رجل الأقدار.. مهمة إنقاذ الأمة وبناء نظام يرتقى لقامتها - أحمد السيد النجار - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 8:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رجل الأقدار.. مهمة إنقاذ الأمة وبناء نظام يرتقى لقامتها

نشر فى : الثلاثاء 9 مارس 2010 - 10:03 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 9 مارس 2010 - 10:03 ص

 انقضى زمن طويل من مراهنة النخبة الثقافية والقوى الحية فى الأمة عموما والنخبة السياسية بصفة خاصة، على قيام النظام السياسى بإجراء تغييرات إصلاحية جوهرية، تنهى الحالة المأساوية التى وصل إليها هذا النظام وأوصل مصر إليها وتدنى بوضعيتها الإقليمية والدولية بصورة مفزعة، فضلا عن التردى المروع للأحوال الداخلية فى ظل غياب المؤسسية وضعف احترام القانون وانعدام الديمقراطية، الذى لا تنتقص منه حرية الصياح المتاحة فعليا، وفى ظل انتشار البطالة والفقر وسوء توزيع الدخل والفساد المالى والإدارى والسياسى وانهيار مستوى التعليم والخدمات الصحية العامة ونظام الأجور الفاسد والمفسد ونظام الضرائب غير العادل وتغول الأنشطة الطفيلية.. إلخ، هذه القائمة من علامات التردى الكبير فى مصر.

لكن يبدو أن هذه المراهنة قد سقطت عمليا إلى غير رجعة، فلمرات عدة كانت الفرصة متاحة فيها للنظام لإحداث تغييرات إصلاحية جوهرية دون أن يفعل، لكن القوى الحية فى الأمة بمشاربها السياسية والأيديولوجية المختلفة وبتفتتها الكبير، تفتقد لقيادة ملهمة تستطيع جمع هذه القوى وتحقيق لحمة حقيقية بينها فى مسعى تاريخى لبناء نظام سياسى اقتصادى اجتماعى جديد فى مصر، يرتقى لقيمة وقامة أمتنا العظيمة وميراثها الحضارى الهائل وحقها فى مستقبل لائق ومكان تحت الشمس بين الأمم. وهو افتقاد لا يعنى عدم وجود المؤهلين لهذه القيادة، بل إن هذه الأمة الولاَّدة لديها كثرة من هذا النوع، لكنهم مختلف عليهم بسبب انتماءاتهم السياسية والأيديولوجية، التى تثير حساسيات الفرق السياسية الأخرى.

وربما من هذا الافتقاد للقيادة التى توحد الجميع، تتعلق آمال الأمة وقواها الحية الساعية إلى الإصلاح والتغيير فى مصر، برجل من خارج الأحزاب والخنادق الأيديولوجية التقليدية وهو الدكتور محمد البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحائز على جائزة نوبل للسلام، كقائد مؤهل لهذه العملية النهضوية المنوطة بالأمة وقواها الحية بصورة أساسية والرامية إلى بناء نظام سياسى اقتصادى اجتماعى ديمقراطى وعادل يقوم على دستور يؤسس للفصل بين السلطات والتوازن بينها، ويبنى منظومة حقيقية لاحترام حقوق وحريات الإنسان على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويضع نظاما مؤسسيا لمنع ومكافحة الفساد من خلال أجهزة مستقلة تماما، وبالذات عن السلطة التنفيذية، ومن خلال إجراءات سهلة وخالية من التعقيدات البيروقراطية فى تأسيس الأعمال ومنح التراخيص، وإجراءات صارمة لمراقبة التصرفات فى المال العام والذمة المالية لموظفى العموم والقيادات الإدارية والسياسية عموما، ويضع نظاما عادلا للأجور تكفل للعاملين وأسرهم حياة كريمة وتحصن موظفى العموم، بدلا من اضطرار أعداد كبيرة منهم للتورط فى الفساد الصغير لاستكمال متطلبات حياتهم فى ظل نظام الأجور الحالى الفاسد والمفسد وإصلاح الجهاز الوظيفى العام بصفة إجمالا، ويضع نظاما ضريبيا عادلا يساعد على إعادة توزيع الدخل وتحقيق إيراد عام كافٍ لتمويل الإنفاق العام الضرورى على الصحة والتعليم والدفاع والأمن والاستثمارات الضرورية لدفع النمو الاقتصادى واختراق المجالات المهمة التى يستنكف القطاع الخاص عن الدخول فيها، والمحافظة على مستوى مرتفع من التشغيل لتمكين البشر من كسب عيشهم بكرامة من عملهم وعلمهم فى وظائف حقيقية، ويضع نظاما كفؤا وفعالا للدعم والتحويلات، بما يحقق ضمانا حقيقيا للفقراء وتحفيزا للنمو فى المجالات الاقتصادية الأكثر حيوية لمصلحة الأمة ومستقبل اقتصادها، ويهيئ البيئة الاقتصادية بصورة ملائمة لازدهار الأعمال، وبالذات الأعمال الصغيرة والمتوسطة والتعاونية فى قطاع الصناعة التحويلية وبالذات التصنيع الزراعى والصناعات عالية التقنية، التى تعتمد على كفاءة وعلم البشر بصورة أساسية، من خلال سياسات مصرفية ومالية ونقدية تؤدى إلى تحقيق هذا الهدف، وتخلق بالتالى بابا واسعا لرفع مستوى التشغيل.

ويبدو البرادعى الذى خرج فى الأصل من رحم الدولة والذى يمكن لقطاع واسع منها أن يقبله فى إطار عملية إصلاح وتطوير تحول دون وقوع مصر فى أزمة سياسية-اجتماعية كبرى.. يبدو هذا الرجل بما يحظى به من احترام دولى وما يتيحه له ذلك من حصانة وقدرة على الحركة بمرونة فى قيادة النهوض والإصلاح.. يبدو بالفعل كرجل الأقدار الذى يمكن التوافق عليه وتتعلق به آمال أمة هائلة فى الإصلاح وتغيير المسار والمصير، وفى تقديم نموذج نهضوى ملهم يعيد الهيبة والكرامة ودفة القيادة العربية والإقليمية إلى مصر عن استحقاق وجدارة وليس بالأغانى والإدعاءات السمجة حول القيادة والريادة البعيدة عن الواقع.

فالبرادعى رجل يمكن قبوله كزعيم وقائد من مختلف التيارات السياسية الراغبة فى الإصلاح والتغيير، لأنه ببساطة لم يخض معارك ومبارزات وانقسامات هذه التيارات، كما أن أفكاره بشأن الإصلاح والتغيير فى مصر والتى طرحها فى حواراته المختلفة تركز على الأهداف المشتركة بين مختلف التيارات، وبالذات ما يتعلق منها بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ومواجهة انتشار الفقر والبطالة ومعالجة العشوائيات وإصلاح التعليم بصورة جوهرية وتحقيق درجة مقبولة من العدالة الاجتماعية تضمن تحقيق الاستقرار الاجتماعى الموضوعى وليس المصنوع بقبضة بوليسية تمثل إرهابا حقيقيا للشعب وقواه الحية كما هو الوضع فى الوقت الراهن.

والبرادعى مثل آلاف فى مصر، رجل راقى التأهيل والتعليم، ويتميز بأن لديه خبرات دولية كبيرة، والحصيلة أن مهاراته العقلية والعلمية تؤهله لإدارة دفة الحكم بصورة عالية الكفاءة بالتوافق مع فريق الحكم والسلطات التشريعية المنتخبة ديمقراطيا بدون التزوير المعتاد، وبالتعاون أيضا مع أجهزة الدولة بعد دمقرطتها فى إطار آليات ديمقراطية حقيقية ضمن نظام يتوافر فيه الفصل بين السلطات والتوازن بينها كأسس حاكمة لأى نظام ديمقراطى.

وفضلا عن كل ما سبق فإن النظام السياسى فى مصر تعود على إرهاب الداخل والقمع المادى والمعنوى لأى مطالبة بالديمقراطية الكاملة، بالقول دائما بأن مثل هذه الديمقراطية الكاملة والحقيقية ستأتى بالقوى الدينية السياسية الظلامية والطائفية إلى سدة الحكم، ليبدأ عصر من الانقلاب على أى حد أدنى من الحريات.. بل والدخول إلى تمزيق الكيان الاجتماعى للأمة المزدوجة الديانة والتى لا يحتمل مستقبلها كأمة موحدة بالفعل، أى نظام دينى أو طائفى. وفى هذا السياق لإرهاب الداخل يجرى تضخيم قوة تلك التيارات بصورة بعيدة عن الواقع، كما تتسابق الحكومة وأجهزة إعلامها مع تلك التيارات على التطرف الدينى. كما تعود النظام السياسى المصرى على إرهاب الخارج وبالذات الغرب الذى يطالبه بالإصلاح السياسى والديمقراطي، بأن مثل هذا الإصلاح سيدفع بقوى معادية للغرب سواء من قوى الإسلام السياسى أو الناصريين أو اليسار إلى مقدمة المشهد السياسى، وسيضر بالمصالح الغربية ومصالح الكيان الصهيونى، التى ترتبت وتأسست مع النظام الحاكم فى مصر. كما أن تلك القوى تتضمن فصائل يصنفها الغرب على أنها داعمة للإرهاب، وبالتالى فإنه ليس من المصلحة بالنسبة للغرب أن يدعم الإصلاح السياسى والديمقراطى فى مصر.

وهذه الصيغة التى تفنن النظام الحاكم فى مصر فى ترويجها وإرهاب الداخل والخارج بها، تسقط تماما ولا تستقيم بأى صورة من الصور فى حالة وجود رجل مثل الدكتور محمد البرادعى فى قيادة العملية النهضوية الإصلاحية، فهو رجل ينتمى لقوى التنوير العام غير المتخندق فى ركن أيديولوجى ضيق، وهو مؤمن بعمق بقيمة الحرية ويمكن أن يقود مصر بشكل سريع وواثق وكفء ومتزن إلى بناء نظام ديمقراطى يحترم حقوق وحريات الإنسان على غرار أفضل النظم الأوروبية فى هذا الصدد، وهو فى نفس الوقت قادر على التعامل مع المجتمع الدولى وقضايا العلاقات السياسية والاقتصادية الخارجية فى ظل الاحترام الكبير الذى يحظى به دوليا.

وصحيح أن مصر بها الكثير من الرجال الذين يصلحون للقيام بأدوار كبرى فى عملية التغيير والإصلاح الديمقراطى والاقتصادى والاجتماعى، ومنهم من قدموا تضحيات كبيرة وصمدوا بصورة ملهمة فى نضالهم من أجل التغيير وفى مقدمتهم الدكتور أيمن نور، إلا أن الدكتور محمد البرادعى بكل مواصفاته ومواقفه ومكانته الدولية وتوافق القوى الحية بشأن دفعه إلى مقدمة قافلة الإصلاح والتغيير، هو رجل الأقدار لقيادة مصر من أجل إصلاح أحوال الأمة وبناء نظام يرتقى لقيمتها وقامتها وميراثها الحضارى الهائل وأشواقها للحرية والعدالة الاجتماعية، ويعيد لها مكانتها وهيبتها عربيا وإقليميا ودوليا.

أحمد السيد النجار رئيس تحرير تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية بمركز الأهرام للدراسات
التعليقات