المكتبة الإسلامية (28).. في منزل الوحي: رؤية محمد حسين هيكل للحياة في مكة والمدينة - بوابة الشروق
الإثنين 31 مارس 2025 3:07 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المكتبة الإسلامية (28).. في منزل الوحي: رؤية محمد حسين هيكل للحياة في مكة والمدينة

محمد حسين
نشر في: الجمعة 28 مارس 2025 - 5:45 م | آخر تحديث: الجمعة 28 مارس 2025 - 5:45 م

اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صل الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صل الله عليه وسلم-.

وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية.

وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.

الحلقة الثامنة والعشرون..

محمد حسين هيكل.. بين الفكر والسياسة

محمد حسين هيكل هو واحد من أبرز المفكرين والأدباء في مصر والعالم العربي، جمع بين الأدب والصحافة والتاريخ والسياسة، وكان من أوائل من قدموا السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بأسلوب يجمع بين التحليل العميق والسرد الشائق، كما أنه صاحب أول رواية عربية حديثة باعتراف النقاد، مما جعله رائدًا في مجال الأدب العربي الحديث.

وُلد هيكل عام 1888 بمحافظة الدقهلية في أسرة ميسورة الحال، التحق في صغره بالكتَّاب، ثم انتقل إلى مدرسة الجمالية الابتدائية، وأكمل تعليمه في مدرسة الخديوية الثانوية.

في عام 1909، التحق بمدرسة الحقوق المصرية، وبعد تخرجه، سافر إلى فرنسا ليحصل على درجة الدكتوراه في القانون، ما منحه رؤية أكثر عمقًا للفكر والثقافة الغربية.

عاد إلى مصر عام 1912، وبدأ العمل في الصحافة، حيث أصبح أحد أبرز الصحافيين حتى عام 1917، وبعد ذلك، انتقل إلى التدريس الجامعي لكنه لم يجد نفسه في العمل الأكاديمي، فتركه عام 1922، وقرر التفرغ للسياسة والصحافة.


انضم إلى حزب الأحرار الدستوريين، وكان عضوًا بارزًا في إدارته، ثم أصبح رئيسًا للحزب فيما بعد، كما تولى رئاسة تحرير جريدة "السياسة"، التي كانت صوت الحزب ومنبرًا للأفكار الإصلاحية.

-تجربة في منزل الوحي

حين قرر المفكر محمد حسين هيكل شد الرحال إلى الحجاز عام 1930، لم تكن رحلته مجرد زيارة عابرة، بل كانت تجربة غيرت نظرته إلى الإسلام، وأثرت بعمق في فكره وأدبه، ومن رحم هذه الرحلة، ولد كتابه الشهير "في منزل الوحي"، الذي لم يكن مجرد تأريخ للسيرة النبوية، بل تأمل شخصي عميق، امتزج فيه الانبهار الروحي بالتحليل العقلاني، في رؤية حديثة قلما نجد لها مثيلًا في كتب السيرة.

-بين مكة والمدينة: مشاهد من أرض النبوة

يبدأ هيكل رحلته من مكة، حيث يرسم لنا صورة نابضة للحياة في المدينة المقدسة، ما بين أسواقها، وشوارعها، والمسجد الحرام الذي تجذب إليه القلوب من كل فج، حيث تتلاقى الإنسانية على صعيد واحد، لكنه لا يكتفي بوصف المكان، بل يغوص في تجربة الحج، متأملًا مشاعر السكينة والرهبة التي تملأ النفوس عند رؤية الكعبة والطواف حولها.

ثم ينتقل إلى المدينة المنورة، حيث كان المشهد مختلف تمامًا، فهنا الهدوء والسكينة تظلل المكان، وعند زيارته للمسجد النبوي، تتجلى لديه معاني النبوة، ويشعر أن هذا المكان لا يزال يحتفظ بعبق الرسالة التي انطلقت منه قبل أكثر من 1300 عام، وهناك، يقف عند قبر النبي محمد، لا كمجرد زائر، بل كمفكر يتأمل في أثر هذا الرجل الذي غير مجرى التاريخ.

-قراءة جديدة للسيرة النبوية

ما يميز "في منزل الوحي" أنه لم يعالج السيرة النبوية بطريقة تقليدية، بل نظر إليها من زاوية حديثة، تجمع بين المنهج العقلي والرؤية الوجدانية، لم يكتفِ بسرد الأحداث، بل سعى إلى فهم الظروف الاجتماعية والسياسية التي أحاطت بالدعوة الإسلامية، وكيف استطاع النبي محمد بشخصيته الفريدة، أن يحدث هذا التغيير العميق في جزيرة العرب.

لقد كان هيكل متأثرًا بالثقافة الغربية بحكم دراسته في فرنسا، لكنه وجد في رحلته هذه إجابة على تساؤلات ظلت تراوده طويلًا، فخرج بكتاب لا يخاطب فقط القارئ المسلم، بل يخاطب أيضًا العقل الباحث عن الفهم العميق بعيدًا عن الأساليب الوعظية التقليدية.

-لماذا يبقى في منزل الوحي كتابًا مهمًا؟

بعد مرور أكثر من 90 عامًا على صدوره، لا يزال هذا الكتاب نموذجًا مميزًا في كتابة السيرة بأسلوب حديث يجمع بين الأدب والتأمل والتوثيق، إنه ليس مجرد كتاب عن السيرة، بل هو رحلة وجدانية وعقلية يعيشها القارئ، فيتعرف إلى مكة والمدينة كما رآهما هيكل، ويتأمل في السيرة النبوية بمنظور مختلف.

وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية..



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك