق الصحيح لتحقيق الاستدامة في اقتصادها الأزرق؟"، إلى أن الاقتصاد الأزرق يواجه عدداً من التحديات العالمية، مثل التغيرات المناخية وتلوث الموارد البحرية بسبب الاعتماد على النماذج الاقتصادية التقليدية التي لا تراعي الجوانب البيئية. ونتيجة للأزمات والتغيرات المناخية، ازداد الوعي بأهمية الموارد البحرية. ويوفر هذا النوع من الاقتصاد 500 مليون وظيفة عالمياً، ويساهم بـ40% من الأمن الغذائي العالمي، ويولد قيمة اقتصادية تُقدر بنحو 15 تريليون دولار، إلى جانب الحد من الانبعاثات الكربونية والحفاظ على الحياة البحرية.
تجربة مصر في الاستزراع السمكي
استعرض علي الحداد، رجل الأعمال والخبير الدولي في صناعة الأسماك، تجربة مصر في مجال الاستزراع السمكي، وتحديداً سمك البلطي، مؤكداً أن هذا القطاع حقق نجاحاً مبهراً في مصر بفضل القطاع الخاص. بدأت تجربة مصر في هذا المجال في السبعينيات، ولكن تطورت عملية الزراعة بالعلف في منتصف الثمانينيات. ومع عام 1991، بدأ أول إنتاج حقيقي بكمية 20 ألف طن، وارتفع الإنتاج في عام 2010 ليصل إلى 800 ألف طن، بينما يبلغ الإنتاج حالياً نحو 1.1 مليون طن. ورغم ذلك، هناك ضعف في حجم التصدير الذي لا يتخطى 50 ألف طن سنوياً في المتوسط، مرجعاً ذلك إلى غياب صناعة أسماك متكاملة في مصر، حيث يتم الاعتماد على تصدير السمكة كاملة، وهو نوع يمثل فقط 3% من تصدير الأسماك عالمياً.
وطالب الحداد بسن قوانين لتنظيم العمل في تصنيع الأسماك في مصر، وتغيير طريقة عمل هيئة سلامة الغذاء التي تُعطل العمل وتُعقّد الإجراءات من خلال لجان تفتيش متعددة. وأكد أن الهيئة يجب أن تساعد المصانع على التطور واستيفاء شروط التصدير بدلاً من وضع العراقيل، مشيراً إلى أن الروتين يُفقد مصر العديد من الفرص في هذا المجال.
النقل البحري في مصر
من جانبه، قال محمد شرين النجار، استشاري النقل الدولي، إن مصر لديها فرص هائلة في مجال النقل البحري، ولكن هناك معوقات عديدة تؤثر سلباً على هذا القطاع، منها التضارب بين الموانئ المختلفة في الرسوم والتعريفة، وعدم تطبيق الخصومات على السفن التي تخدم أكثر من ميناء بسبب اختلاف جهات تبعية الموانئ. وطالب النجار بضرورة توحيد التعريفات والرسوم والقوانين المنظمة وتطبيقها على جميع الموانئ، إلى جانب تطوير المنظومة البحرية بالكامل.
فرص مصر في الاقتصاد الأزرق
أوضح الدكتور خالد السقطي، عميد كلية النقل الدولي واللوجستيات، أن نحو 85% من تجارة العالم تنتقل عبر البحار والمحيطات، ما يعادل 11.8 مليار طن من السلع والمنتجات. وأكد أن مصر، بحكم موقعها وامتلاكها لأكثر من 3 آلاف كم من الشواطئ البحرية، يمكنها الاستفادة من 60-70% من الـ11.8 مليار طن التي تجوب العالم.
وأشار السقطي إلى فرص استثمارية يمكن إضافتها في مجال الاقتصاد الأزرق في مصر، مثل الاستثمار في الكابلات البحرية التي تنتقل عبرها 95% من البيانات عالمياً، وتمر أهمها أمام مصر. كما أشار إلى إمكانية توليد الكهرباء من البحار، وهو ما تطبقه دول مثل إيطاليا وفرنسا منذ 12 عاماً، بجانب السياحة غير الموسمية مثل السياحة العلاجية، والاستكشافات البترولية والغازية، بالإضافة إلى الاعتماد على الكائنات البحرية في الصناعات الدوائية، حيث تعتمد 50-60% من الشركات الدوائية على الخامات المستخرجة منها.
وأكد السقطي أن عدم إعلان استراتيجية قومية للاقتصاد الأزرق، رغم مناقشتها منذ أكثر من عامين، وتداخل الجهات المعنية، يُعدان من أبرز المعوقات التي تواجه مصر في هذا المجال. وطالب بإنشاء هيئة مستقلة تتبع مجلس الوزراء لتنظيم الاقتصاد الأزرق وتنسيق الجهود بين الجهات المختلفة.
ضرورة إصلاح مؤسسي
من جانبها، أكدت عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، أن المشكلة الرئيسية في مصر تكمن في غياب الإصلاح المؤسسي. ورغم وجود فرص كبيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد الأزرق، فإن عدم وجود إطار مؤسسي واضح وتداخل الهيئات المختلفة يُعيقان تحقيق هذه الفرص. وشددت على ضرورة إعلان استراتيجية قومية للاقتصاد الأزرق وإطلاق هيئة مستقلة لإدارته، لضمان استغلال الفرص المتاحة وفقاً للتجارب الدولية الناجحة.
الاقتصاد الأزرق: مكونات وفرص نمو
يتكون الاقتصاد الأزرق من ستة قطاعات رئيسية هي:
1. السياحة الساحلية والغطس.
2. الشحن والنقل البحري.
3. الصيد والمزارع السمكية ومصايد الأسماك الصناعية.
4. الصناعات الكيماوية القائمة على الموارد البحرية.
5. الطاقة البحرية المتجددة، والتي تعد الأقل من حيث حجم السوق لكنها الأعلى من حيث النمو المستقبلي المتوقع.
ويُشير ذلك إلى أن القطاعات المبتكرة ستكون المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في المستقبل.