قبل ثلاثة وتسعين عاما من يومنا هذا، وبالتحديد في 23 أغسطس 1927، كان المصريون على موعد مع خبر مفجع برحيل الزعيم الوطني سعد زغلول، وذلك بعد رحلته الكبيرة والتي وهبها للنضال الوطني، وحق مصر في الاستقلال.
وبعد يوم من الوفاة، كان مشهد وداعه بجنازة مهيبة، شارك فيها قطاع كبير من المصريين، وتعد راسخة في ذهن كل من شارك، ومن بينهم الكاتب الكبير نجيب محفوظ والذي كان حينها لا يزال في بداية شبابه؛ لكنه كان متأثراً بشكل كبير بالزعيم الذي تفتحت عينيه وهو طفل على التقدير الكبير الذي كان يحمله له المصريون، والذي كان على أشدّه بمشاهد ثورة 1919.
وتحدث نجيب محفوظ عن ذكرياته مع الجنازة، من خلال حواراته المطولة مع الكاتب الصحفي رجاء النقاش، والتي صدرت في كتاب صفحات من مذكرات نجيب محفوظ في عام 2011، والتي نستعرض سطوراً منها...
يبدأ محفوظ بأن المكانة التي مثلها سعد في قلوب المصريين كانت كبيرة، فقد أحبوه لدرجة التقديس، وعدّوه أباً روحياً يحمل قضيتهم، وظهر ذلك من خلال ملايين التوكيلات التي حملت توقيعاتهم وبصماتهم، مفوضينه بأن يكمل القضية ويذهب بها للدول الكبرى.
لذا كانت مشاهد وداعه مهيبة، ويذكر محفوظ بأنه خرج في الصباح مع مجموعة من أصدقائه ينتظرون تحرك موكب الجنازة من ميدان الأوبرا، ليكمل المسيرة حتى دفن الزعيم بمقابر الإمام الشافعي، وذلك قبل نقل رفاته منها بعد نحو عام إلى ضريحه المقابل لبيت الأمة .
ويعتبر محفوظ أن جنازة زغلول هي الأضخم في تاريخ مصر الحديث؛ «في مقارنتها بجنازة عبد الناصر يتضح أنها الأكبر ليس من حيث العدد، فالظروف مختلفة بين الحالتين؛ فجنازة سعد خرجت في اليوم التالي مباشرة لوفاة، بينما انتظرت جنازة الرئيس عبد الناصر لعدة أيام حتى يتسنى لبعض الرؤساء الحضور، كذلك كان عدد المصريين وقت سعد يقل بكثير عن عددهم وقت وفاة عبد الناصر».