رواية أشباح مرجانة.. مزيج الواقعية والرمزية لمواجهة تحديات الأجيال المتعاقبة - بوابة الشروق
السبت 22 فبراير 2025 10:34 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

رواية أشباح مرجانة.. مزيج الواقعية والرمزية لمواجهة تحديات الأجيال المتعاقبة

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 21 فبراير 2025 - 6:32 م | آخر تحديث: الجمعة 21 فبراير 2025 - 6:32 م

محمود عبدالشكور يسخر طاقاته الإبداعية لمقاربة الماضى والحاضر

فى عمله الروائى الجديد، «أشباح مرجانة»، يستثمر الكاتب والناقد محمود عبد الشكور طاقاته الإبداعية وأسلوبه الأخّاذ فى تجسيد مأزق العقل الإنسانى حين يكون ممزقًا بين التمسك بما هو مألوف والمضى نحو المجهول، بين الانجذاب لذكريات الماضى والشعور بالغربة فى الحاضر، وبين الارتجاف من الخطر والاحتماء بوهم الطمأنينة، ليقود القارئ نحو نهاية تحمل فى طياتها عبق السينما التسعينية ودرامية الحبكات التى تجعل المشاعر محورًا أساسيًا لكل تفصيلة.

الرواية الفائزة بجائزة القلم الذهب عن فئة المسارات أو الأدب الأكثر تأثيرا، والصادرة عن دار دون للنشر والتوزيع، تأخذنا إلى العام 1992، حيث تتوالى الأحداث عبر بضعة أشهر تُعيد خلالها الشخصيات اكتشاف ذواتها وسط عالم تتحول فيه الأحلام إلى كوابيس، وتتعاقب فيه الإحباطات عبر أجيال ثلاثة، بينما يحاول أبطالٌ منكسرو الروح العثور على ومضة انتصار، أو حتى لحظة مواجهة مع الذات والقدر، مستندين إلى روابط الصداقة كحبل نجاة أخير.

تُقدم الرواية نموذجًا متكاملًا لروايات الأجيال، حيث تتداخل مشاعر التهكم والأسى، الأمل والانكسار، فى نسيج سردى نابض بالحياة، يزاوج بين الواقع والأطياف، وبين شخصيات تعيش بين ظلال الماضى وثقل الحاضر. ورغم التشتت الذى ينهش أرواحهم، فإنهم لا يكفون عن المقاومة، بحثًا عن خلاص شخصى، وعن فرصة لإزالة الأنقاض التى راكمتها الهزائم، فى محاولة يائسة لاستعادة جذوة الشغف التى خبت عبر الزمن.

يُبدع الكاتب فى رسم ملامح اثنتى عشرة شخصية تنتمى إلى أزمنة وتجارب متباينة، إلا أن القاسم المشترك بينها هو التيه الذى يسيطر عليها، ورغبتها المستمرة فى انتزاع بصيص أمل، حتى ولو كان مجرد وهم. وبينما يحاصرها الإحباط، تظل كل شخصية منهم تجاهد للبقاء، متشبثة بإرادة الهروب من رماد التجربة نحو احتمالات جديدة، حتى لو كانت غامضة أو بعيدة المنال.

يواصل الكاتب بإتقان صياغة ملامح شخصيات تتباين فى خلفياتها وأعمارها، لكنها تشترك جميعها فى شعورها العميق بالضياع والتردد. يُظهر بمهارة كيف أن تلك الأرواح المرهَقة لا تكف عن المحاولة، وكأنها تُقاوم تيارًا جارفًا من الخيبات، سعيًا للنجاة بأقل الخسائر الممكنة، ولتحطيم الركام المتراكم على ذاكرتها، فى محاولة لإحياء جذوة الشغف التى توارت خلف ركام الحياة.

الرواية بمثابة دعوة لالتقاط التفاصيل الدقيقة بين سطور الذاكرة، حيث تختلط لذة التذكر مع مرارة الذكريات المؤلمة. يستدرجنا الكاتب بلغة تشبه الهمس، كأنما يريد للقارئ أن يرى بعينيه ما عاشته شخصياته، فيدرك دون حاجة إلى المزيد من الشرح أو الإيضاح.

إهداء الرواية وفق لما سبق وصرح به المؤلف، إلى «جيل التسعينيات مروضى الأشباح والكوابيس» يحمل بُعدًا عاطفيًا عميقًا، حيث يعكس امتنان الكاتب لأولئك الذين عاشوا فى قلب المجتمع، متماهين مع أوجاعه وأفراحه. كانت تجربته الشخصية ليست مجرد مراقبة من بعيد، بل معايشة حقيقية وسط الشوارع والمقاهى، حيث تنبض الحياة بصخبها وصمتها، وكان وجوده فى عمق المدينة، ضائعًا فى دهاليزها المظلمة، يمنحه رؤية خاصة ومتفردة لأرواح شخوصه.

تتبدى أجواء الرواية من خلال قصة فؤاد الساعاتى، الذى يعود إلى مسقط رأسه ليتسلم إرثًا غامضًا من جده. وبينما يُفترض أن يكون الميراث فرصة جديدة، يتضح أنه باب إلى عوالم مقلقة. يجد فؤاد نفسه مالكًا لدار عرض صيفية مهجورة، تتراكم فى زواياها خيوط العناكب، ويُخبره الحارس العجوز بأن المكان مسكون بشبح يظهر كل ليلة ليعبث بكل شىء، وأن هناك جريمة قتل قديمة دفنت أسرارها تحت المساحة الممتدة أمام الشاشة.

يجب على فؤاد الآن مواجهة أشباح السينما المتآكلة، وأشباح ماضيه المثقل بالأسرار، وأشباح أخرى أكثر غموضًا لم يكن يتخيل وجودها. عليه أن يعبر المسافة الشائكة بين الحقيقة والوهم، وأن يجد إجابة للسؤال الذى يطارده: «لماذا تتحول أحلامنا إلى كوابيس؟».

بهذا الأسلوب، يمزج الكاتب بين الواقعية والرمزية، ويُبقى القارئ فى حالة تأهب دائم، يتساءل عن الحدود الفاصلة بين ما هو حقيقى وما هو خيال، وكأن الرواية نفسها تتحول إلى شبح يعبث بأذهاننا، تمامًا كما يفعل الشبح فى دار العرض المهجورة.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك