إبراهيم المعلم يكتب: كنز أحلام نجيب محفوظ الأخيرة خلاصة تجربته وجوهر أدبه وفلسفته وإبداعه الرفيع وإنسانيته السامية - بوابة الشروق
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 2:41 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إبراهيم المعلم يكتب: كنز أحلام نجيب محفوظ الأخيرة خلاصة تجربته وجوهر أدبه وفلسفته وإبداعه الرفيع وإنسانيته السامية


نشر في: الجمعة 23 أغسطس 2024 - 5:37 م | آخر تحديث: الجمعة 23 أغسطس 2024 - 5:38 م

بعد ظهر يوم الثلاثاء الخامس من شهر مايو ٢٠١٥ اتصلتْ ابنتا نجيب محفوظ؛ فاطمة وأم كلثوم، بدار الشروق لتزفا لنا بكل رِقة وتواضع محفوظي خبرًا سعيدًا: «لقد وجدنا أوراقًا تشمل مخطوطات لـ «أحلام فترة النقاهة» بخط الحاج صبري، نرجو التأكد أنها لم تُنشر من قبل»..
أدركنا أننا قد نكون أمام كنز أدبي وثروة ثقافية يُكشف عنهما بعد ٩ سنوات من وفاة أديبنا العالمي، ومفاجأة روائية تضع حلًّا سعيدًا للّغز الذي حيرَنا وأصفياءه لسنوات: أين ذهبت «أحلام فترة النقاهة» الأخيرة التي دأب على إبداعها ثم تقليبها ومراجعتها بينه وبين نفسه، إلى أن يرضى عنها تمامًا فيحفظها عن ظهر قلب: بالكلمة والفصلة والنقطة، ثم يمليها على كاتب أحلامه الأمين صبري محمود، ليستعيد بعد ذلك سماعها منه مرة ومرات مُراجِعًا ومُنقحًا، حتى يطمئن ويرضى تمامًا فيتركها جاهزة للنشر؟
أين ذهبت الأحلام التي يعرف أصفياؤه أنه أملاها والتي قال لهم إن إجماليها يزيد على الخمسمائة حلم تركها جاهزة للنشر؟
راجعنا الأحلام على كل ما نُشر لنتأكد أن أيًّا منها لم يسبق نشره من قبل.
دققنا المخطوطة مستعينين بالأصفياء والخبراء، وبكل من شارك أحيانًا في كتابة الأحلام، وذهبنا بصحبتهم للحاج صبري لنراجع معه ما كتب وليفك طلاسم كلمات قليلة استغلق علينا تفسيرها، وقال لنا الحاج صبري إن هذه هي المجموعة الباقية، كاملة مكتملة، إلى آخر حلم أملاه محفوظ عليه، وراجعه معه.
اكتمل كتاب جديد به ٢٩١ حلمًا بديعًا تنشر لأول مرة لتكون الأحلام الأخيرة من «أحلام فترة النقاهة»، وأصبح بذلك مجموع ما تركه محفوظ من الأحلام - ما نُشر سابقًا، وما ننشره اليوم - يزيد بالفعل على الخمسمائة حلم: ٢٩١ الأحلام الأخيرة، و٢٣٩ سبق نشرها في ٥ طبعات متتالية.
قال نقاد عن «أحلام فترة النقاهة» إنها من أهم وأجمل النصوص في الأدب العربي، وإنها من أجمل ما أبدع وألَّف محفوظ، وإنها ابتكار جديد في فن السرد، كما قالوا إنها من أعلى مراتب الإبداع والفلسفة والشفافية والحكمة، وإنها مُحمَّلة
بمعانٍ وأفكار تحلق في أسمى مراتب الصوفية والصفاء وجوهر الحياة، بينما قال محفوظ بتواضع إنه يكتب «حاجات صغيرة قد الكف»، وإنه مرتاح لهذا الشكل وراضٍ عمَّا يؤلفه، وإن أحلامه تطورت مع الزمن فأصبحت أكثر تأثرًا بالواقع والأحداث الجارية، وإنه يبدو أن «ما ننكوي به نحلم به».
لقد تعاقدت «دار الشروق» مع نجيب محفوظ على نشر الجزء الأول من الأحلام في أوائل عام ٢٠٠٥ وأصدرته في طبعة أنيقة صغيرة تضم ٢٣٩ حلمًا، وعندما ذهبت بنفسي لأقدم نُسخًا من طبعتها الأولى له فوجئت بفرحته العفوية بالكتاب وكأنه كاتب جديد يرى أول نسخة لأول كتاب يُنشر له، أو كأنه يرى أهم وأجمل ما كتبه في حياته.
وفي ربيع ٢٠٠٥ تكرَّم أستاذنا الجليل بالاتصال بي متسائلًا بتواضع وود محفوظي مُحبب: «هل تقبل «دار الشروق» أن تنشر كتبي؟ علمًا بأن بعض الناشرين والنقاد يؤكدون أن كتبي أصبحت لا تبيع ولا يُقبَل على قراءتها»! أذهلتني ثلاثة أمور: الأدب الرفيع والتواضع الفريد في حديثه لدرجة تعجز عن التعامل أو التصديق، والأمر الثاني السعادة بالخبر البديع؛ نجيب محفوظ يعهد لنا بنشر كل أعماله وبمبادرة وطلب منه شخصيًّا! ثم ادعاء البعض بانخفاض البيع وانصراف القراء والنقاد... قاطعته مؤكدًا سعادتنا وترحيبنا البالغ الصادق الواعي من جهة، وتأكيدنا أننا نرى أن نجاح كُتبه، وإدراك قيمته، ومعدلات قراءته ونقده... ستزداد مع الزمن، وسترتفع مع ارتفاع الثقافة واتساع وتحسين التعليم، وزيادة قِيَم العدالة والحرية وحقوق الإنسان، كما كان يحلم ويأمل ويتنبأ، في كل كتاباته وأحلامه وأحاديثه..
لقد رأيت بعينَيَّ الكاتب العالمي الشهير «باولو كويلو» عندما اصطحبته لزيارة محفوظ في عام ٢٠٠٥ ينقضَّ – فور دخولنا من باب البيت – على يد محفوظ مُقبلًا «اليد التي علَّمته وألهمته وأنارت له طريق الأدب والإبداع والإنسانية».
لقد استمتع قُراء أكثر من ٤٠ لغة بأدب نجيب محفوظ مُترجَمًا لهم، وكانت جائزة نوبل اعترافًا وتقديرًا عالميًّا في سياقٍ أهم هو محبة واحترام القُراء والنقاد في العالم؛ وهي الجائزة الأهم والأكبر والأبقى.
وعندما اختيرت الثقافة العربية كضيف شرف لمعرض فرانكفورت، أكبر وأهم معارض الكتاب في العالم عام ٢٠٠٤، أصرت اللجنة الدولية المنظِّمة أن يكتب نجيب محفوظ – لا غيره – رسالة الثقافة العربية لناشري وأدباء ومثقفي العالم أجمع، وأبلغوني كما أبلغني عدد من أكبر ناشري العالم أنهم لم يستمتعوا بقراءة ويُعجَبوا بروعة أدب نجيب محفوظ فقط، بل إنهم تعلموا من بحار إنسانيته الرحبة.
إننا نعتقد أن في كنز أحلام نجيب محفوظ الأخيرة الذي نشرف بتقديمه اليوم خلاصة تجربته وجوهر أدبه وفلسفته وإبداعه الرفيع وإنسانيته السامية، آملين أن يستمتع القراء بقراءتها وأن ينهلوا من حِكمتها ومعانيها وأبعادها، وأن تلقى ما تستحق من اهتمام وتحليل الباحثين والدارسين والنقاد، وأن نصدر منها كما أصدرنا من باقي كُتبه طبعات وطبعات، وأن تُترجَم لأكبر عدد من اللغات لتثري مكتبة الأدب وثقافة الإنسان.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك