إنهاء حصار غزة.. وقضية الأنفاق - مصطفى السعيد - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 5:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنهاء حصار غزة.. وقضية الأنفاق

نشر فى : الأحد 26 أغسطس 2012 - 7:45 ص | آخر تحديث : الأحد 26 أغسطس 2012 - 7:45 ص

تنفيذا لمخططاتها للتغلب، بل والقضاء، على فصائل المقاومة الفلسطينية، لم تكتفِ إسرائيل بالتوسع فى اعتقال رجال المقاومة، ولا بالمحاولات المتكررة لاغتيال قيادات العديد من فصائل المقاومة وتصفيتهم جسديا، بل قامت بالعديد من الاعتداءات العسكرية مستخدمة جميع الأسلحة المتقدمة وغير المشروعة خاصة على قطاع غزة، وكان أفظعها ذلك الأعتداء الوحشى خلال عام 2010، والذى راح ضحيته المئات من الفلسطينيين ليس من رجال المقاومة فقط، ولكن من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء، وصاحب كل ذلك تلك المحاولات الدنيئة لحصار قطاع غزة ومنع دخول العديد من السلعة الأساسية إلى القطاع، وفى مقدمتها السلعة الغذائية ومصادر الطاقة. واستمرت إسرائيل فى إحكام حصارها على قطاع غزه متجاهلة احتجاج العديد من المنظمات والهيئات الدولية، غير مكترثة بما نصت عليه مواثيق حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية وفى مقدمتها اتفاقية جنيف التى تتحدث عن حقوق المواطنين فى الدول الواقعة تحت الاحتلال.

 

•••

 

وإنقاذا لحياة المواطنين بقطاع غزه، كان لابد من إيجاد وسيلة للتغلب على هذا الحصار وتفادى آثاره السلبية شديدة الخطورة على حياة المواطنين بل وعلى مستقبل القضية الفلسطينية، وهى قضية أمن قومى لمصر، بل وللعالم العربى ككل. وإزاء تعنت الجانب الإسرائيلى وصلفه لم يكن هناك مفر من كسر هذا الحصار إلا من خلال فتح الحدود المشتركة بين مصر وغزه، ولاعتبارات متعلقة بما وقعته مصر من اتفاقيات حول تنظيم حركة انتقال الأفراد والسلع عبر معبر رفح، وهى الاتفاقية التى تعطل تنفيذها نتيجة الاعتداء الإسرائيلى العسكرى على غزة عام 2010، ولاعتبارات متعلقة بطبيعة العلاقات بين مصر وكل من إسرائيل والولايات المتحدة، لم ترد مصر السماح، على نحو علنى، بانسياب حركة انتقال الأفراد والسلع بين مصر وغزة على نحو طبيعى من خلال معبر رفح، بحيث يتم انتقال الأفراد بعد الحصول على التأشيرات القانونية، ويتم انتقال السلع بعد التأكد من سداد الرسوم الجمركية وخضوعها لجميع الشروط والقواعد التى تحددها قوانين كل من الجهتين مصر وغزة، لكنها غضت النظر على ما قام به الجانب الفلسطينى فى رفح من إنشاء العديد من الأنفاق عبر حدود البلدين، والتى بدأت بالسماح بانتقال عدد محدود من السلع الأساسية كالمواد الغذائية والأدوية لتتطور بعد ذلك، وتزداد فى العدد بحيث أصبح هناك المئات من هذه الأنفاق وبأحجام ضخمة تسمح بتهريب السيارات ومختلف أنواع الأسلحة والمعدات والآلات.

 

•••

 

وبعبارة أخرى، فإنه فى الوقت الذى كانت تعلن فيه الحكومة المصرية قبل الثورة وبعد الثورة غلق معبر رفح الرسمى وعدم السماح بفتحه إلا فى فترات محدودة، نجدها قد تركت الأنفاق لتتكاثر وتتطور رغبة منها فى أن تكون وسيلة بديلة عن فتح المعبر رسميا، لكسر الحصار الذى تفرضه إسرائيل على قطاع غزه.. إلا أن هذه الأنفاق قد تطور استخدامها ولم تعد فقط وسيلة لكسر الحصار عن غزه وإمداد أهلها باحتياجاتهم الأساسية، ولكن تطور استخدامها لتكون قناه لتهريب العديد من السلع غير المشروعة مثل السيارات والمعدات المسروقة والمخدرات. ونشأت عصابات منظمة على جانبى الحدود فى سيناء وغزه لتهريب السلع من خلال الأنفاق. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أصبحت الأنفاق وسيلة لتسلل المخربين والأرهابين لمباشرة أنشطة تضر بالأمن القومى المصرى ضررا شديدا، وما الأحداث الأخيرة فى سيناء وقتل عدد من ضباط وجنود الجيش المصرى وقت الإفطار إلا دليلا على تنامى استخدام الأنفاق بواسطة مجموعات إرهابية منظمة، كثيرا ما يتم اختراقها بواسطة أجهزة مخابراتية أجنبية خاصة الإسرائيلية والأمريكية، والتى تهدف إلى تعميق حالة الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار الأمنى والسياسى لمصر.

 

•••

 

وكان من الطبيعى أن تقوى الدعوة فى مصر لغلق هذه الأنفاق، وقد أصبحت مصدر قلق وضرر لاقتصاد مصر وأمنها القومى، وتحولت هذه الدعوة إلى عقيدة على النحو الذى شاهدناه بعد الحدث الأخير فى سيناء، وتلقى هذه الدعوة الآن تجاوبا ملحوظا لدى متخذى القرار. ومع تقديرى التام للإعتبارات التى يستند إليها القائلون بغلق هذه الأنفاق، إلا أن هذا لا يجوز أن يتم دون التوصل إلى حلول بديلة لكسر ما تفرضه إسرائيل من حصار على غزه، إذ إن كسر هذا الحصار مسئولية تقع على عاتق الدول العربية وفى مقدمتها مصر، حيث إن استمرار هذا الحصار من شأنه أن يؤدى إلى حالة من التوتر والاضطراب فى المنطقة مما يضر بمصالح جميع هذه الدول.

 

•••

 

ويبقى السؤال، كيف نعالج الاستخدامات غير المشروعة للأنفاق وما ينتج عن وجودها من أضرار ومخاطر للأمن القومى لمصر واقتصادها، دون أن نقع فى فخ مساعدة إسرائيل فى إحكام حصارها لقطاع غزه؟. هناك بدائل ثلاثة يمكن اقتراحها.

 

البديل الأول: وهو إغلاق هذه الأنفاق بالكامل وذلك بالأتفاق مع السلطات المسئولة فى قطاع غزه، على أن يسمح بانتقال الأفراد والسلع بالطرق المشروعة من خلال معبر رفح الذى ينظر إليه ككيان جمركى لا يسمح للأفراد اجتيازه، إلا بعد حصولهم على تأشيرة من السلطات المختصة، كما لا يسمح بانتقال السلع من خلاله إلا إذا كانت سلع مشروعة والتحقق من منشأها وسدادها للرسوم الجمركية المقررة. ويرتبط بهذا البديل بحث ودراسة إمكانية إقامة منطقة حرة على الحدود بين مصر وغزة.

 

البديل الثانى: أن تضغط مصر من خلال القنوات الدبلوماسية، ومن خلال المنظمات الدولية والقوى أصحاب المصلحة فى استقرار المنطقة أن وجدت، لإجبار إسرائيل على فك الحصار وعودة الحياة الطبيعية لقطاع غزه وربطه بالضفة الغربية وتشغيل ميناء غزه ومطارها لتصدير واستيراد السلع وانتقال الأفراد.

 

البديل الثالث: أن تبقى الأنفاق من حيث المبدأ، مع ترشيد استخدامها وإخضاعها للمراقبة والإشراف.

 

•••

 

وبدون الدخول فى تفاصيل هذه البدائل الثلاثة، فإن البديل الثالث يصعب تطبيقه فى الوقت الحالى بعد أن زاد عدد هذه الأنفاق على نحو كبير وتتطور بنيانها وكبرت أحجامها بحيث يصعب إيجاد الأجهزة القادرة على ترشيد استخدامها وإخضاعها للمراقبة والإشراف. ومما يزيد من صعوبة الإشراف والرقابة أن معظم هذه الأنفاق فى بدايتها ونهايتها تكون داخل مساكن ومحال إقامة المواطنين.

 

أما عن البديل الثانى، فإنه يصعب تطبيقه فى ظل الحقائق السائدة إقليميا وعربيا ودوليا، فإن الصلف الإسرائيلى المدعم عسكريا ودبلوماسيا من الولايات المتحدة سيحول دون إمكانية إجبار إسرائيل على فك الحصار، خاصة أن هذا الحصار يعطيها الفرصة لإضعاف المقاومة الفلسطينية، خاصة حماس، كما يعطيها الفرصة لتصدير القلق والاضطراب وعدم الأستقرار إلى مصر، كما يحول دون زيادة النفوذ الإيرانى فى المنطقة بالضغط على المتحالفين معها.

 

مما تقدم يتضح أن البديل الأول هو الأفضل لتحقيق فك الحصار بأسلوب مشروع وتفادى الآثار الضارة الأمنية والأقتصادية لوجود الأنفاق، والذى أدعو إلى تبنيه وتطبيقه.

مصطفى السعيد  وزير الاقتصاد الاسبق
التعليقات