الطريق للدولة المدنية - محمد العجاتي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطريق للدولة المدنية

نشر فى : الأحد 10 أبريل 2011 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأحد 10 أبريل 2011 - 9:15 ص

 أشعل الاستفتاء على التعديلات الدستورية مواجهة بين النخبة، وتفضل معظم الكتاب والمفكرين بقراءة نتائج هذا الاستفتاء من زاوية فى منتهى الضيق، تقوم على أنها حرب بين الدولة الدينية بقيادة أصحاب «نعم» فى وجه أنصار الدولة المدنية الذين رفعوا شعار «لا»، وتستبعد هذه القراءة من قالوا نعم بهدف دعم الاستقرار، والذين قالوا نعم تأييدا لما تقوم به القوات المسلحة، أو من يرونها الطريق الأسرع لعودة الجيش إلى ثكناته، ناهيك عمن اقتنعوا بالتعديلات، والمؤيدون لما يحدث على الأرض من تغيرات ثورية. أما من قالوا لا، فمنهم من يعترض أساسا على طريقة التعديلات وصياغتها، وقد عبر عن ذلك العديد من الفقهاء الدستوريين عبر مقالات صحفية وأحاديث تليفزيونية، ومنهم من يرفض فكرة التعديل فى حد ذاتها ويطالب بدستور جديد، وقد يكون لدى فئة من هؤلاء دستور أكثر ارتباطا بالدين من مجرد مادة تتحدث عن مبادئ الشريعة الإسلامية. على الرغم من تباين أطياف الـ «نعم» وأطياف الـ «لا»، إلا أن كثيرين من النخبة جروا وراءهم الجماهير مختزلين الخلاف فى موضوع الدولة المدنية.

لا يمكن نفى أن معظم التيارات الدينية قادت حملة شرسة فى صالح «نعم»، وأن فئة كبيرة من أنصار الدولة المدنية تبنوا حملة «لا». لكن القراءة الأحادية النظرة، التى تم تحليل نتيجة الاستفتاء بناء عليها، منحت نصرا لجهة على أخرى دون وجه حق، ورتبت رؤى وترتيبات للمستقبل مبنية على تحليل غير كامل للوضع فى المجتمع المصرى، ولعل تبنى جماعة مثل الإخوان المسلمين لشعار الدولة المدنية حتى تاريخه، ومن قبل رفع هذا الشعار على طول أيام اعتصام التحرير، ومن بعدها نتائج انتخابات الاتحادات الطلابية فى جامعة القاهرة، التى لم يصل فيها الإخوان لـ30% من مقاعد الاتحادات، تدفع الجميع لمراجعة قراءة نتائج الاستفتاء، والبحث عما يحتاجه الناس بالفعل حتى تتمكن القوى السياسية المختلفة من تبنى الخطاب، الذى يتلاءم مع هذه المطالب فى محاولة لكسر هذا الحاجز الذى كان بين النخبة والجماهير.

إلا أن النخبة من أنصار الدولة المدنية يبدو أنهم ما زالوا أسرى هذه القراءة لنتائج الاستفتاء وبدأوا بالفعل تحويل برامج الأحزاب القائمة، أو التى تحت التأسيس، ليكون تركيزها الأساسى على مفهوم الدولة المدنية، ويدعون لتكتلات وائتلافات حول شعار الدولة المدنية لمواجهة من يرونهم خصوم من أنصار الدولة الدينية أو الإسلاميين، وصلت إلى حد الدعوة إلى قائمة موحدة فى مواجهة هؤلاء الخصوم فى الانتخابات المقبلة، وكما يدعى أنصار الدولة المدنية أن «نعم» كانت تحالف بين الإسلاميين وفلول النظام السابق. بدا واضحا أنهم الآن لا مشكلة لديهم فى التعامل مع فلول هذا النظام ورجال أعماله لمواجهة العدو الإسلامى فى حالة أشبه بحالة الإسلاموفوبيا، التى اجتاحت الغرب بعد 11 سبتمبر.

لا أنكر أننى من أنصار الدولة المدنية التى تفصل بالكامل الدين عن الدولة، بل إننى من أنصار تغيير المادة الثانية، لتشمل إلى جوار مبادئ الشريعة الإسلامية مبادئ أخرى مسيحية وأممية، تتمثل فى المواثيق والمعاهدات الحقوقية الدولية دون تحفظ. كما أننى سأصوت فى الانتخابات للقائمة الموحدة إذا ظهرت، إلا أن ذلك يجب أن ينبع من رؤية سياسية يؤيدها المواطن، وينطلق منها وليس تصويتا احتجاجيا ضد طرف آخر، واعتبار الأطراف الأخرى أيا كان مرجعيتهم منافسين سياسيين، وليسوا أعداء طالما ظلوا يعملون تحت مظلة القانون، ويجب أن يستمر أنصار الدولة المدنية فى دعواهم لقانون يحرم استخدام دور العبادة فى الدعاية الانتخابية، خاصة أن البرلمانية منها ستأتى بعد شهر رمضان الكريم، وهو يمكن أن يمثل ساحة دعاية لتيارات دون غيرها، إلا أن هذه الدعوة لا يجب أبدا أن تكون دعوة للحجر على شخص أو رأى لأن مرجعيته مختلفة.

ولكن هل يظل ما سبق هو الطريق للدولة المدنية؟ إن العمل تحت شعار الدولة المدنية هو فى الواقع انتقال إلى ملعب المنافس، وهو ما يسهل مهمته ويجعل قدرته على تحقيق المكاسب أكبر، ناهيك على أن الفريق الآخر يتناسى فى هذه الحالة كل مبادئه الأخرى، ويركز على شعاره «الدولة المدنية» دون الخوض فى مضمونها. إن الطريق إلى الدولة المدنية يجب أن يبنى على الأسس والقواعد الخاصة بها، مرتكزا على الشعارات والمطالب التى رفعها المصريون خلال ثورتهم، عن طريق وضع السياسيين أمام مسئوليتهم فى خطاب واضح حول المواقف السياسية الخاصة بالحرية والديمقراطية وحقوق الفئات المختلفة فى المجتمع، وتحديد مفهوم المساواة فى الحقوق والواجبات بين الجميع. التحول إلى مثل هذه الإستراتيجية هو خروج من نطاق النخبة الثقافية لدائرة أوسع هى دائرة السياسيين والمسيسين. لكن ماذا عن الخطاب الأهم وهو الخطاب الموجه للشعب؟

الدولة المدنية لن تقام على فكر مجرد ولكن بربطها بمشاكل الناس، وخطابها يجب أن ينبع فى الأساس من مطالب وحاجات الجماهير وركيزتها الأساسية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بداية من الهياكل الخاصة بها، من تعيينات وأجور، وصولا للخدمات المرتبطة بها من صحة وتعليم وسكن إلى آخرها. فأى مشروع يدعو إلى الدولة المدنية يجب أن يركز فى المرحلة المقبلة على وجود برنامج يستطيع من خلاله التوجه إلى الجماهير يكون مبنيا على هذه النوعية من القضايا التى تهم المواطن، وتعتبر أساس لما هو أبعد من ذلك من ضمان للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وأن يكون هذا البرنامج فى صالح الغالبية العظمى للشعب، وليس لمزيد من تكريس المصالح الرأسمالية حتى لو وضعت تحت عباءة الوطنية، ألم يدع أحمد عز أنه رأسمالية وطنية؟ وبناء على هذا التوجه سيستوجب على أنصار الدولة المدنية ليس فقط مراجعة شعارهم وخطابهم، وإنما كذلك تحالفاتهم فى الفترة المقبلة. فالطريق إلى الدولة المدنية هو طريق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كضامن حقيقى ورئيسى للحقوق المدنية والسياسية.

محمد العجاتي باحث والمدير التنفيذي لمنتدى البدائل العربي
التعليقات