حددت دراسة أمنية إسرائيلية 4 بدائل "قاتمة" أمام تل أبيب للتعامل مع قطاع غزة، تمثلت في حكم عسكري مطول أو تهجير أو إقامة حكم فلسطيني معتدل أو بقاء الوضع القائم.
وقال معهد دراسات الأمن الإسرائيلي (غير حكومي) في دراسة بعنوان "البدائل الاستراتيجية لقطاع غزة" حصلت الأناضول على نسخة منها: "بعد مرور عام ونصف تقريبًا على الحرب في قطاع غزة، تقف إسرائيل عند مفترق طرق، وعليها صياغة استراتيجية مناسبة لمستقبل القطاع".
وأعد الدراسة الباحث في معهد دراسات الأمن القومي عوفير غوترمان الذي عمل سابقا محللا أول في جهاز الاستخبارات الدفاعية الإسرائيلي.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 168 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 11 ألف مفقود، وتفرض حصارا مطبقا على جميع الإمدادات والمساعدات الإنسانية ما تسبب بمجاعة قاسية.
** بدائل قاتمة
الدراسة ترى أن إسرائيل "تواجهها مجموعة من البدائل القاتمة، جميعها إشكالية في آثارها وجدواها وهي: تشجيع الهجرة الطوعية (قسرية في حقيقتها) وهو خيار لم تُدرس عواقبه الاستراتيجية بدقة في إسرائيل، وإمكانية تحقيقه ضعيفة".
وأضافت عن البديل الثاني: "احتلال القطاع وفرض حكم عسكري مطول، مع أن ذلك قد يُضعف حماس بشدة إلا أنه لا يضمن القضاء عليها، وينطوي على خطر تعريض الرهائن (الأسرى) الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس للخطر، وتكبد تكاليف باهظة أخرى طويلة الأجل".
وتابعت عن البديل الثالث: "إقامة حكم فلسطيني معتدل في القطاع بدعم دولي وعربي، وهو خيار تكاليفه على إسرائيل منخفضة، لكنه يفتقر حاليًا إلى آلية فعالة لنزع سلاح القطاع وتفكيك قدرات حماس العسكرية؛ وأخيرًا، احتمال فشل مبادرات الاستقرار السياسي والعسكري، مما يترك حماس في السلطة".
كما أشارت إلى البديل الرابع وهو "استمرار الوضع الراهن، وينبع هذا البديل أساسا من واقع تمتنع فيه إسرائيل عن الترويج لمبادرات عسكرية أو سياسية في قطاع غزة، أو تفشل في المبادرات التي تسعى إلى تنفيذها".
وقال غوترمان: "صممت قائمة البدائل الاستراتيجية لقطاع غزة من خلال دراسة استقصائية شاملة لمختلف الخيارات المطروحة في الخطاب الإسرائيلي والعربي والدولي، سواءً مبادرات عملية طرحتها جهات رسمية أو اقتراحات من معاهد بحثية ومحللين، وبالتالي يمكن تصنيف جميع المقترحات والمبادرات إلى أربعة بدائل رئيسية".
** استراتيجية ثنائية الأبعاد
وتوصي الدراسة "بتنفيذ استراتيجية ثنائية الأبعاد تجمع بين العمل العسكري والسياسي: جهد عسكري مكثف ومتواصل، لا يهدف فقط إلى تقويض حماس وقدراتها، بل أيضًا إلى إرساء أسس استقرار بديل حاكم لحماس؛ وبالتوازي مع ذلك، مبادرة سياسية لبناء بديل حاكم معتدل تدريجيًا في قطاع غزة، من شأنه أيضا دعم وتسريع نجاح الجهد العسكري".
ورأت الدراسة أن هذه الاستراتيجية "تتطلب تعاونا وثيقا مع الدول العربية، وينبغي أن تكون جزءا من اتفاق إقليمي يشمل التطبيع مع المملكة العربية السعودية وخطوات نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي".
وقالت: "بالنسبة للفلسطينيين، فإن الأفق السياسي المتوخى في هذه الاستراتيجية هو أفق استقلال وسيادة محدودان".
وتابعت: "أما بالنسبة لإسرائيل، فتحافظ الخطة على الحرية الأمنية والعملياتية والجهود المستمرة للقضاء على حماس وإحباط التهديدات الناشئة في القطاع، من خلال مزيج من التدابير العسكرية والاقتصادية والقانونية والسياسية".
واعتبرت الدراسة أن "هذه الاستراتيجية المقترحة أكثر تعقيدًا في التنفيذ مقارنةً بالبدائل أحادية البعد التي تُناقش حاليًا في إسرائيل، ولكنها واقعية من حيث جدواها العملية، وعلى النقيض من البدائل الأخرى".
وقالت: "فهي تمتلك القدرة على تشكيل قطاع غزة ضمن منظور واسع من المصالح الوطنية، ومن خلال إدارة أكثر ذكاء وتوازناً للمخاطر والموارد: موازنة المخاطر والاحتياجات الأمنية في غزة وغيرها من الساحات، والاستفادة من الفرصة السياسية لإنهاء الصراع الإسرائيلي العربي وإنشاء تحالف إقليمي من شأنه أن يحسن تاريخيا الموقف الاستراتيجي لإسرائيل، مع الأخذ في الاعتبار الآثار العميقة لقضية غزة على اقتصاد إسرائيل وسياساتها ومجتمعها".
** حماس متجذرة بعمق في غزة
ولفتت الدراسة إلى أن "من المهم الإدراك أن حماس ليست ظاهرة خارجية أو جديدة أو عابرة في التجربة الفلسطينية - خاصة بقطاع غزة - بل هي متجذرة بعمق وجوهر فيه".
وقالت: "وُلدت حماس في قطاع غزة؛ وأعضاؤها محليون، لا يعملون من خلال شبكات تنظيمية فحسب، بل أيضا من خلال شبكات عائلية".
وأشارت إلى أنه "على مدار عقود من وجودها نجحت حماس بترسيخ وعيها السياسي الديني والقومي في المجتمع الفلسطيني من خلال نشاط مكثف في جميع مجالات الحياة".
وأضافت الدراسة: "إن الجيل الذي نشأ في قطاع غزة على مدى العقدين الماضيين لا يعرف بديلاً لحماس".
واعتبرت أن "الوضع المدني في قطاع غزة غير قابل للاستمرار دون إعادة إعمار واسعة النطاق، لكن مستقبل إعادة الإعمار غير واضح".
وقالت: "الدمار المادي والبنية التحتية السكنية: حجم الدمار المدني في قطاع غزة هائل".
ورأت الدراسة أن "إسرائيل قادرة على قمع حماس في غزة بالوسائل العسكرية وحدها، لكنها لن تقضي عليها".
وفي بداية الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بقطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، حددت حكومة بنيامين نتنياهو 3 أهداف لها وهي، القضاء على "حماس" عسكريا وسلطويا، وإعادة الأسرى الإسرائيليين، وضمان ألا تشكل غزة تهديدا في المستقبل.
وتقول المعارضة الإسرائيلية إن حكومة نتنياهو لم تنجح بالحرب ولا تملك استراتيجية لليوم التالي لها.