نبيل فهمي يكتب: التوجهات الخارجية للناخب والرئيس الأمريكي ترامب - بوابة الشروق
الإثنين 25 نوفمبر 2024 8:50 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمي يكتب: التوجهات الخارجية للناخب والرئيس الأمريكي ترامب

نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق
نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق

نشر في: الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 6:24 م | آخر تحديث: الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 6:24 م

هناك اجتهاد كبير من السياسيين والمحللين والإعلاميين لفهم نتيجة الانتخابات الأمريكية، وتقدير المواقف والسياسات الأمريكية الخارجية القادمة، بعد فوز دونالد ترامب بسباق الرئاسة فى ٥ نوفمبر، ومن الطبيعى أن يحدث ذلك، نظرا لقوة أمريكا سياسيا وعسكريا، وثرائها الاقتصادى والمادى، وتأثر غالبية الدول بقراراتها إيجابا وسلبا.

 


وسعيا لاستيضاح بعض خصوصيات الانتخابات ومعرفة التوجهات السياسية القادمة تشاورت مع شخصيات لها دور فعال ومؤثر فى الخريطة السياسية الأمريكية، واستفسرت منهم عن أسباب عدم اهتمام المنتخبين بالتطورات الدولية عامة، والتنوع الواسع فى خلفية المتقدمين للفوز بترشيح الحزب الديمقراطى والجمهورى، ثم انتهاء أغلب هذه السباقات لصالح مرشحين تقليديين على يمين ويسار الوسط السياسى، وبين الحين والآخر حصول شخصية غير تقليدية بالترشيح والجائزة وبالجائزة الكبرى وهو منصب الرئيس على غرار فوز الممثل السابق رونالد ريجان عام ١٩٨١ ودونالد ترامب عام ٢٠١٦ و٢٠٢٤.
وكان أفضل رد وصلنى هو أن المنظومة الانتخابية مستقرة وناجحة، وإنما لها وضعية خاصة، لأنها تخص دولة عظمى وإنما تحسم وفقا لمنظور واعتبارات شخصية ومحلية، وليست معصومة من المفاجآت، أو حتى من الأخطاء أو ما يبدو غير منطقى.
الشرح المصاحب لذلك كان أن الساحة المجتمعية الوطنية واسعة إنما دائرة اهتمام الناخب محدودة للغاية، لذا هناك نتائج تبدو غريبة، منها فوز مرشح مدان قضائيا ومهدد بإحكام حيز النفاذ، وذلك نتيجة لغضب عدد كبير من الناخبين الأمريكيين من إغفال النخبة السياسية والاقتصادية لمصالحهم، مما خلق طبقة غاضبة متنوعة ومتنامية رجحت دونالد ترامب مرتين، وبعد إدانته بالحصول على ٣١٢ مقعدا بالمجمع الانتخابى بالإضافة إلى أغلبية مطلقة فى التصويت المباشر، على غير المعتاد للحزب الجمهورى.
أمريكا قارة شاسعة وفيرة فى خياراتها وقاسية فى تحدياتها، تختلف التوجهات المجتمعية بين ولاية وأخرى، ورؤية مواطنى السواحل غير رؤية الوسط الأمريكى، ولا علاقة لهم بالاهتمامات الدولية، إلا إذا أثرت عليهم مباشرة، خاصة ويتبنى المجتمع فلسفة المصلحة الشخصية كنمط حياة، لذا يصوت الناخبون وفقا لرؤية محلية دون حتى المستوى الإقليمي، ولا علاقة لها بالأوضاع الدولية رغم أنها دولة عظمى، ويحسم قرار الناخبين لصالح من يعتقدون أنه يستجيب لاهتمامهم الشخصى الرئيسى، وهو الاقتصاد فى أغلب الأحيان، أو مخاوفهم المباشرة، كان ذلك الحرب أحد دوافع فوز أوباما بعد غزوات جورج بوش الابن، أو القلق من المهاجرين غير الشرعيين على رأس قضايا ترامب.
وأكد لى كثيرون أنه من الطبيعى أن يفاجئه المجتمع الدولى بالنتيجة بين الحين والآخر، لأن الأحزاب الأمريكية الرئيسية نفسها أخطأت كثيرا فى قراءة التحولات المجتمعية، رغم أنها تتم بشكل متدرج على مدى طويل.
وفى إطار التأمل والتشاور حول ما هو قادم، يجب التنويه أن السياسات الخارجية الأمريكية تشهد تحولا نحو الانكماش والانعزالية التدريجية عبر عقدين من الزمن، والابتعاد عن دور ومسئولية الدول العظمي، والتركيز على المصلحة الوطنية فحسب.
لم يعاد الناخب الأمريكى الآن مرحبا بتحمل بلاده مسئوليات خارجية مكلفة، وهو نفس موقف ترامب، وقطع وأصر بعض المحللين أن جميع القضايا الخارجية دون استثناء ستتأثر بذلك، بما فى ذلك أقرب الأصدقاء، وعند متابعتى للأسئلة مع البعض كان الرد أن كل شئ نسبة وتناسب، إنما يخطئ من يتصور أن سياسة دفاتر الشيكات المفتوح ماليا وسياسيا وعسكريا ستظل مستمرة، أو أن الولايات المتحدة ستتابع عن قرب لكافة القضايا، لأن صبر الناخب الأمريكى نفذ ولم يعد يهتم بالأمور الخارجية على غرار مرحلة الحرب الباردة.
قد يستغرب البعض هذه الآراء، رغم أن هناك شواهد عديدة منذ غزو العراق أن أمريكا ديمقراطية وجمهورية كانت تسعى للانسحاب من الحروب الممتدة، وآخر هذه الخطوات كانت انسحاب بايدن من أفغانستان، ومع اختلاف مواقفهم تجاه إيران، لم يلجأ بايدن أو من قبله ترامب إلى استخدام القوة العسكرية ضدها إلا فى حالات استثنائية وكان ذلك عن بعد.
ويمكن إيجاز إطار الفلسفة الخارجية المتوقعة من ترامب فى عناوين محدودة، أولهما: الالتزام بسياسات خالية من الأيديولوجية، وتستهدف تحقيق عوائد مباشرة وقصيرة الأجل للولايات المتحدة ورصيده السياسى الشخصى.
ثانيهما: أن يكون إطار العلاقات أقرب إلى ما يسمى الاقتصاد الجغرافى بدلا من الجغرافية السياسية على غرار من سبقوه، أى أن الأولوية فى حساباته للعائد والأثر الاقتصادى.
ثالثهما: عدم تحبيذ الاستخدام الواسع للقوة العسكرية الأمريكية أو غيرها، باعتبار أن الحرب تحمل فى طياتها مفاجآت غير منظورة وتخل بحساباته العملية كرجل أعمال.
رابعهما: أن قراراته تستند إلى الواقعية والبراجماتية والغالب والمغلوب، غير مرتبطة على الإطلاق بالحق والباطل أو بالاعتبارات التاريخية.
وفى سياق هذه المبادئ صدر تصريح سريع من أحد مستشارى ترامب عقب الانتخابات أنهم سينقلون رسالة صريحة لأوكرانيا بإن الحل ليس فى استعادة أراض احتلت وإنما فى الاتفاق على ترتيبات أمنية ملاءمة، وبرز أيضا أن أغلبية انتقادات ترامب للصين تنصب أساساً على سياساتها الاقتصادية.
وسبق أن صرح ترامب أن على نتنياهو اتخاذ الإجراءات لحسم الأمور، دون أن يوضح إذا كان المقصود استخدام مزيد من القوة أو وقف العمليات العسكرية على ما هى عليه، ونشرت أخبار أنه بلغ نتنياهو أنه لا يود أن يبدأ ولايته الجديدة فى يناير بهذه القضايا الساخنة، وهناك تسريبات عن اقتراب التوصل إلى وقف اطلاق للنار واستقراره فى لبنان، الأمر الذى يصعب تحقيقه مع إغفال حزب الله وارتباطها لإيران، وصرح نتنياهو أنه تحدث مع ترامب أكثر من مرة بعد انتخابه، وأن هناك تناغم تام فى المواقف، وفسر ذلك بأنه يرتبط بالخطر الإيرانى.
الأشهر الأخيرة من ٢٠٢٤ ستكون مليئة بالأحداث الهامة والمؤثرة على أمن واستقرار ومستقبل الشرق الأوسط، وحاسمة فى تحديد نبرة العام القادم وتطوراته، فى ظل توجهات سياسة أمريكية أكثر انعزالية وانكماشية.


وزير خارجية مصر الأسبق.

نقلا عن إندبندنت عربية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك