وثيقة الدكتور السلمى.. ملاحظات حول المنهج والمضمون - مصطفى السعيد - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 6:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وثيقة الدكتور السلمى.. ملاحظات حول المنهج والمضمون

نشر فى : السبت 19 نوفمبر 2011 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 19 نوفمبر 2011 - 8:30 ص

أثارت الوثيقة التى طرحها د. على السلمى، نائب رئيس مجلس الوزراء للتحول الديموقراطى، ــ على عدد محدود من الأحزاب والشخصيات العامة ــ الكثير من الجدل، بل ومن الصخب، حول منهج عرضها وحول مضمونها. فالبالنسبة لمنهج العرض فقد ثار الجدل والصخب حول التسرع فى عرض الوثيقة للحصول على توافق حول بنودها دون أن يسبق ذلك وبالقدر الكافى حوار مجتمعى موسع تشارك فيه الأحزاب والقوى السياسية المختلفة خاصة بالنسبة للبنود التى استجدت ولم يسبق الحوار حولها، كما قد تم عرض الوثيقة وقد بدأت المراحل التنفيذية لانتخابات مجلس الشعب، لتفجر من القضايا ما يحتاج التوافق عليها إلى توافر مناخ هادئ يصعب تحقيقه أثناء تصاعد المعركة الانتخابية.

 

أما بالنسبة للمضمون، فإن الجدل والصخب لم يقتصر على مناقشة ما تصمنته الوثيقة من مبادىء دستورية أساسية حول هوية الدولة ومصادر التشريع بها وحقوق الإنسان.. إلخ، بل تجاوز ذلك لمناقشة قضيتين فى غاية الأهمية والخطورة. القضية الأولى هى علاقة الجيش بالسلطة المدنية، وحق المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا، وفى مقدمتها مجلس الشعب، فى تحديد ومراقبة كيفية التصرف فى موازنة القوات المسلحة، وفى إصدار القوانين التى تتعلق بهذه القوات. أما القضية الثانية فإنها تتعلق بتحديد الجهة التى لها الحق فى اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية التى سيوكل إليها وضع الدستور، والتى لها الحق فى تحديد المبادىء الأساسية التى يتعين أن يتضمنها الدستور، وهل هى اللجنة التأسيسية التى سيختارها مجلس الشعب المنتخب ديمقراطيا وفقا للإعلان الدستورى السارى حاليا، أم السلطة التنفيذية التى صاغت الوثيقة ممثلة فى السيد د.نائب رئيس مجلس الوزراء للتحول الديمقراطى؟..

 

وبدون الدخول فى تفاصيل الحجج التى يدلى بها مقدم الوثيقة ومؤيدوه، وتلك التى يدلى بها معارضو الوثيقة، فإن الجدل والصخب الذى نعيشه إنما يعكس صراعا بات واضحا على المسرح السياسى المصرى منذ قيام الثورة، بين أنصار الإسلام السياسى من ناحية وأنصار الاتجاه الليبرالى من ناحية أخرى. فأنصار الإسلام السياسى، وفى مقدمتهم حزب الحرية والعدالة، يتوقعون الحصول على نسبة مسيطرة بمجلس الشعب مما يمنحهم الحق فى التأثير على اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، والتأثير على ما يتم تبنيه من مبادىء دستورية، بينما يخشى الليبراليون من سيطرة أنصار الإسلام السياسى، واحتمال تبنيهم لمبادىء دستورية تتناقض مع مبدأ مدنية الدولة، وتتناقض مع مبدأ الحرية الدينية والتعددية الحزبية، مما يهدد فى النهاية البنيان الديمقراطى الذى يسعى مجتمع ثورة 25 يناير إلى تحقيقه. ونظرا لما يشعر به الاتجاه الليبرالى من ضعف تنظيماته الحزبية وتشتت قواه بين أحزاب وتجمعات سياسية لم تتمكن بعد من تكوين قواعد شعبية قوية فى جميع أو معظم أنحاء مصر، فإنه يسعى ومنذ قيام الثورة، إلى تحقيق التوافق بين القوى السياسية المختلفة، ومنها قوى أنصار الإسلام السياسى، لتبنى مجموعة من المبادىء الدستورية الأساسية التى تؤكد مدنية الدولة والتى تلتزم بها اللجنة التأسيسية التى سيوكل إليها وضع الدستور الجديد.

 

وهذا ما حاوله د.يحيى الجمل أثناء توليه لمنصب نائب رئيس الوزراء تحت عنوان «الوفاق الوطنى»، وما حاوله د.عبدالعزيز حجازى تحت عنوان «الحوار الوطنى». وكلتا المحاولتين انتهيتا إلى مجموعة من التوصيات لم تجد طريقها إلى قرارات ملزمة، أو حتى إلى قرارات توافقية بين جميع أو أهم القوى السياسية الموجودة على مسرح السياسة المصرية فى المرحلة الحالية.

 

والآن تأتى وثيقة د.السلمى كحلقة جديدة من محاولات الاتجاه الليبرالى لتفادى سيطرة أنصار الاتجاه الإسلامى على تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور وما تتبناه من مبادىء، وذلك برفع شعار ضرورة التوافق، وقبل انعقاد مجلسى الشعب والشورى، على كيفية تشكيل اللجنة التأسيسية وما يتعين أن يتضمنه الدستور من مبادىء أساسية.

 

ومع تقديرى الكامل للدكتور على السلمى، ومن قبله الدكتور يحيى الجمل وأستاذنا دكتور عبدالعزيز حجازى، إلا أن محاولاتهم للتوصل إلى توافق مجتمعى حول توصياتهم ومقترحاتهم لم تساندها، كما ذكرت، قوى شعبية منظمة وقوية، بل لقد ناصبها العداء مجموعات من أنصار الإسلام السياسى وأعطاها حزب الحرية والعدالة فى البداية موافقة من حيث المبدأ دون مشاركة أو التزام فعلى بها، بل وأعلن فى الفترة الأخيرة صراحة الوقوف ضدها. وبالتركيز على محاولة د.على السلمى فإنها إلى جانب ما اتسمت به من محاولة التسرع للحصول على توافق دون أن يسبقه حوار مجتمعى موسع، وإلى مجيئها متأخرة بعد أن اشتعلت المعركة الانتخابية، فإنها قد جاءت، من حيث المضمون، لتقحم أوضاع القوات المسلحة ومجلسها الأعلى ضمن المبادىء الأساسية التى يتعين التوافق عليها، وتأتى بمبادىء تجعل من القوات المسلحة الحامية للشرعية الدستورية، وبمبادىء متعلقة بموازنة القوات المسلحة وإصدار القوانين المتعلقة لها وبمبادىء تحكم كيفية تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور وهى مبادىء من شأنها أن تثير من الخلافات والصراعات أكثر مما قد تحققه من توافق.

 

كما أن هذا الإقحام وعلى النحو الذى جاء به، قد فسره الكثيرون بأنه محاولة من د.على السلمى ومؤيديه أن يضمنوا تأييد ومساندة القوات المسلحة ومجلسها الأعلى لمحاولتهم الجديدة، وأن يكون هذا التأييد وتلك المساندة عوضا عن عدم توافر القوى الشعبية المنظمة المؤيدة لما تضمنته الوثيقة من مبادىء دستورية. وبدون الدخول فى تفاصيل ما إذا كانت القوات المسلحة ومجلسها الأعلى قد عرضت عليه وثيقة د.على السلمى من عدمه، وما إذا كان المجلس موافقا، أو معترضا، أو متحفظا عليها، فإن هذا الإقحام لأوضاع القوات المسلحة وإعطائها حق حماية الشرعية الدستورية قد أضعف من فرص التأييد لهذه الوثيقة، إذ اعترض عليها فريق لا يستهان به من أنصار الفكر الليبرالى ومنهم د.محمد أبوالغار وغيره، كما اتخذته قوى أنصار الإسلام السياسى ستارا لمهاجمة الوثيقة على الرغم من احتوائها على مبادىء وبنود لو طرحت وحدها بعيدا عن هذا الإقحام لكان من الصعب على هذه القوى إعلان عدم التوافق عليها.

 

والسؤال الآن الذى يتعين طرحه للحوار الموضوعى هو هل هناك ضرورة لتحقيق توافق مجتمعى على مبادىء دستورية محددة وقبل اجتماع مجلسى الشعب والشورى؟ وإذا كانت هناك ضرورة فما هى تلك المبادىء التى يتعين طرحها للتوافق؟ وإذا لم يتحقق التوافق فما هو الحل؟. باختصار شديد تاركين التفاصيل لمقالات قادمة، ولما قد يدور من حوارات موضوعية حول هذا السؤال وما يتفرع عنه، فإن من المصلحة أن تتوافق القوى السياسية الليبرالية والإسلامية على مجموعة من المبادىء الأساسية، على أن يقتصر التوافق على المبادىء التى جاءت بها وثيقة الأزهر من التأكيد على مدنية الدولة وعلى أن دين الدولة هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع على أن يخضع المنتمون إلى الأديان السماوية الأخرى لما تنص به شريعتهم متعلقا بأحوالهم الشخصية، إلى جانب تلك المبادىء العامة المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات والتعددية وتداول السلطة.. إلخ، دون التعرض لأوضاع القوات المسلحة أو نظام الدولة رئاسى أو برلمانى أو مختلط، أو نسبة العمال والفلاحين، أو مجلس واحد أم مجلسين تاركين ذلك لتقرره اللجنة التأسيسية للدستور، بما يتفق مع المصلحة العامة للمجتمع، وهناك بدائل عديدة يمكن طرحها ومناقشتها تاركين الاختيار بينها لما تفرضه القواعد الديمقراطية من سيادة رأى الأغلبية داخل اللجنة ولما ينتهى إليه الاستفتاء الشعبى. ولكن ياحبذا لو تم التوافق ومن الآن على كيفية تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور لتفادى احتمال الخلاف أو التحيز إذا أرجىء تشكيلها إلى ما بعد انتهاء مراحل الانتخابات المقبلة.

 

ولكن ما هو الحل إذا لم يتحقق هذا التوافق بسبب أو آخر؟ هناك بديلان أساسيان، الأول أن يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بما له من سلطات فى هذه المرحلة الانتقالية بتعديل الإعلان الدستورى القائم بإضافة المبادىء الأساسية التى يرى من المصلحة ومن الضرورة أن يتضمنها الدستور القادم، والبديل الثانى أن يترك هذه المبادىء لتحددها اللجنة التأسيسية للدستور التى يقوم مجلس الشعب القادم باختيارها وفقا لما قرره الإعلان الدستورى القادم دون تعديل. ومن وجهة نظرى أن أفضل البديلين هو الثانى لما يحققه من استقرار ولما يتضمنه من الحفاظ على حياد القوات المسلحة ومجلسها العسكرى وعدم تحيزه لتيار سياسى دون آخر تاركين للقواعد الديمقراطية ولمن يحصل على الأغلبية فى البرلمان القادم الحق فى ممارسة حقوقه واختصاصاته آملين أن من يحصل على الأغلبية سيغلب المصلحة القومية على المصلحة الذاتية، وتاركين للمعارضة الحق فى المراقبة وتنظيم قواها لمعارك انتخابية ديمقراطية قادمة. كما أود التأكيد أنه لا يتصور وجود حكومة انتخبها الشعب ولا تحرص على وجود قوات مسلحة قوية ومحل احترام وتقدير، وألا تحرص على حماية الأمن القومى لمصر وتأكيد دور القوات المسلحة لتدعيم هذا الهدف.. وبعبارة أخيرة فليكن شعارنا جميعا الديمقراطية هى الحل.

 

ووفقنا الله لما فيه خدمة مصر وشعبها

 

مصطفى السعيد  وزير الاقتصاد الاسبق
التعليقات