صبيحة يوم 22 أكتوبر من عام 2021، كان الشاعر الشعبي العراقي الشهير سمير صبيح على موعد مع القدر، حين سقطت سيارته في حفرة واسعة تتوسط أحد "طرق الموت" في بلاد الرافدين.
وتوفى صبيح، الحاصل على عدة جوائز أدبية، إثر الحادث الذي وقع على الطريق بين بغداد وواسط التي تبعد نحو 180 كيلومتراعن العاصمة من جهة الجنوب.
ويُعد طريق بغداد-واسط واحدا من أكثر الطرق خطورة وتسببا في الحوادث ضمن طرق باتت تُعرف باسم "طرق الموت"، إذ تقع عليها حوادث مرورية تودي بحياة الآلاف سنويا، وسط اتهامات للسلطات بالإهمال والفساد الإداري فيما يتعلق بصيانة الطرق.
ووفقا لإحصائية صادرة عن وزارة التخطيط العراقية، لقي 3021 شخصا حتفهم في حوادث مرورية في عام 2022، أي بمعدل ثماني ضحايا يوميا.
وأشارت الإحصائية إلى وقوع 11523 حادثا مروريا العام الماضي بزيادة ثمانية في المئة عن سنة 2021. ويفوق هذا الرقم كثيرا عدد ضحايا العنف والإرهاب في العراق.
يقول علي حميد (44 عاما) إنه كاد أن يفقد حياته قبل أيام حينما كان يقود سيارته من محافظة واسط باتجاه ذي قار الواقعة على بعد 360 كيلومترا جنوبي بغداد ثم فوجئ بحفرة كبيرة تسببت في انفجار أحد إطاراتها، ويضيف "نجوت من موت مؤكد".
ومضى قائلا لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "تمكنت من السيطرة على السيارة وتجنبت انقلابها بأعجوبة"، وحمّل الجهات المعنية والحكومات المحلية مسؤولية المخاطر التي تواجه قائدي السيارات، لا سيما قائدي سيارات الأجرة الذين يمرون عليها يوميا، "ما يجعلهم أكثر عرضة للموت كل يوم".
وبيده السليمة يتلمسّ يده الأخرى الملفوفة بقماش أبيض معلّق إلى عنقه، ويقول شاكيا "رداءة هذه الطرق لا تنحصر في المخاطر على حياة الإنسان فحسب، بل تؤدي إلى خسائر اقتصادية يتحملها السائقون".
وأضاف "هذه الشوارع غير صالحة للسير وتؤدي إلى إهلاك أجزاء السيارات بشكل أسرع... لقد استبدلت طقم الإطارات خلال شهرين، وها هي عادت لتنفجر مرة أخرى".
* إهمال وفساد إداري
رياض أحمد (33 عاما) من بين المتضررين من سوء حالة الطرق، فقد أصيب بإعاقة دائمة في قدمه وفقد شقيقه في حادث على الطريق بين محافظتين جنوبيتين.
وهو أيضا يحمّل السلطات مسؤولية حوادث الطرق والوفيات الناجمة عنها بسبب ما سماه "الإهمال والفساد الإداري" اللذين يعطلان مشاريع الطرق الخارجية، وهي تلك الواقعة خارج حدود البلديات وتربط بين محافظات العراق وبينه وبين الدول المجاورة.
وأضاف أن السلطات المحلية "لا تهتم بأرواح الناس، فهي لا تعني لها شيئا... قضية صيانة الطرق الخارجية أصبحت عملية تجارية ودعاية مدفوعة الأجر".
ويشير إلى قرارات السلطات المحلية بإزالة الأسفلت عن بعض الطرق على أساس إصلاحها وصيانتها ثم تركها على هذا الحال دون إصلاح لفترات طويلة.
ويؤكد باقر الساعدي، عضو لجنة الخدمات في مجلس النواب العراقي، أن عمليات فساد تشوب العديد من مشاريع الطرق الخارجية، ويضيف "المسؤولون على تنفيذ المشاريع غير مكترثين بعدد الأرواح التي أزهقت نتيجة الخلل الموجود في الطرق الخارجية التي تفتقد إلى أي مقومات للإرشاد والسلامة وأغلبها من دون إنارة وعلامات تحذيرية".
وأقر في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي بأن تلك الشوارع باتت "مصيدة للناس"، مؤكدا أن لجنته ستتابع مسألة صيانة الطرق الخارجية والوصول إلى الجهات المقصرة ومحاسبتها.
* مشكلة قديمة
خلال الفترة من عام 2014 وحتى نهاية عام 2019، توقفت غالبية مشاريع الطرق والجسور في العراق لأسباب تتعلق بسياسة التقشف التي أعلنتها حكومة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي بسبب الحرب على تنظيم داعش والهبوط الحاد في أسعار النفط والذي عجزت معه الحكومة عن تأمين رواتب موظفيها، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي عانى منها العراق في عام 2020.
وتُعد مسألة تطوير وصيانة طرق العاصمة بغداد، بالإضافة إلى الطرق الخارجية، من المسائل القديمة، ولطالما طالب المواطنون بتنفيذها.
وفي العقدين الأخيرين، دخلت ملايين السيارات العراق من دون أية توسعة في شبكة الطرق والجسور ولا أي تحديث لوسائل النقل العام، ووسط قطع مستمر للعديد من الطرق الرئيسية والفرعية لأسباب مختلفة منها الأحداث الأمنية ومنها التجاوزات عليها أو تحويل بعضها لأماكن وقوف للسيارات.
غير أن علي الهماشي مدير ناحية سيد الشهداء في محافظة واسط، والتي كثيرا ما تشهد حوادث، يؤكد أن الأمر لا يتعلق برداءة الطرق الخارجية، مؤكدا صيانتها بشكل دوري وإنارتها، "وإنما بسبب السرعة الفائقة وعدم وجود نظام محدد للسير، إضافة إلى غفلة السائقين ونومهم أحيانا. كلها أسباب مباشرة في الحوادث المسجلة".
وعن الحفر الموجودة على الطرق بين بغداد وواسط، قال إن إصلاحها يتوقف على إطلاق مخصصات الموازنة المالية، "فهي لغاية الآن لم تُصرف".
وأكد أن كل الخطط والكشوفات جاهزة "لكننا ننتظر وصول الأموال للمباشرة بها".
وفي ذي قار، أكد نائب المحافظ عباس جابر أن المحافظة تعمل على الحد من الحوادث المرورية الناجمة عن مشاكل الطرق الخارجية التي تربط المحافظات الجنوبية، مضيفا "العمل يجري على قدم وساق من أجل إتمام مشاريع الصيانة".
وأضاف "الحكومة المحلية في ذي قار تنتظر وصول الموازنة والتخصيصات المالية للمحافظة للمضي نحو إتمام إصلاح هذه الطرق، والتأخير الذي حصل خلال الفترة الماضية كان بسبب قلة التخصيصات المالية من قبل الحكومة المركزية".