قال المستشار حسام لطفي أستاذ القانون الدولي إننا أمام أكبر قضية تزوير يشهدها القضاء المصري، وتشكل أكثر من جريمة. وأوضح أنه منزعج من كم الكتب المقلدة حيث بلغت أكثر من مليون كتاب مزور لناشرين مصريين وعرب.
وأكد أن النيابة العامة بالعبور تتولى التحقيقات وأنها لم تتخذ أي قرار سوى مخاطبة نقطة التجارة العالمية الكائنة في مدينة نصر لفحص الأحراز لنحو 50 كتابا تم اختيارها من المليون كتاب المزور، وعينت حراسة على مخزن شركة الشحن بمدينة العبور، فضلا عن مراجعة الأحراز بمعرفة اتحاد الناشرين المصريين.
وذكر أنه بحساب متوسط الخسارة المادية من الكتاب الواحد يبلغ 10 دولارات، نرى أن الخسارة الإجمالية 10 مليون دولار وهو رقم ضخم، لم يشهد القضاء المصري وربما العربي أيضا مثلها. وتشكل هذه القضية أكثر من جريمة، منها اعتداء على العلامات التجارية لدور النشر، و شق جنائي لوجود كتب لدور نشر حكومية ووزارات، حيث تم تزوير أختام رسمية موجودة داخل هذه الكتب، وبجانب الشق الجنائي يرى أن هذه القضية بها جنحة نصب، ومخالفة، وجنحة مطبوعات.
وأضاف أن السبب في حدوث مثل هذه القضية هو عدم تطبيق القانون بشكل صارم، وأن الطريق لتجنب تكرراها هو تغليظ العقوبة داخل القانون، وتنفيذه بصرامة شديدة، ووضع أليات متطورة للاكتشاف المبكر لمثل هذه القضية.
وأبدى انزعاجه الشديد بسبب معرفته بتصدير شحنتين خارج البلاد قبل التحفظ علي هذه الشحنة الثالثة، والكتب المزورة عددها أكثر من مليون كتاب، ما بين الكتب الأكثر مبيعا، والقراءات العامة، ومطبوعات حكومية.
وقال الدكتور حسام لطفي، المستشار القانوني لاتحاد الناشرين العرب :"عندما يكون الحديث عن حق المؤلف، فنحن نتحدث عن ملكية شريفة، مقابل الملكية المادية، ودورنا ليس حماية الأفكار ولكن حماية التعبير عن الأفكار».
واستعرض «لطفي» تاريخ مصر في مجال احترام حقوق الملكية الفكرية، والذي بدأ مع قانون العقوبات المصري لعام 1939، وبمقتضاه «يعاقب كل من تغنى بألحان موسيقية دون الإذن من صاحبه»، موضحًا أن هذا النص القانوني لم يكن يطبق على نشر الكتب، حتى قام القضاء المدني والتجاري بالالتفات لخطورة الأمر، ليبدأ بالتعامل بمبدأ «إذا لم يوجد نص، فيجب أن يطبق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة»، ومن هنا واستنادًا إلى مبادئ القانون، بدأ يحكم لصالح المؤلفين، في حال الاعتداء على أي من كتُبهم.
وأشار «لطفي» إلى أن المحاكم تلقت العديد من القضايا، أبرزها كان قضية ضد الفنانة فاطمة رشدي، والشاعر الكبير أحمد رامي، بعدما قام الأخير بترجمة وعمل معالجة عربية لرواية مسرحية لأديب إنجليزي، دون الحصول على إذن من المؤلف، وهو ما وضعهما تحت طائلة القانون وتم مقاضتهما وتغريمهما بمائة جنيه مصري.
وتابع المستشار القانوني لاتحاد الناشرين العرب، القضية الأخرى كان طرفها الروائي إبراهيم عبد القادر المازني، حينما شاهد فيلما سينمائيا باسم «خفايا الدنيا»، واكتشف أنه مأخوذ عن إحدى القصص الذي نشرها بعنوان «سر أمي»، في مجلة شهرزاد عام 1934، ليخرج من السينما إلى قسم الأزبكية، ويحرر محضرًا ضد صُناعه، لتصبح قضية تشغل الرأي العام، ويترافع في القضية حينها إبراهيم رمزي، ليخاطب المازني في مرافعته قائلًا: «من هو هذا الناشيء الذي يناطح أساطين الأدب. ليس في مصر من يؤلف الكتب فالكل ينقل من الأجانب» ، ليرد المازني: «إن كنت حديث العهد فأنا كبير في الموهبة»، ويأتي الحكم لصالح صُناع الفيلم، حيث أخذ القاضي بما كتبه «المازني» نفسه في ختام الرواية قائلاً: «هذه الرواية رواها لي صديق في المدرسة ضخم الجثة أسمه محمد»، فيقول القاضي «حتى المازني معترف أن القصة ليست له بل لصديق المدرسة ضخم الجثة»، وتم رفض الدعوى.
واستكمل «لطفي»: من أوائل الأدباء الذين ناضلوا من أجل قضية حماية حقوق الملكية الفكرية كان الشاعر بيرم التونسي، حيث ساند مشروع قانون «حماية المؤلف» الذي قدمه المستشار كامل مرسي، وزير العدل حينها، لكن المشروع لم يصدر، حيث دخل عدد من المثقفين على رأسهم بيرم التونسي، في معارك قوية لإصدار هذا القانون، ولكن لجنة مجلس النواب استبعدت القانون.
وكتب حينها «التونسي» أبيات شعر جاء فيها: «كامل مرسي يا ميت خسارة.. يا نجم ساطع على الوزارة.. من غير قانوك خواجات بلدنا قالوا علينا ملناش جدارة.. وأنت اللي حنيت على المؤلف البائس..اللي في البؤس ألف.. بقانون مكلف من دم قلبك». حتى وصل إلى بيت «لو كان في بلدنا نائب بيفهم في الأوبريت.. أو حد كان قاله أية روميو ومين جوليت.. مكنش يفضل قانون الفن والتفكير مدشوت لغاية ما يتفرق ورق تواليت».
وأوضح المستشار القانوني لاتحاد الناشرين العرب، إن المطالبة بتشريع قانون لحماية حقوق الملكية الفكرية، لم يتوقف لحظة، ومع ثورة يوليو أصدر جمال عبد الناصر، أول قانون مصري بحماية حق المؤلف، بعقوبات جنائية بمبلغ 10 جنيهات، وهو الغرامة الذي زادت حتى وصلت اليوم إلى 5 آلاف جنيه على العنوان الواحد. متابعًا: «لكن القضاة لأسباب عاطفية أو نفسية، أو إنسانية يغفلون هذا الأصل، حيث يتم تطبيق غرامة خمسة آلاف جنيه على جميع المضبوطات، وهذه مشكلة كبيرة».
ولفت المستشار حسام لطفي إلى بعض الأخطاء التي يقع فيها الناشر دون علم، ومنها: استصدار أمر وقتي من المحكمة، دون أن يتابع برفع قضية لتثبيت الأمر والمضي قدمًا لإصدار حكم دائم قبل أن يسقط، ويضيع معه حق المتضرر طلب التعويض، مؤكدًا أن أبرز الصعوبات القانونية هو عدم وجود خبراء للبت في حقيقة تزوير الكتاب من عدمه.
وأوضح أن هناك كتابا دوريا صدر بالتعاون بين اتحاد الناشرين ومكتب النائب العام، يفيد بأن الاتحاد والجانب المختص في البت بتزوير الكتاب من عدمه.