تواصل جريدة الشروق خلال شهر رمضان نشر سلسلة "تراث مصري"، المستوحاة من كتاب الباحث أيمن عثمان، والتي تسلط الضوء على شخصيات وأحداث تركت بصمة في الذاكرة الوطنية.
ومن بين القصص اللافتة، تبرز قصة عبد الفتاح عنايت وشقيقيه، ورفيقهم إبراهيم موسى، الذين كانوا من أوائل من نفذوا عمليات اغتيال ضد الوجود البريطاني في مصر خلال عشرينيات القرن الماضي.
في أحد أيام شهر رمضان، وقف عبد الفتاح عنايت على باب محطة السكة الحديد قرب ميدان رمسيس وقت المغرب، يراقب بعناية خروج أحد الجنود الإنجليز. ما إن ظهر الجندي – الذي بدا عليه التكبر والغطرسة – حتى أخرج عبد الفتاح منديلًا من جيبه، موجهًا إشارة إلى شقيقه الأصغر عبد الحميد عنايت، الذي كان يقف في منتصف المسافة بينه وبين إبراهيم موسى، رئيس عمال العنابر بمصلحة السكة الحديد.
بدوره، نقل عبد الحميد الإشارة إلى إبراهيم، الذي أخرج مسدسه وأطلق رصاصتين على الجندي الإنجليزي، أردته قتيلًا. ثم أعاد المسدس إلى جيبه، وأخرج مسبحته، وسار في هدوء بين الناس وكأن شيئًا لم يحدث. كانت هذه العملية أول عملية اغتيال ناجحة تستهدف جنديًا بريطانيًا في مصر.
لم تكن هذه العملية الوحيدة التي نفذها الثلاثي؛ إذ خططوا لاحقًا لاغتيال مستر براون، مستشار المعارف البريطاني، الذي كان يشتهر بتعنته وشدة تدخله في شئون التعليم المصري. في تلك العملية، أخفى إبراهيم موسى مسدسه داخل رغيف خبز، وبعد تنفيذ الاغتيال، غادر موقع العملية وهو يأكل الرغيف بهدوء لإبعاد الشبهات.
وفي عام 1924، شارك الثلاثي في عملية اغتيال السير لي ستاك، القائد العام للجيش المصري والحاكم العام للسودان، وهي العملية التي كانت لها تبعات سياسية كبيرة، وأثارت غضبًا بريطانيًا واسعًا.
عقب العملية، ألقي القبض على إبراهيم موسى وعبد الحميد عنايت، ونُفذ فيهما حكم الإعدام، بينما تم تخفيف الحكم عن عبد الفتاح عنايت بعد موجة احتجاجات شعبية عارمة رفضت إعدام شقيقين في القضية نفسها.
الجدير بالذكر أن شقيقهم الأكبر، محمود عنايت، كان قد توفي في السجن بعد محاولته اغتيال السلطان حسين كامل، ما يجعل من العائلة رمزًا لفكرة "الفداء العائلي" ضد الاحتلال.
وتُروى عن إبراهيم موسى كلمات أخيرة مؤثرة قبل تنفيذ حكم الإعدام بحقه؛ إذ التفت إلى من حوله وقال: "لا تنسوا أن تدفعوا لصاحب المخبز ديني له، ثمنًا للخبز الذي كنت آكله".
عانت أسرة إبراهيم موسى من تهميش وتنكيل طويلين بسبب نشاطه السياسي. حتى ابنه جمال اضطر إلى تغيير اسمه بالكامل حتى يتمكن من الحصول على وظيفة، في محاولة للهروب من إرث والده في عيون السلطة.
اقرأ أيضا
تراث مصري (29).. كيرة بعبع الإنجليز