موجة كوفيد الأليمة المنسية - محمد المخزنجي - بوابة الشروق
الجمعة 29 نوفمبر 2024 12:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موجة كوفيد الأليمة المنسية

نشر فى : الخميس 1 أبريل 2021 - 9:10 م | آخر تحديث : الخميس 1 أبريل 2021 - 9:10 م

بينما يتواتر الحديث عن موجات مرضية عضوية ثالثة ورابعة للجائحة.. ثمة موجة مرضية نفسية كاسحة.. موجودة وتتفاقم.. ولا تحظى بما تستحقه من الاهتمام.

   «مساء الخير يا صديقى القديم، أكلمك ولا ترد، أنا محتاج إليك فى مسألة حياة أو موت، وبحق الِعشرة والإنسانية بيننا رد».

     كانت الرسالة قادمة من الرقم نفسه الذى ظل يظهر على شاشة هاتفى عدة ساعات، وعشرات المرات، دون أن أرد، فقد اعتدت فى الفترة الأخيرة ترك هاتفى على الوضع صامتا، مستثنيا من ذلك أسرتى وأقاربى وأصدقاء العمر، أما غير ذلك من الأسماء المسجلة فأنتقى للرد أو عدم الرد عليها ما يتناسب مع الأحوال والوقت.

     لم يكن الرقم مسجلا عندى، فلم أرد، إلى أن جاءتنى رسالته الموجزة المفزعة تلك، فكتبت إليه:

     «لكن مَن أنت؟»

     وجاءنى الرد:

«أنا...... قارئ لأدبك وكتبك، والآن أنا أمام لحظة اكتشاف غريبة وعجيبة ومريبة، أنت مدى أساسى فيها، ويكفى أن أقول لك إن مجرد ردى عليك بهذه الرسالة يعنى فقدان أبى الحقيقى، لصالح أبى الروحى، التقيتك مرة وحيدة مصادفة فى العجوزة!».

     صرخة مكتومة لغريق

     اتصلت.

     واكتشفت أن مَن أتصل به شاب مميز، ذكى وعميق الثقافة، وقد يكون أديبا موهوبا من مئات بل آلاف الموهوبين الذين يطمرهم زمن الجماهير الغفيرة وصناعة التفاهة، أخذ يقود الحديث بيننا فى أمور ثقافية متعددة وبلمحات مبدعة لأكثر من ساعة، وكنت كلما حاولت إنهاء الحديث وطلب استئنافه فى وقت لاحق، يعيدنى إليه بإلحاح يجتاح منطقة الخجل ومشاعر الأبوة عندى، وفجأة استيقظ الطبيب النفسى داخلى، يخبرنى بأننى حيال إنسان فى أزمة، ويتشبث بأى خشبة تنجيه من غرقٍ ما، فبدأت أستدعى مهنتى التى لم تذبل فى كيانى، وأُمسك بدفة الحديث، فأكتشف:

    أعراض اكتئاب وقلق، ووُهام delusion ينسج لجائحة كوفيد نسقا كونيا ماورائيا، وثمة خيط من هذا النسق يضعنى فى موقع الأب الروحى مُقابل الأب الطبيعى للشاب، وأن تواصُلنا إشارة كونية تعنى أن والده قد حكم عليه ذلك النسق بالموت بكورونا! 

     فى البدء كدت أنسى القواعد التى وضعتها لنفسى عبر اثنى عشر عاما من دراسة الطب النفسى وممارسته فى أماكن مختلفة وبيئات مختلفة وأكثر من ثقافة، بشغف وبكثير من التمرد على المسلَمات المدرسية، والانحياز إلى الحدس، وإعمال الحيرة أمام تلك القارة المجهولة التى تُسمَى النفس البشرية: 

     ألا أتسرع فى تعبئة الإنسان أمامى فى خانة من خانات تصنيف الأمراض النفسية ودلائل تشخيصاتها الرائجة، أن أتذكر قناعتى بنظرية تعدد السوية التى ترفض التسرع فى دمغ أى حالة نفسية بالمرض لمجرد ظهور عَرَض هنا أو هناك حتى لو كان العَرَض جسيما، كالضلالات والوهام والهلوسات البصرية أو السمعية أو غيرها، فحتى هذه يمكن أن تنتاب إنسانا «طبيعيا» فى لحظة ضغوط شديدة عابرة، وأن أتمثل فى نفسى كل حالة أناظرها حتى أتلمس ما بدواخلها، وبالطبع أن أهتم بالعلاقة النفس جسدية فى الأمراض النفسية، ليس فقط لاستبعاد الأسباب العضوية الصرف وراء ما يبدو نفسيا، ولكن الأهم، وتبعا للمدرسة البافلوفية التى درست التخصص فى رحابها، ألا أفصل أحوال الجسد عن اضطرابات النفس، وتنبهت..

     الوقوف على حافة المنزلَق

     وجدت أننى أمام حالة طوارئ طب نفسية لها عنوان قديم لكنه لا يزال يعمل، ويعمل بكفاءة أيا كان تشخيص الحالة، إنها النيوراثينيا، Neuroathenia أو «الوهن العصبى»، وهو مصطلح أصبح تشخيصا رئيسيا فى الطب النفسى الأمريكى خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بعد أن أعاد طبيب الأعصاب جورج ميلر بيرد تقديمه عام 1869، ثم تحول إلى مفهوم يعنى «استنفاد طاقة الجهاز العصبى عبر الإجهاد الجسدى والنفسى» على يد الطبيب الأمريكى إدوارد سبنسر كولز، الذى دوت شهرته فى بداية القرن العشرين، وهو ــ لو رجعنا إلى تاريخ تطبيب النفوس ــ لم يكن رائدا لطريقة، بل كان متبنيا لرؤية عريقة، عراقة أبوقراط وابن سينا وجالينوس، وبالطبع أستاذ أساتذتى: بافلوف، وقد وصف سبنسر كولز النيوراثينيا فى كتابه الصغير المقنع «لا تخف» بأنه استنزاف لطاقة الجهاز العصبى يجعله مستباحا لفيض من الإشارات العصبية المضطربة التى تتبدى فى النهاية كأعراض للأمراض النفسية والعقلية، وأن أكثر ما يستنفد طاقة هذا الجهاز هو الإجهاد الجسدى والنفسى، وهى رؤية بدأت حدسية وتحولت إلى حقيقة مثبتة تجريبيا من خلال الأبحاث على المخ والجهاز العصبى، وأشهرها ما يتعلق بالعصب الحائر أو المُبهم vagus nerve وعلاقة تثبيطه وتحفيزه بالمرض والصحة العقليين. 

     وقد كان ذلك الشاب شديد الإنهاك الجسدى والنفسى من خلال ما اتضح من إجاباته عما طرحته عليه من أسئلة. كان منفصلا منذ شهور قليلة عن زوجته الشابة التى أحبها، يعيش وحده فى شقة مفروشة متواضعة، مؤرَق لم ينم دقيقة منذ ثلاثة أيام، وعلى الأرجح لم يكن لديه رغبة ولا طاقة ليُعد لنفسه ما يأكله.

     معاناة نفسية سابقة تتجدد، إنهاك عقلى، وحشة عاطفية، جوع، أرق، إنها النيوراثينيا، المنحدر الزلق الذى إن لم يتفاداه فورا فهو هالك، إما أن ينهار فى اضطراب عقلى كبير: فصام، ذهان ثنائى القطب، هياج هوسى، اكتئاب مهتاج، أو: ينتحر.

     كان الانتحار أقرب ما يكون منه، وكنتُ مَن وضعته الأقدار فى تجربة، تجربة المسئولية عن نفس شابة ذكية، توشك أن تضيع، والإنقاذ شديد اليسر، لكنه متعذر فى ذلك الليل من ليالى إغلاق كورونا، ثم إننى لم يكن لدىَّ «روشتات» لأكتب له ما ينتشله أوليا من تفاقم النيوراثينيا، حاولت الاتصال بطبيبه المعالج الذى انتزعت منه اسمه، حاولت الاستعانة بصديق من الأطباء النفسيين الذين أعرفهم ليقدم له العون، وكانت الدنيا إغلاقا، كانت ذروة الجائحة.

     انطفاء وإضاءة وانتقال 

     مكثت كلما انتهت وصلة من الحديث بيننا، أعاود طلبه، وبلورت أولى خطوات إنقاذه فى «أن ينام فورا» بدواء منوم مهدئ سريع المفعول، يحصل عليه بأن يهبط إلى أقرب صيدلية ويجعلنى أتكلم مع الصيدلى المسئول بها لأعرفه بنفسى وأصف الدواء المطلوب، ويُعطى للشاب منه جرعة واحدة محددة مع تحمُلى لكامل المسئولية. 

    كانت الغاية أن ينام بعمق ليعيد شحن طاقة جهازه العصبى فيوقف طوفان الإشارات العصبية الهائجة الفوضوية، يتخطى منزلق النيوراثينيا ثم يستيقظ فيتجه فورا إلى بيت أبويه لأنه سيكون فى حاجة إلى مَن يعتنى به، لكن رقمه انطفأ، ثم أضاء هاتفى بعد ثلاثة أيام!

     هذه التجربة، التى جرعتنى كأس أسى مريرا فى أيام إغلاق كورونا، ثم أهدتنى أكثر أيامى فرحا بعد ذلك، تداعت ذكراها عندما قرأتُ التصريح الذى أدلى به يوم الجمعة 5 مارس هذا العام مايك رايان، مدير برنامج الطوارئ فى منظمة الصحة العالمية، محذرا من أن «تخفيف قيود التباعد الاجتماعى وكافة الإجراءات الاحترازية ضد كورونا المستجد يهدد بموجتين ثالثة ورابعة حال عدم توخى الحذر الشديد، وعبَر فى تصريحه عن أسفه من انجرار حكومات وشخصيات عامة اعتبرت أن كورونا من الماضى وبدأت فى تخفيف قيود الإجراءات الاحترازية، مستشهدا بتداعيات كورونا فى البرازيل، التى أدت إلى وفيات وإصابات عديدة جعلتها من أوائل الدول التى تدخل منطقة الخطورة.

     الموجة «الرابعة» المنسية

     لا شك فى أن تصريح هذا المسئول بمنظمة الصحة العالمية صحيح، لكنه من زاوية أخرى يدعو لبعض الأسف، فهو كمعظم مَن عنوا بأمر جائحة كوفيد، ينظر إليها كمرض عضوى فقط، بينما لها جانب نفسى بدهى، ومن المختصين بالطب النفسى وعلم النفس مَن رأى أن ثمة فيضا من الاضطرابات النفسية يشكل «الموجة الرابعة الكامنة لكورونا»، وهذا التعبير صكته لونا ماركيز، اختصاصية علم النفس الإكلينيكى ومديرة برنامجPRIDE   للطب النفسى المجتمعى فى مستشفى ماساتشوستس العام، الذى يقدم الرعاية للسكان المحرومين.

      ففى 9 ديسمبر 2020 ــأى قبل نحو ثلاثة أشهر من تصريح المسئول بمنظمة الصحة العالمية المحذر من موجة ثالثة ورابعة لكوفيدــ  نشر موقع جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية (ADAA) بالتنسيق مع  جريدة «نيويورك تايمز» مقالا يجمع بين الرأى والتحقيق للكاتب الأمريكى جنوب إفريقى الأصل فاراد مانجوو، عنوانه «الموجة الرابعة الخفية للوباء»، استله الكاتب من حواره مع الدكتورة «ماركيز»، التى صرحت بأن  مشكلات الصحة العقلية يمكن أن تخلق نوعا من «الموجة الرابعة» للوباء، مبينة أنه «بمجرد السيطرة على الوباء، سيخرج الناس من أجل الهواء الطلق، لكنهم لن يكونوا بخير»، وقد أردف «مانجوو» ذلك التصريح بتعليق يقول: «إن  الأسوأ كان انعدام أى تركيز حقيقى  يُعنى بتأثير الوباء على صحتنا العقلية، ليس من ادارة ترامب فقط بل حتى من إدارة بايدن (الذى كان منتخبا لتوه)؛ فقد أُعلن عن فريق عمل خاص بفيروس كوفيد ــ 19 أُشيد به على نطاق واسع لخبرات أعضائه العميقة، لكن لم يكن من أعضائه خبير واحد بالصحة العقلية، وهذا خطأ كبير».

     صدمة نفسية أمريكية

     فى ذلك المقال قال الكاتب إن كين دكوورث ــ كبير المسئولين الطبيين فى التحالف الوطنى للأمراض العقلية ــ صرح له بأنه «من غير المرجح أن يكون هذا العام جيدا بالنسبة لمَن كان لديه تاريخ من مشكلات الصحة العقلية، إذ سيعانى من اتصالات أقل، ومزيد من العزلة ومن عدم اليقين، فى حين سنكون غير مستعدين لمواجهة الخسائر العقلية للوباء كما كنا فى حالة الخسارة الجسدية، فالصورة قاتمة؛ لأنه حتى قبل الوباء كان لدى الولايات المتحدة عددٌ قليلٌ جدا من المتخصصين فى الصحة العقلية لتلبية احتياجات الأمة، والنقص أكثر خطورة فى المناطق الريفية وفى المجتمعات الحضرية التى تئوى الفئات المهمشة، لقد ارتفع الطلب على العلاج النفسى بشكل كبير بينما لم يرتفع العرض، وسيستغرق الأمر ثمانية أشهر حتى ينفجر الطلب أكثر». 

      وفى سياق هذه الرؤية غير المتفائلة بحال خدمات الصحة النفسية الأمريكية أضاف جوشوا جوردون، مدير المعهد الوطنى للصحة العقلية قائلا: «إن نظام الصحة العقلية يكافح بالفعل لمواجهة ذلك الانفجار، ففى شهر يونيو (2020) وجدت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن 40% من البالغين فى الولايات المتحدة أبلغوا عن معاناتهم من حالة صحية عقلية أو سلوكية ضارة، واحدة على الأقل لكلٍ منهم، وتتضمن أعراض المرض العقلى أو تعاطى المخدرات، وكلها مرتبطٌ بأعباء الوباء. 

     وإذا كان ذلك المقال يكشف عن حال الولايات المتحدة الغنية المتقدمة وعجزها النسبى فى مواجهة الاضطرابات النفسية المتفاقمة تحت وطأة الوباء أو الناشئة بفعل هذه الوطأة، فما بالنا بالدول الفقيرة وشبه الفقيرة، ناهيك بالدول الأكثر تعاسة، التى تهلكها أغبى الحروب، الأهلية والإقليمية؟ أمور تدعو إلى الحسرة، وتوجب أقصى الجدية والاهتمام، فالأمر يتعلق بخسارة فادحة لنفوس وأرواح أؤمن ــ من خلال عملى فى الطب النفسى وتحديقى الأدبى فى عين النفوس ــ بأنها رقيقة طيبة، فالأرواح الغليظة الخبيثة لا تمرض نفسيا ولا تنفجر عقليا، بل تشغل مواقع أخرى من الفساد الروحى لها عناوين كالسيكوباتية والتدميرية والنرجسية الخبيثة، ولم يكن الشاب الذى اتصل بى وتواصلت معه فى ذلك الليل الأليم من ليالى الجائحة والإغلاق إلا نفسا رقيقة طيبة، أوقفتها الظروف والضغوط على حافة منزلق النيوراثينيا، هاوية الضياع، لكن الله لَطَف.

     وقوفا لتلقى شهقة النجاة

    لَطَفَ الله بى وبه، فقد مكثت مثقلا بشعور المقصر المذنب، أكاد أعاف الطعام ويضطرب نومى إيذانا بموجة اكتئابية، حتى ومض هاتفى برقمه، فوقفت مشدودا أتلقى اتصاله كمَن يرتجى شهقة النجاة، وفرحت روحى بنجاته، لقد نفذ ما أوصيته به وألححت: أن ينام، وأن يرجع إلى حضن بيت الأهل، وكان، أفلت من منزلق النيوراثينيا، ثم ذهب إلى طبيب نفسى فى بلدته يتابعه، وكان صوته مختلفا تماما عن الصوت الذى حادثنى به يوم الشِدة، صوت الطمأنينة والسلام والحضور اللطيف الحيوى.

     الآن، وقد انقطعت عن ممارسة الطب النفسى منذ سنوات، وفقدت الكثير من لياقتى لممارسة هذا الاختصاص الكبير والخطير الذى يتطلب لياقة خاصة جدا، لا أسمح لنفسى بالمجادلة فى شأن وضع مخطط تنظيمى وقائى وبروتوكول علاجى لمواجهة هذه «الموجة الرابعة» النفسية المنسية، التى ليست كامنة فقط، بل هى ماثلة قطعا، وقطعا ستتفاقم وتنفجر، ولدينا أساتذة مرموقون وأطباء كبار فى مجال الطب النفسى أجدر بوضع خطة استيعاب وبروتوكول علاجى لطوارئ هذه الموجة الرابعة التى لم تعد خافية، بينما يتواضع دورى عند مهمة نقل تجارب غيرنا، لعلها تفيد، ومن ثم، أعود إلى تلك الحالة الأمريكية..

     هل قليل من التفاؤل يكفى؟

     مقابل ما سلف من تشاؤم، ثمة قليل من الأخبار المشجعة، فعندما ضرب الوباء ضربته، تمكن العديد من المعالجين النفسيين ومرضاهم فى الولايات المتحدة (وغيرها) من نقل جلساتهم إلى الإنترنت، مما أتاح الحصول على مساعدة نفسية حتى مع استمرار الفيروس فى نشاطه وقبوع الناس فى منازلهم، كما تم تشجيع الخبراء من خلال المناقشة العامة حول الصحة العقلية فى الأشهر القليلة الماضية، فأبرزت مؤسسات الصحة العقلية ووسائل الإعلام الإخبارية أهمية الحفاظ على الترابط الاجتماعى على الرغم من الحاجة إلى التباعد الجسدى.

    ونظرا إلى أن نظام الصحة العقلية الأمريكية يُتوقَع ألا يكون قادرا على رعاية العديد من الأشخاص المحتاجين، فقد قدم الخبراء الذين شملهم التحقيق مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التى وُصِفت بأنها «حسنة النية» لحفاظ  الناس على سلامتهم العقلية فى هذه الشدة، وتتمثل فى: التغذية الصحية، والنوم الجيد، وتنشيط العلاقات الاجتماعية، وقضاء بعض الوقت فى الهواء الطلق والأجواء المُشمِسة خارج البيوت، وممارسة الكثير من التمارين التى ثبت أنها توفر تحسينات كبيرة لمجموعة من مشكلات الصحة العقلية، وأهمها وأيسرها ــفى رأيى وبخبرتى العمليةــ المشى النشِط بعيدا عن الزحام، وفى ظلال الأشجار ما أمكن.

    تخبئة العيون لا تُخفى المخيف

    هذه الموجة النفسية لجائحة كوفيد ــ 19، سواء حلت موجة جسدية ثالثة أو رابعة، لم تعد خافية، وينبغى ألا تخفى، فهى ماثلة وإن كنا نضع أيدينا على عيوننا لنحجب رؤيتها، فنماثل الأطفال الصغار جدا فى إنكارهم لكل مخيف، كأن عدم رؤية المخيف ينهيه. لا مناص من التحديق فى عين الخوف، فهذه الموجة، بغض النظر عن ترقيمها، ليست قادمة فقط، بل موجودة وتتفاقم، وستنفجر، ولها عواقب لا تقل وخامة عن العواقب العضوية والاجتماعية والاقتصادية للجائحة، ولا ينبغى أن تظل منسية، ولا يصح تناسيها.

لوحة «الصرخة» للفنان التعبيرى النرويجى «إدفارد مونش»، أبدعها عام 1893 معبرة عن صرخة الألم النفسى الإنسانى تحت سماء تجتاحها موجات غيوم نازفة وأرض تعصف بها موجات رياح سود، فيما لا يعبأ بالصارخ حتى المارين معه على الجسر. كأنها صرخة المعاناة الإنسانية النفسية، المنسية، فى أيامنا.

محمد المخزنجي كاتب مصري كبير ، وطبيب أمراض نفسية ، ولد في المنصورة ، وعمل في مجلة العربي الكويتية ثم تفرغ ككاتب حر ، يُعتبر من أبرز كتاب القصة في العالم العربي ، وله إسهامات متفردة في الكتابة العلمية وأدب الرحلات والمقال الصحفي .