مستقبل مصر فى دول حوض النيل - شيرين عبد الرءوف القاضى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل مصر فى دول حوض النيل

نشر فى : الإثنين 7 مايو 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 مايو 2012 - 8:30 ص

 إشكالية وخطر وشيك يهددان أمن مصر المائى والزراعى والغذائى والاجتماعى والاقتصادى، إذا لم ننتبه ونخطط بجدية قبل فوات الأوان، إنها قضية المياه وتأثرها بعلاقات مصر مع جنوب السودان ودول حوض النيل. وتمثل العلاقات مع تلك الدول أمرا حيويا لمواجهة التحديات التى تواجه مصر والتى تتلخص فى أربع حقائق رئيسية:

 

 

أولا: ضعف مواردنا المائية الحالية:

 

تشير جميع التوقعات والدراسات إلى أن مصر ستحتاج إلى 100 مليار متر مكعب من المياه سنويا بحلول عام 2040 آخذا فى الاعتبار النمو السكانى والتوسع العمرانى ومشروعات زيادة الرقعة الزراعية بافتراض استمرار معدلات الاستغلال الحالى للمياه بالوضع الحالى، وبالأخص بأسلوب الرى الذى تجاهلت الدولة تطويره.

 

ثانيا: استنادا على حقوق مصر المائية التاريخية بين دول حوض النيل تجاهلت مصر والسودان (قبل الانقسام) ربط علاقات تتسم بالودية والتعاون مع بقية دول الحوض خاصة أن مصر والسودان تعتبران دول ممر ومصب، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان لا تسهمان فى زيادة موارد النيل وتستغلان مياه النيل بكثافة فى مشروعات الرى. أما باقى دول الحوض السبع، فتقل كثيرا درجة اعتمادها على مياه النيل إذ إنها تتلقى من الأمطار ما يكفيها للزراعة. إلا أن تلك الدول وبالأخص دول أعالى النيل مثل الحبشة بدأت تتعرض إلى تحديات بيئية واجتماعية واقتصادية تتطلب منها أن تطمع لزيادة الرقعة الزراعية وخلق الطاقة الكهرومائية من أجل التنمية عن طريق بناء سدود واستغلال تدفق المياه، الأمر الذى أزعجنا فى مصر وتعاملنا معه باستخفاف وتصريحات عنترية دون أخذ إجراءات توافقية وواقعية ملموسة.

 

ثالثا: نتيجة تجاهلنا للسودان لأكثر من أربعين عاما وبالأخص فى العقد الأخير، شرع نظام السودان فى تنفيذ خطة إسرائيل وأمريكا باختلاق شرخ عميق فى المجتمع السودانى مبنى على تفرقة دينية وعرقية أدت إلى قسمة السودان إلى دولتين شمال وجنوب. فالواقع السياسى والجغرافى الذى مازالت مصر تتجاهله كالعادة أن جنوب السودان أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة والأهم أنها أصبحت دولة ممر ومنبع بعد الانقسام خاصة فى منطقة بحر الغزال مما يضع مواردنا المائية المشتركة فى مهب الريح.

 

 

 

 

 

 

رابعا: أدرك الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أهمية دول أعالى النيل مثل كينيا وتنزانيا وأوغندا وإثيوبيا وبالأخص جنوب السودان من الجانب السياسى والأمنى، وكذلك أدرك الحقائق الجيولوجية وأن 65% من موارد النيل المائية تضيع فى هضبة البحيرات ونهر النيل الأبيض (بالرغم من غزارة الأمطار) بسبب التبخر فى منطقة السدود والمستنقعات التى توقف تدفق النيل الأبيض عند أنهار بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال. وحين شرع فى بناء قناة جونجلى قرب جنوب السودان لنوفر لمصر 48 مليار متر مكعب إضافية تآمرت بريطانيا ونجحت فى وقف المشروع بحجة أنه يضر بالبيئة وبقبائل الدينكا المقيمة فى منطقة السدود مع عرقلة التمويل وخلق اضطرابات أعاقت مصر فى بناء قناة جونجلى ولذلك اتجه الزعيم إلى بناء السد العالى داخل مصر.

 

وبعد سرد تلك الحقائق عزيزى القارئ دعنا نطرح على أنفسنا بعض التساؤلات لعلنا نصل إلى الحقيقة: ــ

 

1ــ هل حاولت مصر إنقاذ السودان أو حتى تدخلت لحل النزاعات بين دولة الشمال ودولة الجنوب فى الأعوام السابقة أو حتى بعد الثورة استنادا على قوة واتساع وتشعب العلاقات والمصالح التى تجمع بين مصر والسودان؟

 

2ــ هل تمتلك مصر وشمال السودان اليوم الثقل السياسى أو العسكرى أو الاقتصادى أو الدبلوماسى بالقدر الكافى للتأثير على جنوب السودان ودول أعالى النيل تجاه مشاريع سدودها لكى تبدى الأخيرة مزيدا من الاهتمام بمصالح دول المسار والمصب؟.

 

3ــ هل تستطيع مصر اليوم القيام بحشد تأييد دولى متضامن لوقف السدود وحل مشكلة حصص المياه اعتمادا على حقوقنا القانونية والدولية المكتسبة القديمة علما بأن فوزنا فى التحكيم الدولى لن يحل المشكلة سياسيا وعمليا؟.

 

4ــ هل مصر قادرة على مضاعفة مواردها المائية ذاتيا وترشيد المياه ومضاعفة الرقعة الزراعية فى السنوات القادمة؟

 

إن مقصدى من طرح هذه الأسئلة الأربعة محاولة الوصول إلى إجابة صادقة إلا أننى لم أستطع الإجابة عن أى منهما بنعم. والسبب يعود لغياب الدولة وانشغالنا بأمور فرعية والبعض منها تافه بداية من الدستور أولا أم الرئيس أولا، دولة مدنية أم دينية، دستور تحكمه مبادئ الشريعة أم الـ«الشريعة»، نطبق شرع الله والحد فورا أم تدريجيا إلخ إلخ إلخ.....

 

اتحاد لدول حوض النيل

 

الشاهد، أطرح اليوم صيغة وحلا غير تقليدى، بل حلا ثوريا تجاه أزمة دول حوض النيل وأمن مصر المائى والزراعى والغذائى بالتحديد. أحلم وأطمح فى تكوين اتحاد دول حوض النيل الإحدى عشرة (بعد انقسام السودان) بين مصر وشمال السودان وجنوب السودان والكونغو وإثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا واريتريا وبوروندى.

 

وإذا نظرت عزيزى القارئ إلى الجدول ستجد مستقبل مصر وأمنها المائى والزراعى والاقتصادى من كل جوانبه فالأرقام أبلغ من الكلام. ففى هذا الاتحاد قوة وتنمية لكل دول حوض النيل، فهو الصيغة الحقيقية لدبلوماسية المياه والزراعة والطاقة التى يحول الصراع المرتقب إلى تعاون يفيد جميع الأطراف وينهض بالتنمية.

 

فمن خلال هذا الاتحاد يمكننا أن نشترى الزمان والمكان (مقولة د. جمال حمدان) بسرعة فائقة، ومن خلال هذا الاتحاد الاقتصادى والسياسى والاجتماعى ممكن لمصر أن تكون رائدة التنمية لصالح دول حوض النيل ووضع صيغة دبلوماسية للمياه الذى يفيد جميع الأطراف لسياسات واستثمارات زراعية متكاملة تمكننا من الوصول إلى أمن غذائى عن طريق تناسق السياسات الزراعية وتضافر الاستثمارات بالإنتاج الزراعى وتعظيم الموارد الطبيعية.

 

كما يمكن أيضا القيام بمشروعات لاستقطاب الفواقد من المياه وخلق الطاقة وتعظيم الموارد المائية والتى تتركز معظمها بجنوب السودان. كما يمكننا استغلال الغابات على أكمل وجه مما ينهض بصناعة الأخشاب والتصدير وفى حالة تطبيق الإعفاء الجمركى الحقيقى وليس الشكلى بين دول الحوض والذى سيسهم فى تعظيم الصادرات لجميع الدول وبالتحديد لمصر، بالإضافة إلى تنمية مراعى متكاملة للثروة الحيوانية التى قد توفر على مصر استغلال المساحات الزراعية المحدودة للغذاء الحيوانى كما حدث وعلى حرج على خلق منظومة لاستخدام وإدارة الثروات المعدنية والتعدينية من بترول وحديد وذهب وفضة ونحاس وألومنيوم وفحم وألماس ويورانيوم. مصر يمكنها أن تصبح قوة اقتصادية بحجمها ووزنها داخل هذا الاتحاد، مما سيجعل مصر القوة الإقليمية الأفريقية للتفاوض مع العالم الخارجى سواء تجاه الديون الخارجية أو على صعيد التجارة الحرة. من خلال ثقل اتحاد دول حوض النيل يمكن لمصر أن تكون بسهولة شبيهة بالسعودية ووزنها داخل مجلس التعاون الخليجى أو بألمانيا داخل الاتحاد الأوروبى.

 

الأمر والخيار لم يعد ترفا لنا.

 

اللهم قد بلغت

التعليقات