جوائز الدولة.. أم فضائح الدولة بعد الثورة؟ - صبرى حافظ - بوابة الشروق
السبت 1 يونيو 2024 5:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جوائز الدولة.. أم فضائح الدولة بعد الثورة؟

نشر فى : الجمعة 1 يوليه 2011 - 8:22 ص | آخر تحديث : الجمعة 1 يوليه 2011 - 8:22 ص
مرة أخرى تجىء جوائز الدولة مخيبة للآمال، وتهدر مبلغا معتبرا (ما يقرب من خمسة ملايين جنيه، أو بالتحديد 4.850.000 جنيه) من المال العام كانت مصر فى أمس الحاجة إليه فى أزمتها الاقتصادية الراهنة، بدلا من إهداره بهذا الشكل السفيه.

تجىء تلك الجوائز كفضيحة، وكأنه لم تقم فى مصر ثورة منذ خمسة أشهر طالبت بإسقاط النظام كله، وليس رأسه الفاسد فحسب، وكانت كافية لتغيير آليات تلك الفضيحة التى سئمنا تكرارها، والشكوى منها فى عهد مبارك المخلوع. وكأن وزير الثقافة الجديد ليس وزيرا لوزارة استمد رئيسها شرعيته من ميدان التحرير، وإنما تجليا جديدا للوزير «الفنان» الذى كان يتباهى بإدخال المثقفين للحظيرة، وتحويلهم إلى كلاب لحراسة النظام، بدلا من دورهم التقليدى كحراس للكلمة وللضمير الوطنى.

وقد يتحجج صفيق بأن ترشيحات كل الجوائز قد اكتملت مع إغلاق باب الترشيح فى ديسمبر الماضى، أى قبل الثورة، وأن تشكيل المجلس بربطة معلم، هندسة الوزير «الفنان» ممن اعتز بإدخالهم إلى حظيرته سيئة الصيت. ولكن أما كان أجدى بوزير الثقافة الجديد أن يعلق الجوائز هذا العام كما علق مهرجان القاهرة السينمائى وغيره من النشاطات، حتى تجىء أول جوائز دولة تمنح بعد الثورة ممثلة لما جرى فى مصر من تغيّرات؟ وفاتحة لأفق تغيير حقيقى منشود، وليست دليلا دامغا على أن الثقافة المصرية مازالت منوّمة بلهاء.

فإذا كان ثمة من لايزال فى حاجة إلى دليل على أن فلول النظام الساقط لاتزال فى مواقعها بعد انصرام خمسة أشهر على الثورة، تبدد المال العام، وتعمل ضد الثورة، وتواصل مسيرة الفساد التى تزكم روائحها الأنوف، وتسىء إلى سمعة مصر التى رفعتها الثورة إلى سماوات غير مسبوقة، فالجوائز الفضيحة خير دليل على هذا التباطؤ فى تنفيذ التغيرات التى تتطلبها الثورة وقد تحول إلى تواطؤ مذموم. إذ تجىء الجوائز الفضيحة وكأنها لا تزال هى الجوائز التى يمنحها نظام مبارك الساقط والمخلوع، ولم ينقص اجتماع منحها إلا أن يرأسه الوزير «الفنان» بين قوسين فاروق حسنى، والذى ناب عنه فى رئاستها هذه المرة الوزير «غير الفنان» بين قوسين أيضا عماد الدين أبوغازى.

فكل الأعضاء، المعينين لأشخاصهم، أو بحكم وظائفهم، بربطة معلم، بما فى ذلك الوزير «غير الفنان» والذى كان فى الدورة الماضية حاضرا فى نفس المجلس، بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للثقافة، من «نقاوة» يدى الوزير الفنان، ومن مدجنى حظيرته.

وكأن الثورة التى كان لابد أن تبدأ أولى تجلياتها فى الثقافة، لأن الثقافة هى المسئولة عن حمل مشاعل التغيير والتثوير، لم تصل بعد إلى وزارة عماد الدين أبوغازى. ولم يسمع بقيامها هذا «التكوين العليل» المسمى بالمجلس الأعلى للثقافة، والملىء بحفريات النظام الساقط. حفريات يعود أقدمها (أنيس منصور) إلى عهد السادات، إذ كان مستشارا له متخصصا فى التطبيع مع العدو الصهيونى، بينما كان أحدثها (جمال الغيطانى) يتشدق، حتى أسابيع قليلة من قيام الثورة، بصداقته الحميمة لضباط جهاز أمن الدولة المحلول، من عينة حمدى عبد الكريم ذراع العادلى الأيمن وشريف المناوى ذراع سلفه الأيمن أيضا، و«يبروزهم» دائما فى يومياته بـ(الأخبار) وليس فى (أخبار الأدب) فهو حريص على أن يكون له أكثر من وجه. فالقاسم المشترك بين أقدم حفريات أعضاء المجلس وأحدثهم هو التطبيع مع العدو الصهيونى، الذى أنهى الغيطانى حياته المهنية فى (أخبار الأدب) بتكريس صفحة لأدبه العبرى العنصرى الكريه، وفرضها على القارئ العربى كل أسبوع.

وليس الغيطانى وحده هو الذى كان يتغنى فى يومياته بـ(الأخبار) بصداقته الحميمة لقيادات جهاز أمن الدولة، ولكن العديد من الذين يدعون بـ«قيادات» وزارة الثقافة وصوتوا على هذه الجوائز الفضيحة يدينون بمناصبهم ــ كما يعرف أى مصرى ــ لتزكية هذا الجهاز المحلول لهم. إذن نحن نتحدث عن أكثر من نصف الأصوات من صنائع الجهاز المحلول إذا ما أدخلنا الأصوات التى تستأثر بها «قيادات» وزارة الثقافة، وأغلبهم لا يستحق بأى حال من الأحوال، اللهم إلا بسبب التدجين والتدليس والنفاق، أن يكون على رأس أى قطاع ثقافى.

وإذا انتقلنا من الأعضاء بحكم مناصبهم، إلى أعضاء المجلس المعينين لأشخاصهم والذين اختارهم أيضا «الوزير الفنان» وجهاز أمن الدولة المحلول، سنجد أن الأمر ليس أفضل حالا. ألا يتصدرهم أقطاب ثقافة عصر مبارك من أمثال جابر عصفور، آخر وزير ثقافة فى حكومة إنقاذ مبارك من الثورة الهادرة فى ميدان التحرير، والذى قفز كفئران السفن من سفينة تلك الحكومة الغارقة بعدما أهانه أنس الفقى على الملأ فى أول اجتماعاتها. جابر عصفور الحاصل بجدارة على جائزة القذافى، ووصيفته فى استلام الجائزة، تزكية لنفسه للحصول عليها فى دورتها التالية، جمال الغيطانى، وعراب الجائزة، والقاسم المشترك الأعظم فى كل جوائز الأنظمة المستبدة والفاسدة، صلاح فضل.

أليس بينهم جل أقطاب الصورة الفضيحة يوم 30 سبتمبر الماضى، والتى تصدرت كل الصحف «القومية» وقد اصطفوا فيها (السيد ياسين وجابر عصفور وصلاح عيسى وأحمد عبدالمعطى حجازى وفوزى فهمى ويوسف القعيد وخيرى شلبى ومحمد سلماوى وسامية الساعاتى وعائشة أبو النور) حول الرئيس المخلوع حيث اصطحبهم وزيره الأثير فاروق حسنى للقاء الرئيس وتبييض سمعته، وتسويغ مخططاته البلهاء لتوريث الحكم لابنه الفسل الذى كانت تتملقه حفنة من نفس مثقفى الحظيرة إياهم. ولمرارة المفارقة تشاهد بعضهم اليوم «سبحان مغير الأحوال» فى الفضائيات متحدثا عن الثورة، وعن تبشيره الدائم بها ونقده للنظام الذى استمرأ العيش فى حظيرته، واستمتع بعلفها الوفير. وباستثناء فاروق حسنى الذى غاب لأسباب اضطرارية عن اجتماع المجلس الأخير (حيث كان يبحث عن وثائق إضافية عن ثروته التى راكمها ولم يكتشفها جهاز الكسب غير المشروع) كان جل مثقفى الصورة الفضيحة فى قاعة الاجتماع يصوتون على تلك الجوائز الفضيحة.

أليس بينهم أيضا أقطاب اجتماع فضيحة آخر، للمثقفين الذين اختاروا بملء إرادتهم أن يكونوا كلابا لحراسة النظام، جرى فى أغسطس الماضى (قبل شهر من الصورة الفضيحة) للجنة الثقافة المنبثقة عن لجنة السياسات، وحضره أيضا مع «حبيب أمه» أمثال السيد ياسين وفوزى فهمى وجابر عصفور بالطبع وعماد الدين أبوغازى وآخرين من عينة إسماعيل سراج الدين مسئول لجنة الثقافة المنبثقة عن لجنة السياسات، والذى يدعى ألا علم له بالملايين المخصصة لمكتبته فى حسابات سيدة الحرملك، وحضر ذلك الاجتماع الفضيحة من أعضاء لجنة السياسات على الدين هلال ومحمد كمال وعبد المنعم سعيد، وكان على الدين هلال من المرشحين لجائزة مبارك/ النيل، ولكن أسقط اسمه خجلا أو ذرا للرماد فى العيون فى اللحظات الأخيرة.

لكن الكياسة التى قادت إلى اسقاط اسم على الدين هلال، غابت عن مثقفى الحظيرة وهم يصوتون لمنح جائزة مبارك/ النيل للآداب لأحمد رجب الذى بدأ حياته الأدبية فى الستينيات، إن كانت له أى حياة أدبية ككاتب ساخر كما يسميه البعض، بفضيحة «الهواء الأسود» التى سعى فيها بقيادة عرّابه وقتها (أنيس منصور) للوقيعة بعدد من كبار النقاد والزراية بالثقافة الجادة والطليعية. ولا يعنى الاعتراض على منح الجائزة له، وفى أول مرة تخلع عن نفسها اسم مبارك المخلوع، خاصة وكان هناك بين المرشحين من هو جدير بها وهو كاتب أثرى الأدب المصرى والعربى بحق هو سليمان فياض، أننى لا أعترف بأهمية الأدب الساخر.

فإذا كانت هناك حفنة من مثقفى مصر تعرف أهمية الأدب الساخر بحق، فإننى أحدهم يقدر هذا الأدب حق قدره من أرستوفانيز إلى سويفت. وقد عرفت مصر كتابا ساخرين كبارا من عينة عبدالعزيز البشرى وإبراهم المازنى وعبدالحميد الديب ومحمد عفيفى ونجيب سرور، فلابد للكاتب الساخر أن يكون كاتبا أولا، وساخرا ثانيا.

أما أحمد رجب فهو صحفى وساخر، ولو كان قد حصل على جائزة الصحافة لما استوجب الأمر أى تعليق، ولكنه يحصل على أرفع جوائز الأدب فى مصر، أنا أتحدث عن أرفع جائزة أدبية تقدمها الدولة المصرية، كانت من قبل هى جائزة الدولة التقديرية.

ثم أصبحت بعد تعدد الجوائز جائزة مبارك أرفع الجوائز، وتغير اسمها بمرسوم بقانون من مجلس الوزراء بعد الثورة، وبالتحديد فى 20 أبريل 2011 إلى جائزة النيل. أى أن أحمد رجب حصل على الجائزة التى حصل عليها طه حسين ويحيى حقى وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ فأى بلاهة تلك وأى فضيحة. ولا أريد أن يتنطع متنطع ويخبرنى بأن هؤلاء لم يحصلوا على جائزة مبارك أو النيل فى اسمها الجديد، فهذا شىء أعرفه، ولكن كل منهم حصل على أرفع جائزة كانت تمنحها الدولة المصرية فى الآداب وقتها، وكان اسم أرفع الجوائز تلك التقديرية، ثم أصبح اسمها مبارك ثم النيل.

وإذا ما انتقلنا إلى الجوائز التقديرية، فباستثناء وحيد هو عبد الوهاب الأسوانى، كانت الفضيحة لا تقل عن فضيحة منح أرفع جائزة أدبية فى مصر لشخص لا علاقة له بالأدب من قريب أو بعيد. وفى وقت تمتلئ فيه مصر بقامات أدبية مستقلة عملاقة لم يحصل أى منها على جائزة النيل تلك، ناهيك عن الجائزة التقديرية من أمثال صنع الله إبراهيم ومحمد البساطى ورضوى عاشور وسيزا قاسم وآخرين. فأى هراء هذا الذى يحكم آليات المنح والتصويت!؟ وهل يمكن أن ننتظر من مجلس بهذا التشكيل وبهذا العدد الوفير من كلاب الحراسة أى خير؟ وهل يكفى أن يصرح بعض أعضاء المجلس مثل بهاء طاهر أو خيرى شلبى بأنهم يشعرون بالعار لأنهم أعضاء فى مجلس مهزلة صدرت عنه تلك الفضيحة!؟ أسئلة تؤكد كلها حتمية التغيير وضرورة التخلص من فلول عصر الانحطاط فى الثقافة قبل أى مجال آخر، حتى نكون بحق جديرين بثورتنا العظيمة.
صبرى حافظ ناقد أدبي مصري مرموق، وأستاذ الأدب الحديث والمقارن بجامعة لندن. درّس في كبريات الجامعات الغربية. وله العديد من الكتب والأبحاث بالعربية والانجليزية، فاز أحدث كتبه بالانجليزية (السعي لصياغة الهويات) بجائزة (اختيار) الأمريكية لأهم الدراسات الأكاديمية لعام 2009.
التعليقات