عماد أبو غازى يرصد تاريخًا من نضال مصر فى كتاب «مصطفى النحاس.. مذكرات النفى» - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أبريل 2025 12:02 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

عماد أبو غازى يرصد تاريخًا من نضال مصر فى كتاب «مصطفى النحاس.. مذكرات النفى»

شيماء شناوى:
نشر في: السبت 28 ديسمبر 2019 - 10:04 ص | آخر تحديث: السبت 28 ديسمبر 2019 - 10:04 ص

حمل «النحاس» راية النضال الوطنى والديمقراطى رئيسًا لحزب الأغلبية فى ظروف حصار مستمر للحياة النيابية المصرية
جنازة «النحاس» كانت كلمة الفصل فى تقييم الشعب لرجل أخلص لوطنه ولقضاياه

انطلاقا من الدور الكبير الذى لعبه مصطفى النحاس، قائدا سياسيا وطنيا؛ وتخليدا للقيم التى عاش وكافح من أجلها، على مدى نصف قرن (15 يونية 1879 ــ 23 أغسطس 1965)، واعتذارا لهذا الرجل الذى تم تشويه تاريخه وحجب اسمه لسنوات؛ وربما يكون فى نشر هذه المذكرات وفاء لبعض دَيننا تجاهه»، بهذه الكلمات التى خطها قلم الكاتب والمؤرخ الدكتور عماد أبو غازى وزير الثقافة المصرى الأسبق، وذيلها فى نهاية مقدمة كتاب «مصطفى النحاس.. مذكرات النفى»، الصادر حديثا عن دار الشروق، وهو تحقيق وتقديم الدكتور عماد أبو غازى الذى يوضح الأسباب الحقيقية التى داعته إلى تحقيق المذكرات التى رغب فى نشرها فى أغسطس عام 2015، بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل مصطفى النحاس إلا أنها استغرقت من الوقت الكثير لتخرج بعد الموعد المحدد بما يزيد عن أربع سنوات.
على مدى 50 عاما، لعب مصطفى النحاس، دورا مهما فى السياسة المصرية، وقدم لوطنه الكثير بداية من انتمائه لتيار الحزب الوطنى فى مطلع القرن العشرين، ثم انضمامه إلى الوفد المصرى؛ فهو ينتمى إلى الرعيل الأول من مؤسسى الوفد المصرى الذين انضموا إلى سعد زغلول، ثم أصبح من أقرب المقربين إليه، ونفىَ معه فى المنفى الثانى إلى «سيشيل»؛ وصار سكرتيرا عاما للوفد المصرى؛ وتولى رئاسة الحزب بعد وفاة سعد فى أغسطس سنة 1927، وانتهى هذا الدور فى الحياة السياسية المصرية بعد يولية 1952 بشهور قليلة مع حل الأحزاب السياسية، فقد ظل النحاس معزولا سياسيا حتى وفاته فى 23 أغسطس 1965.
كان مصطفى النحاس واحدا من أبرز القادة التاريخيين لحركات الاستقلال الوطنى ذات التوجه الديمقراطى التى ظهرت فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، يقف اسمه بجدارة إلى جانب أسماء عظيمة لعبت دورا فى تاريخ الإنسانية مثل: غاندى ونهرو فى الهند ودى فاليرا فى أيرلندا وسعد زغلول فى مصر، كان خليفة لسعد فى نضاله مثلما كان نهرو خليفة لغاندى، وطوال تاريخه السياسى قدم نموذجا للتمسك بالمبادئ، والصمود فى وجه العواصف العاتية.
فاز مصطفى النحاس بعضوية مجلس النواب فى أول انتخابات برلمانية أجريت على أساس من دستور 1923، ثم شارك فى أول حكومة وفدية تشكلت بناء على نتيجة تلك الانتخابات التى اكتسحها الوفد المصرى؛ قبل استقالت الحكومة وهى لم تكمل العام، احتجاجا على العقوبات التى فرضتها بريطانيا على مصر بعد اغتيال السردار لى ستاك؛ وقد انتخب النحاس مرة أخرى عضوا فى مجلس النواب فى عام 1926 وأصبح وكيلا للمجلس، لتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخه بعد وفاة سعد زغلول «1927»، فقد انتخبه الوفد رئيسا له فى 23 سبتمبر، ومن يومها حمل مصطفى النحاس راية النضال الوطنى والديمقراطى رئيسا لحزب الأغلبية فى ظروف حصار مستمر للحياة النيابية على يد الملك المستبد أحمد فؤاد والملك المتلاعب بالدستور، فاروق وحكومات الانقلابات الدستورية التى أتوْا بها؛ ومن قبلهما على يد السفارة البريطانية التى تدخلت دوما فى السياسة المصرية.
لقد كان النحاس تاريخا من النضال من أجل مصر؛ دستورها واستقلالها ودولتها المدنية التى لا تعرف خلط الدين بالسياسة، وكان الاستفتاء الشعبى الحقيقى على مصطفى النحاس يوم جنازته فى أغسطس 1965، فعلى الرغم من أنه كان بعيدا عن السلطة والسلطان، وعلى الرغم مما تعرض له من عزل سياسى لسنوات قاربت الثلاثة عشر عاما، وعلى الرغم من أن اسمه لم يذكر منذ نهاية أزمة الديمقراطية فى عام 1954، فى وسائل الإعلام إلا مصحوبا باللعنات وبالأكاذيب والمبالغات حول سيرته السياسية والشخصية؛ فإن الشعب كان له رأى آخر. حقا لقد أعقب الجنازة حملة اعتقالات قضى بعض ضحاياها شهورا فى المعتقلات، لكن الوداع الأخير لمصطفى النحاس كان كلمة الفصل فى تقييم الشعب لرجل أخلص لوطنه ولقضاياه.
حصل الدكتور عماد أبو غازى، على مذكرات الزعيم مصطفى النحاس، من القطب الوفدى الكبير الأستاذ فؤاد بدراوى، وكانت ضمن الأوراق التى انتقلت إلى حيازة فؤاد باشا سراج الدين، بعد وفاة السيدة زينب الوكيل، وتسليم منزل النحاس باشا فى جاردن سيتى إلى المالك، وقد عثر عليها الأستاذ فؤاد بدراوى ودفع بها إليَه لتحقيقها، وكان من المقرر أن تصدر فى الذكرى الخمسين لرحيل مصطفى النحاس فى أغسطس عام 2015، لكن العمل فيها امتدَ لأكثر من ذلك بأربع سنوات.
و«تعد هذه هى المرة الأولى التى تنشر فيها مذكرات لمصطفى النحاس بخطه؛ لكن من الجدير بالذكر هنا أنه منذ سنوات نشر الأستاذ أحمد عز الدين مذكرات منسوبة لمصطفى النحاس تحت عنوان «مذكرات مصطفى النحاس ــ ربع قرن من السياسة فى مصر 1927 ــ 1952، وقد نشرت فى جزأين؛ مع تقديم لكل جزء بقلم أحمد عز الدين، ومقدمة للجزء الأول بقلم محمد كامل البنا الذى كان سكرتيرا لمصطفى النحاس، والذى قام بتدوين هذه المذكرات بشكل متفرق حسبما يذكر فى مقدمته، بمعنى أن تلك المذكرات لم تكن مدونة بخط مصطفى النحاس، كما لم تصغ فى الأصل بصورة مذكرات مملاة».
والمذكرات التى كتبها «النحاس» قبل اعتقاله ورفاقه بأربعة أيام، تغطى فترة النفى كاملة، تتضمن ثلاث كراسات تشكل 407 ورقات، ينطبق عليها مفهوم اليوميات، ويغطى ما وصل إلى أيدينا منها فى ثلاث كراسات منفصلة الفترة من 19 ديسمبر 1921 حتى 12 مارس 1923؛ أى أنها تبدأ قبل اعتقال سعد ورفاقه بأربعة أيام، ولا تستمر حتى نهاية فترة النفى. كما أن هناك فجوات طويلة فيها لم تصل إلينا أو لم يُدوِن فيها مصطفى النحاس مذكرات؛ ومع ذلك تُقدم المذكرات صورة واضحة ومفصلة عن حياتهم اليومية فى فترة النفى إلى سيشيل، وتحليلهم لبعض التطورات على الساحة السياسية البريطانية والدولية، ومدى تفاعلهم مع ما يحدث على أرض الوطن وهم بعيدون فى المنافى.
ونتعرف من خلال ما دونه النحاس، على أسلوب التواصل بين سعد زغلول ومجموعة سيشيل بعد انتقال سعد إلى جبل طارق، وعلى اتفاقهم على شفرات سرية للتراسل فيما بينهم، كما يتضح من الجزء الأخير فى المذكرات الفارق بين أسلوب التعامل مع سعد من جانب سلطات جبل طارق والتعامل مع المنفيين من جانب سلطات سيشيل. كما نكتشف من المذكرات سيل البرقيات والرسائل التى كانت ترد إليهم بشكل شبه يومى، ليس فقط من أفراد عائلاتهم أو من قادة الوفد المصرى، بل من مختلف فئات المجتمع؛ منها: نقابات عمالية وتجمعات نسائية ونوادٍ ومجموعات من الطلاب، والتى كانت تحمل لهم بعض أخبار الوطن فى حدود ما تسمح به الرقابة، كما تنقل لهم تلك البرقيات عبارات التضامن والمؤازرة، والطلب المتكرر بالاطمئنان على صحتهم؛ وكثير من تلك الرسائل والبرقيات كانت تتأخر لفترات طويلة بسبب إرسال الخطابات مباشرة إليهم وليس عن طريق الوكالة البريطانية فى القاهرة، أو بسبب كتابة البرقيات باللغة العربية بحروف لاتينية؛ الأمر الذى كان يترتب عليه إعادتها مرة أخرى لتراقب؛ وهو ما يستغرق عدة أسابيع. هذا ويمكن أن نستكمل الفجوات الموجودة فى مذكرات النفى من خلال مصادر أخرى تقابل هذه المذكرات زمنيا.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك