ثورات مصر الثلاث - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 2:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثورات مصر الثلاث

نشر فى : الخميس 25 يوليه 2013 - 8:00 م | آخر تحديث : الخميس 25 يوليه 2013 - 8:00 م

إذا كنت تبحث عن بارقة أمل فيما يجري في مصر الآن، أقترح عليك أن ترتفع لمسافة 30 ألف قدم وتنظر لأسفل. من تلك المسافة يكون للأحداث في مصر على مر العامين ونصف الماضيين معنى. فقد شهدت مصر ثلاث ثورات في واقع الأمر منذ أوائل عام 2011، وعندما تجمعها كلها معًا يمكنك تمييز رسالة بشان ما يبحث عنه غالبية المصريين.

كانت الثورة الأولى هي إطاحة الشعب المصر والجيش المصري بالرئيس حسني مبارك وجعل وزير الدفع السابق، المشير العجوز محمد حسين طنطاوي، رئيس الدولة الفعلي. وأثبت طنطاوي وزملاؤه أنهم عاجزون بالمرة عن إدارة الدولة وحل محلهم، من خلال انتخابات ثورية، حزب الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي. وقد أسرع بمحاولة ترسيخ السلطة بالإطاحة بالجيش ووضع المتعاطفين مع الإخوان المسلمين في المناصب المهمة. وأخاف أسلوبه الأوتوقراطي الإقصائي وقيادته الاقتصادية الفاشلة الوسط المصري الذي عمل بشكل جماعي الشهر الماضي مع جيل جديد من الضباط من أجل ثورة للإطاحة بمرسي والإخوان المسلمين.

الأمر بلغة أكثر بساطة هو أن ثورة مصر الأولى كانت للتخلص من اليد الميتة، وكانت الثورة الثانية للتخلص من الرؤوس الميتة، وكانت الثورة الثالثة لتحاشي الدخول في طريق مسدود.

وقعت الثورة الأولى لأن عددًا كبيرًا من الشباب المصري غير الإسلاموي في أغلبه قد سئم اليد الميتة الخانقة لعصر مبارك ـ وهي اليد التي كانت ميتة على نحو جعل الكثير من الشباب المصري يشعر بأنه يعيش في نظام مزيف، حيث لا تُتاح لهم فرصة تقدير قدرتهم بالكامل في ظل قائد لا رؤية له. وبعد حوالي 30 عامًا من حكم مبارك وحوالي 30 مليار دولار من المساعدات الأمريكية، كان حوالي ثلث المصريين مازال لا يعرف القراءة والكتابة.

ومع ذلك فالجنرالات الذين حلوا محل مبارك، كانوا رؤوسًا ميتة غير قادرة على الحكم ـ وكانت ميتة إلى أن مصريين ليبراليين كثيرين كانوا على استعداد للتصويب لمصلحة مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي ضد جنرال عصر مبارك السابق في انتخابات يونيو 2012. لكن مرسي أثبت أنه أكثر اهتمامًا بترسيخ قبضة الإخوان المسلمين على الحكم منه بالحكم نفسه، وقد دفع مصر إلى طريق مسدود ـ وكان مسدودًا على نحو جعل المصريين ينزلون إلى الشوارع في 30 يوليو وتوسلوا بالفعل إلى الجيش كي يطيح بمرسي.

اجمع هذا كله وستكون هناك رسالة من الأغلبية المصري: لا لمزيد من الأيدي الميتة، نريد حكومة تلهم بجعل مصر طليعة العالم العربي من جديد. لا لمزيد من الرؤوس الميتة، نريد حكومة يديرها أشخاص أكفاء يمكنهم استعادة النظام وفرص العمل. لا لمزيد من الطرق المسدودة، نريد حكومة شاملة وتحترم حقيقة أن ثلثي المصريين ليسوا إسلامويين، ومع أن كثيرين متدينيين، فهم لا يريدون العيش في أي شيء قريب من الدولة الدينية.

من الصعب المبالغة في مقدار تدهور الاقتصاد والقانون والنظام في عهد الرئيس مرسي. فقد كان مصريون كثيرون يشعرون بعدم الأمن على نحو جعلهم يقبلون على شراء الكلاب البوليسية! وبات مرشدون سياحيون كثيرون بلا عمل بسبب تحذير السائحين من تجنب الذهاب إلى الأهرام لأن الجمالين وباعة البطاقات البريدية اليائسين سوف يتكالبون عليهم. وأظهر استطلاع للرأي أجراه هذا الأسبوع المركز المصري لأبحاث الرأي العام أن 71 بالمائة من المصريين "غير متعاطفين مع المتظاهرين المؤيدين لمرسي".

صحيح أنه كان سيصبح من الأفضل لو أنه جرى التصويت على خروج مرسي من السلطة. لكن ما حدث قد حدث. ولا بد لنا من تحقيق أكبر فائدة منه. والشيء الذي يصح أن يفعله الرئيس مرسي الآن ليس فقط تجاهل النداءات بقطع المساعدات الاقتصادية لمصر ـ على أساس أن الثورة الأخيرة بلغت حد الانقلاب العسكري. وينبغي لنا السعي لجعل كل إنسان في العالم يساعد هذه الحكومة المصرية الجديدة على النجاح.

ومن غير المستغرب أن الناس يقلقهم أن جيش مصر يمكن أن يبقى في السلطة إلى مالا نهاية. وهذا خطر، لكني أقل قلقًا بشأن ذلك. فقد جرى تمكين الشعب المصري. إذ منع غالبية المصريين ـ ثلاث مرات حتى الآن منذ 2011 ـ حكومتهم من السير في الطريق الخطأ.

غير أني قلق بشأن أمر آخر. فالمصريون يحددون الطريق الصحيح ويجعلون الغالبية تسير في هذا الطريق. وهذا نوع مختلف تمامًا من التحدي، ولست متأكدًا من وصول مصر إلى هذا المستوى من الإجماع. لكن هذه الحكومة تقدم أفضل أمل لذلك. فهي لديها أشخاص جيدون في مناصب مهمة، كالمالية والخارجية. وتم التركيز بشكل صحيح على الدستور العادل والإصلاح الاقتصادي المستدام. وسوف تكون مهمتها أسهل بكثير إذا أعيد دمج الإخوان المسلمين في السياسة من جديد، وتوقفت حربهم مع الجيش. لكن الإخوان المسلمين يتعين عليهم كذلك قبول أنهم أخطأوا ـ بشدة ـ ولابد لهم من كسب ثقة الناس من جديد.

ليس هذا وقتًا تعاقب فيه أمريكا المصريين أو تطالب فيه بانتخابات سريعة. فمهمتنا هي مساعدة الحكومة الجديدة على تعظيم عدد القرارات الاقتصادية الجيدة التي تتخذها، بينما تضغط باطراد عليها كي تصبح أكثر شمولاً وتجعل بإمكان الأحزاب السياسية المتعددة تشكيلها. وإذا حدث ذلك، سيكون لدى مصر أساس صحيح لإجراء انتخابات ديمقراطية مرة أخرى. وإذا لم يحدث، فلن ينقذها أي عدد من الانتخابات.

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات