«كل ما يجب أن تعرفه عن ش».. مزيج الفانتازيا وقضايا الواقع بأسلوب ساحر لأحمد الفخرانى - بوابة الشروق
الأربعاء 29 يناير 2025 2:13 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

«كل ما يجب أن تعرفه عن ش».. مزيج الفانتازيا وقضايا الواقع بأسلوب ساحر لأحمد الفخرانى

أسماء سعد:
نشر في: الأحد 26 يناير 2025 - 10:03 م | آخر تحديث: الأحد 26 يناير 2025 - 10:03 م

• تصعيد مشوق يناسب صراعات أبطال قصص أحمد الفخرانى وكفاحهم ضد المجهول

نصوص بديعة، نسجها الكاتب أحمد الفخرانى بمهارة على حدود الواقع والخيال، فى مزيج يجمع بين الفانتازيا والمواقف اليومية المألوفة، وذلك ضمن كتاب «كل ما يجب أن تعرفه عن ش»، والصادر عن دار الشروق، حيث تتنقل القصص بسلاسة بين أحداث مثيرة، مثل قصة رجل يعيش فى الجنة، وسيارة عجيبة تتحول إلى بساط الريح، وحجر سحرى قادر على محو ما يعكر صفو صاحبه.

يعتمد الفخرانى فى صياغة نصوصه على تصعيد درامى مشوّق، مُستخدِمًا إيقاعًا سريعًا فى الحوارات وتفاصيل تُبقى القارئ مشدوهًا بين صفحات الكتاب، بين شخصية ابتليت بشغف الحديث المتواصل، وسائق يدعى حسن يبحث عن وجهة مجهولة، وبين أحياء مثل الحى السويسرى وحدائق جنة عدن، تشدّ النصوص القارئ بسحرها. ورغم نزعة الفانتازيا التى تطبع بعض الحكايات، تظل الشخصيات مشدودة إلى قضايا الواقع، تعيش حالة من التأمل الوجودى الدائم، تسأل نفسها مرارًا: «كيف سيكون الأمر لو؟».

نستلهم من أجواء الكتاب إشارات تعكس جوهره العميق، حيث نجد البطل «ش» يعيش حلمًا لطالما راوده منذ الطفولة؛ أن يكون ساحرًا، سواء ذلك الساحر التقليدى الذى ينبثق أرنبٌ من قبعته فى أعياد الميلاد، أو ساحرًا أسطوريًا بحجم ديفيد كوبرفيلد، الذى تمكن من إخفاء تمثال الحرية واختراق سور الصين العظيم. حلمه هذا لم يكن مجرد ترفٍ خيالي، بل تشكّل عبر شذرات برامج التلفزيون المصرى، التى بدت كمخطط دقيق لتشكيل المواطن المثالى، المتدرب على أداء واحد لا يتغير. لكن الحذر واجب، فـ«ش» الذى يعقد الصداقات بسهولة كأنه يتنفس، يهدمها بيدٍ ثابتة لا ترتجف، إذ يعكف بين حين وآخر على مراجعة قائمة معارفه، ويطرح على نفسه سؤالًا حاسمًا: «من الذى علىّ أن أستغنى عنه لأن وجوده بات مصدرًا للملل؟».

يرسم الفخرانى صورة بطله «ش» كرجل فى منتصف الأربعينيات، تمامًا كحال معظم شخصيات المجموعة الذين يشتركون فى هذا العمر، حيث يتخذ الكاتب من منتصف العمر ذريعةً للتنقيب فى تفاصيل حياتهم الرتيبة، ومواجهة تراكمات الغضب والخيبات التى تفجرت فى توقيتات خاطئة. يتجلى ذلك فى قصة «ضى الماس»، حيث يصف الراوى حال بطلها، فرج، قائلًا: «هو لا يشعر بالحقد على أحد، بل بخذلان عميق، ينهش روحه بثقبٍ غائر، ليخلّف وراءه غضبًا عابرًا يظهر فى لحظات غير ملائمة، يُصوَّب إلى الأشخاص الخطأ، ما يكلّفه خسائر فادحة».

يحمل أبطال المجموعة على كاهلهم إرثًا من الأخطاء المتراكمة، ما يجعلهم يعيشون فى حالة ترقب دائم، ينتظرون عقابًا أو عزاءً مجهول المصدر، حتى لو جاء فى صورة وهمية بحتة. ففى إحدى القصص، يرتبط البطل عاطفيًا بحساب افتراضى لفتاة مجهولة، يخيّل إليه أنها «ملاكه الحارس»، غير أن عالمه ينهار عند اختفائها الرقمى المفاجئ.

أما الجانب الآخر من شخصيات المجموعة، فيحتفظ كل منهم بذكريات عن لحظات اعتبروها «ثورية» فى حياتهم، وكأن سردياتهم الشخصية تشكّل لوحة مجتمعية تعكس احتجاجًا كامنًا تحت طبقات من الزيف الاجتماعى، والسخرية من الذات، وحتى محاولات صناعة أساطير شخصية تملأ فراغ تساؤلاتهم عن واقع مبهم. فى «حكاية الرجل الذى أصيب بشهوة الكلام»، نتابع رحلة بطل يسعى لتوثيق اللحظة التى كسر فيها حاجز الصمت الطويل، حيث ينشئ جدارًا معنويًا يفصل بين ماضيه الصامت وحاضره الملىء بالكلام. فى مشهد درامى، يجمع أفراد أسرته الصغيرة ليعلن بداية عهد جديد من الحديث المتواصل حول كل شىء؛ من أحوال الطقس إلى الرياضة والأدب، حتى تنقلب حياته رأسًا على عقب، وتصبح شراهته للكلام عبئًا يُبعده عن الجميع، فيعيش صراعًا بين الخرس والكلام وكأنها ثنائية أزلية بين التمرد والاستسلام.

يتفرد الفخرانى بأسلوب ساحر على مستوى السرد، مستخدما الكثير من الطرق والألاعيب اللغوية والذهنية التى تبقى القارئ فى حالة رغبة مستمرة فى مسايرة الإيقاع السريع لنصوصه وأفكاره، بما قطع الطريق على أى من لحظات الملل أو التشتت، ونعاين ذلك فى المقتطف التالى:

«تمنى لو استُبدل ملكا الثواب والعقاب بجوقة موسيقيين ترافق خطوات الإنسان كظل يخفف هجير الدنيا القاسى، يجب ألا تتوقف تلك الجوقة، ولو لحظة واحدة عن العزف، يكفيه أحيانا عواد واحد، شيطانى وبسيط كبليغ حمدى، لو حدث هذا ربما ارتفع عنا نير ثقيل، وشعر كل واحد منا أن وجوده ذاته هو سبب كاف للاحتفاء وإقامة حفل دائم، شىء أكبر من النتائج الكارثية لخياراتنا وأفعالنا، من عجلة الزمن، من الصواب والخطأ، الربح والخسارة، لكنه لم يعرف إلى من يتقدم باقتراحه، وشك أن أحد الملكين قد سجله، فهو يعلم ألاعيب الموظفين عندما يهددهم خطر ما»، وذلك ضمن قصة «معطف المعجزات».

فى هذه المجموعة القصصية، يبرز الفخرانى قدرته على رسم مواجهات ذهنية ونفسية عميقة لأبطاله، محاطًا بأجواء من الغرائبية التى تُضفى على السرد طابعًا نقديًا وساخرًا. هذه الفانتازيا لا تأتى كعنصر زخرفى، بل تعكس أبعادًا فلسفية وقدرية تتشابك مع تأملات الأبطال فى مشاهد حياتهم. بذلك، تصبح القصص مرآة تعكس هشاشة الواقع وقسوته، من خلال عدسة سخرية تجمع بين الفكاهة والمرارة.


صور متعلقة


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك